2015 133

الخطية لها عقاب.. والزرع له حصاد

Bookmark and Share

بالقراءة المتأنية للأصحاح الحادي عشر من سفر صموئيل الثاني يُمكننا ملاحظة أنه لم تُذكر فيه كلمة واحدة عن الرب. بينما نلاحظ تكرار كلمة “أَرْسَلَ” سبع مرات بالارتباط بداود (ع1، 3، 4، 6 مرتين، 14، 27). وثلاث مرات بالارتباط بيوآب (ع6، 18، 22). ومرة بالارتباط ببَثْشَبَع (ع5). كما أن كلمة “رُسُلاً” و”الرَّسُول” تُذكر خمس مرات (ع4، 19، 22، 23، 25).

لقد سقط داود في الخطية حينما كان قابعًا في عقر داره، بينما الشعب يواجه خط النار في الحرب مع الأعداء. ويا لشناعة القسوة والغدر الذي حاول داود أن يُغطي بهما فعلته النكراء! لقد كان ملكًا مُطلَّق التصرف، فاستخدم سلطانه وسلطاته، ليُرسل وليأمر، وليُتمِّم أغراضة الشخصية، مُقادًا بإرادته الذاتية؛ فكان هناك التخطيط المُمتَّزج بالتمويه والخداع، وكانت هناك أيضًا القسوة الشديدة التي تترك البطل أُورِيَّا في مواجهة الحرب، مع التوصية بالتخلي عنه، وتركه ليواجه الموت (ع15-17).

والخطية تجُرّ في ذيلها دائمًا خطايا كثيرة متعددة، أشنع وأرهب، وطريقها دائمًا منزلق يُسقِط القديس الجالس على القمة، إلى المنحدر الرهيب. والتستر على الخطية يُضيف إليها خطايا أخرى متعددة: الكذب والغدر والنفاق والقسوة والكبرياء والرياء!!

ظن داود خطأً أن الأمر قد استتبَّ له بعد موت أُورِيَّا، فتزوَّج من بثشبع، ووُلد له ولد، وكأنَّ لا شيء حدث. ولكن يا لها من كلمة مرعبة يقولها الكتاب: «وَأَمَّا الأَمْرُ الَّذِي فَعَلَهُ دَاوُدُ فَقَبُحَ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ»! (ع27). وما أرهب صوت الله عندما يُسمِع الإنسان هذه الكلمة! ولكن ماذا بعد؟!

إننا نقرأ في بداية الأصحاح الثاني عشر من سفر صموئيل الثاني هذه الكلمة مرة أخرى «أَرْسَلَ»، ولكن هذه المرة «فَأَرْسَلَ الرَّبُّ نَاثَانَ إِلَى دَاوُدَ. فَجَاءَ إِلَيْهِ وَقَالَ لَهُ... أَنْتَ هُوَ الرَّجُلُ!... احْتَقَرْتَ كَلاَمَ الرَّبِّ لِتَعْمَلَ الشَّرَّ فِي عَيْنَيْهِ... قَتَلْتَ أُورِيَّا الْحِثِّيَّ... وَأَخَذْتَ امْرَأَتَهُ... لاَ يُفَارِقُ السَّيْفُ بَيْتَكَ إِلَى الأَبَدِ... أُقِيمُ عَلَيْكَ الشَّرَّ مِنْ بَيْتِكَ... لأَنَّكَ أَنْتَ فَعَلْتَ بِالسِّرِّ وَأَنَا أَفْعَلُ هَذَا الأَمْرَ قُدَّامَ جَمِيعِ إِسْرَائِيلَ وَقُدَّامَ الشَّمْسِ» (2صموئيل12: 1-12).

آه، ما أقساها رسالة أرسلها الرب لداود، أفاقته من سباته وهو تحت تأثير المخدر الشيطاني حيث كان قد سكر بخمر الشهوة، ناسيًا أن الساهر القدوس يراه ويلاحظ كل طرقه، ويزن كل أعماله بميزان الحق، وأنه ينظر ويُطالب. ظنَّ أنه سَيِّد الموقف وصاحب القرار، فأرسل وأخذ، ثم أرسل وقتل، حتى جاءه رسول يحمل له رسالة خطيرة من الله اخترقت ضميره وأعماقه. لقد تقلَّب السيف ذو الحدين، فأخذ أول ما أخذ الطفل الذي وَلَدَتْهُ امرَأةُ “أُورِيَّا” لِدَاوُدَ (2صموئيل12: 18)، ثم تقلَّب مرة أخرى فذُلَّت “ثَامَار” ابنته (2صموئيل13: 1-22)، ثم تقلَّب مرة أخرى فقُتلَ “أَمنُون” (2صموئيل13: 23 33)، ثم تقلَّب مرة أخرى فطارد “أَبشَالُوم” أباه (2صموئيل15-18)، وتقلَّب مرة أخرى فنفذ في قلب أجمل أولاده؛ “أَبشَالُوم” (2صموئيل18: 9-15).

