2014 127

عظماء لا يعرفهم أحد

Bookmark and Share
الزمان: الرابعة عصرًا يوم السادس والعشرون من ديسمبر 2013

المكان: مدينة سيدني - أستراليا

كنا في طريقنا لمؤتمر مع أحد الإخوة المحبوبين وزوجته الفاضلة، في سيارتهما الخاصة، وبعد أقل من نصف ساعة. توقف مرافقنا بسيارته أمام أحد البيوت، ثم قال لنا: أستأذنكم سندخل أنا وزوجتي لزيارة هذا البيت سريعًا، ثم نستأنف رحلتنا. وقبل أن ينزل من السيارة استطرد قائلاً: إذا أردتما مشاركتنا في هذه الزيارة، سيكون أمرًا طيبًا.

فسألناه: من هم أصحاب هذا البيت؟

فقال لنا: إنه الأخ جون، وزوجته ماريانا. خدما الرب سنوات طويلة جدًا في إحدى المكتبات المسيحية، وقد تعرَّفنا عليهما من خلال زيارتنا للمكتبة، حيث كنا نجد لديهما كتبًا مسيحية قيّمة ونادرة. لكنهما الآن لا يقدران على التواجد في المكتبة نظرًا لعمريهما اللذان جاوزا التسعين!!

أثارتنا كلماته، ودفعنا الفضول للنزول من السيارة سريعًا، وأخذت الكاميرا في يدي، طامعًا في أن التقط معهم صورة، لأتذكر دائمًا هؤلاء الأبطال.

دخلنا وكان في استقبالنا ذلك الشيخ البطل الأخ جون بإبتسامة عذبة، ووجه ينطق بالحب، والهدوء، والفرح. رغم بطء حركته وجسده الواهن الضعيف،

سلَّمنا عليه، ثم سأله مرافقنا وزوجته عن ماريانا – زوجته – فأمتلأ وجهه بمزيج من مشاعر الحب والحنان مع شيء من الضيق وهو يقول لهما: إنها تحتاج للعناية، والإهتمام.

بينما نحن نتكلم، جاءت ماريانا زوجته تسير ببطء على عكازين، وترفع رأسها من وقت لآخر لترى الزوار، وما إن رأتنا حتى امتلأ وجهها بإبتسامة واسعة، وظلت تتطلع في وجوهنا بذات الابتسامة لوقت، وعندما علمت أننا من مصر ازدادت فرحتها، وظلت تشكرنا جميعًا على الزيارة، تحدّثنا قليلاً، ثم رفع جون صوته بالصلاة لأجل مصر، والمصريين جميعًا، وكم تأثرت كثيرًا حينما رأيت ماريانا زوجته تتطلع إليه وهو يصلي بكل حواسها، وكأنها تُشاركه ذات المشاعر والكلمات من نحو المؤمنين في مصر.

أنهينا زيارتنا التي لم تستغرق عدة دقائق، لكنها تركت في نفوسنا تأثيرات حقيقية، امتلأنا تعزية وشعرنا أننا في بيت أبطال حقيقيين، قد لا يعرف العالم عنهما الكثير، لكن السماء تعرفهما جيدًا، ربما لا يسمع أحد عن خدمتهما، لكن الله يعرف مقدار هذه الخدمة جيدًا، وربما قليلون أمثال مرافقنا وزوجته يقدّرون هؤلاء الأبطال، لكن إلهنا العظيم، يعرف مقدار ما بذلاه لمجده، ويقدّر تمامًا محبتهما وخدمتهما له، إنه لا يتجاهل، كما يفعل البشر أحيانًا، سنوات حياتهما التي قضياها يخدمانه، ولا ينسى تعبهما وصلواتهما لأجل المؤمنين في كل مكان في العالم. فالتأثيرات التي ملأت قلوبنا لمجرد قضاء وقت قليل في بيتهما؛ تؤكِّد أن الرب في هذا البيت. ومحبتهما بعضهما لبعض، تؤكِّد أن الرب يملأ قلبيهما، كما أن محبتهما لقطيع الرب في كل مكان، تؤكِّد أن محبته تملأ قلبيهما بالحب للجميع.

حقًا قد رأينا الرب في ذلك البيت المبارك.

أخي/ أختي

كم من عظماء في هذا العالم لا يعرفهم أحد، وكم من أتقياء يخدمون الله بكل قلوبهم، دون انتظار لمديح الناس، واستحسانهم. إنه المعنى الحقيقي للحياة، أن تخدم الله، في المكان الذي يقودك إليه، أن تتبع سيدك أينما يكون، وأن تفعل ما يرضيه ويُشبع قلبه. لا تبحث عن مكانتك في الخدمة، ولا تنشغل برأي الناس فيما تفعل. لا تنتظر ردود الأفعال الإيجابية طوال الوقت، ولا تتلهف للمراكز المرموقة في خدمة السيد، فقط أبحث عن مشيئته، وكن مخلِصًا أمامه. أمتلئ بالحب له، واترك له أمر قيادتك في المكان الذي يريدك فيه.

فكل أبطال الإيمان ورجال الله الأتقياء في كل مكان وزمان، حسبوا كل شيء نفاية، ولم يشغلهم إلا إكرام السيد وحده، وبذل الحياة في خدمته. ألم يفعل بولس الرسول ذات الأمر، وأعلن لنا في رسالة فيلبي شعار خدمته: «لكِنْ مَا كَانَ لِي رِبْحًا، فَهذَا قَدْ حَسِبْتُهُ مِنْ أَجْلِ الْمَسِيحِ خَسَارَةً. بَلْ إِنِّي أَحْسِبُ كُلَّ شَيْءٍ أَيْضًا خَسَارَةً مِنْ أَجْلِ فَضْلِ مَعْرِفَةِ الْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّي، الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ خَسِرْتُ كُلَّ الأَشْيَاءِ، وَأَنَا أَحْسِبُهَا نُفَايَةً لِكَيْ أَرْبَحَ الْمَسِيحَ» (فيلبي3: 7، 8). كما أعلن لنا في ذات الرسالة قرارًا يجب على كل من يخدم الله أن يتخذه شعارًا ومسارًا لحياته: "أَفْعَلُ شَيْئًا وَاحِدًا: إِذْ أَنَا أَنْسَى مَا هُوَ وَرَاءُ وَأَمْتَدُّ إِلَى مَا هُوَ قُدَّامُ، أَسْعَى نَحْوَ الْغَرَضِ لأَجْلِ جَعَالَةِ دَعْوَةِ اللهِ الْعُلْيَا فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ." (فيلبي3: 13، 14).

باسم شكري
 

الصفحة الرئيسية - إتصل بنا - نبذة عن المجلة

كتّاب المجلة - أعداد نحو الهدف السابقةصفحة البحث

©2010 Nahwal Hadaf