ولكن ما يعنيني في الأمر هنا ما حدث في صموئيل الثاني13، إذ نقرأ نفس الكلمة «فَأَرْسَلَ» تُذكر مرتين بالارتباط بداود:

«فَأَرْسَلَ دَاوُدُ إِلَى ثَامَارَ إِلَى الْبَيْتِ قَائِلاً: اذْهَبِي إِلَى بَيْتِ أَمْنُونَ أَخِيكِ وَاعْمَلِي لَهُ طَعَامًا. فَذَهَبَتْ ثَامَارُ إِلَى بَيْتِ أَمْنُونَ أَخِيهَا وَهُوَ مُضْطَجِعٌ» (2صموئيل13: 7، 8).

كان داود هو الذي أرسل بنفسه ابنته “ثَامَار” لمصيرها المشؤوم، وهو ما ضاعف أحزانه.

وتمامًا كما خُدع “أُورِيَّا” مِن قِبَل داود، خُدع داود مِن قِبَل ابنه “أَمْنُون”!

ولماذا كل هذا؟!

«لأَنَّهُ بِنَفْسِ الْكَيْلِ الَّذِي بِهِ تَكِيلُونَ يُكَالُ لَكُمْ» (لوقا6: 38).

ولكن هناك المزيد: «فَقَالَ أَبْشَالُومُ: إِذًا دَعْ أَخِي أَمْنُونَ يَذْهَبْ مَعَنَا. فَقَالَ الْمَلِكُ: لِمَاذَا يَذْهَبُ مَعَكَ؟ فَأَلَحَّ عَلَيْهِ أَبْشَالُومُ، فَأَرْسَلَ مَعَهُ أَمْنُونَ وَجَمِيعَ بَنِي الْمَلِكِ» (2صموئيل13: 26، 27).

وكان داود هو الذي أرسل “بِكْرُه أَمْنُون” ليُلاقي حتفه. ويا للندم الذي عاناه بعد ذلك!

وكما أمر داود عبيده بقتل “أُورِيَّا”، أمر “أَبْشَالُومُ” عبيده بقتل “أَمْنُون”.

وكما أَسْكَرَ داود “أُورِيَّا” قبل قتله، أَسْكَرَ “أَبْشَالُومُ” “أَمْنُون” قبل قتله.

هل يمكن أن يحدث هذا؟!

نعم «لأَنَّهُ بِنَفْسِ الْكَيْلِ الَّذِي بِهِ تَكِيلُونَ يُكَالُ لَكُمْ» (لوقا6: 38).

بل إنه «بِالْكَيْلِ الَّذِي بِهِ تَكِيلُونَ يُكَالُ لَكُمْ وَيُزَادُ» (مرقس4: 24). لقد قال الرب يسوع هذا الكلام الخطير وكرَّره في أكثر مِن مناسبة (مرقس4: 24؛ متى7: 2؛ لوقا6: 38). وهذا قانون طبيعي لا يقدر إنسان ما أن يفلت منه. إنه يُشبه قانون الزرع والحصاد الذي يقول «لاَ تَضِلُّوا! اللهُ لاَ يُشْمَخُ عَلَيْهِ. فَإِنَّ الَّذِي يَزْرَعُهُ الإِنْسَانُ إِيَّاهُ يَحْصُدُ أَيْضًا» (غلاطية6: 7). وإنه لَمبدأ ثابت في الحياة: كوننا نحصد على قدر ما نزرع، وكون أعمالنا تعود لتنعكس علينا، كما أنه بِالْكَيْلِ الذي نعتمده في تعاملنا مع الآخرين “يُكَالُ لَنا وَيُزَادُ”. وإننا لا بد وأن نشرب من نفس الكأس التي أردنا أن نسقي الآخرين منها! وهو عين ما عبَّر عنه داود بقوله: «كَرَا جُبًّا. حَفَرَهُ، فَسَقَطَ فِي الْهُوَّةِ الَّتِي صَنَعَ. يَرْجِعُ تَعَبُهُ عَلَى رَأْسِهِ، وَعَلَى هَامَتِهِ يَهْبِطُ ظُلْمُهُ» (مزمور7: 15، 16). فلنحذر أيها الأحباء!

على أن مبدأ الزرع والحصاد، والكيل الذي نكيل به ويُكال لنا، لا ينطبق فقط على فعل الشر، بل ينطبق أيضًا على فعل الخير. فالرب كان يتكلَّم عن عدم إدانة الآخرين، وعن الغفران الأخوي، وعن العطاء بسخاء «لاَ تَدِينُوا فَلاَ تُدَانُوا. لاَ تَقْضُوا عَلَى أَحَدٍ فَلاَ يُقْضَى عَلَيْكُمْ. اِغْفِرُوا يُغْفَرْ لَكُمْ. أَعْطُوا تُعْطَوْا، كَيْلاً جَيِّدًا مُلَبَّدًا مَهْزُوزًا فَائِضًا يُعْطُونَ فِي أَحْضَانِكُمْ. لأَنَّهُ بِنَفْسِ الْكَيْلِ الَّذِي بِهِ تَكِيلُونَ يُكَالُ لَكُمْ» (لوقا6: 37، 38). فإن زرعنا الحب والرحمة، والعطف واللطف، والمعروف والأمانة، وصنعنا السلام والخير للآخرين؛ فإننا سنحصد في وقته إن كنا لا نكل.

فايز فؤاد
 

الصفحة الرئيسية - إتصل بنا - نبذة عن المجلة

كتّاب المجلة - أعداد نحو الهدف السابقةصفحة البحث

©2010 Nahwal Hadaf