سأفترض معك افتراضًا لنتعلَّم من خلاله ما يفيدنا روحيًا. ستجد الافتراض على طول المقال بهذا الخط المميَّز، والمنفعة بخط آخر.
تخيل إنك محتاج مشورة بخصوص الكلية التي التحقت، أو ستلتحق، بها. محتاج لمن يَفْهَمَك ويُفَهِّمك.
بالتأكيد لن تسأل من تعرف أنه غير متعلمٍ أو ليس حكيمًا بالقدر الكافي. كما أنك لن تسأل من هو في مثل حيرتك؛ فكلاكما سواء.
نحن في مدرسة الحياة بامتحاناتها الصعبة، في رحلة العمر بمتاعبها وصعودها وهبوطها، في مشوارنا الروحي بكل تساؤلاته وتحدياته؛ نحتاج لمن يَفْهَمَنا ويُفَهِّمنا. فإن التفتنا للناس حولنا بحثًا عن معين سنُصدم؛ فهناك من يريد أن يتفهم لكن تنقصه الخبرة، ومن عنده القدرة وتغيب عنه الرغبة، ناهيك عمن لا رغبة ولا خبرة ولا معرفة عنده!! لذا يقول الكتاب «كُفُّوا عَنِ الإِنْسَانِ الَّذِي فِي أَنْفِهِ نَسَمَةٌ، لأَنَّهُ مَاذَا يُحْسَبُ؟» (إشعياء٢: ٢٢)، وأيضًا «لاَ تَتَّكِلُوا عَلَى الرُّؤَسَاءِ، وَلاَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَيْثُ ل
اَ خَلاَصَ عِنْدَهُ» (مزمور١٤٦: ٣).
لكن هَبّ أنك قابلت واحدًا قالوا لك عنه أحسن كلام عن فهمه وإمكانياته وسمعته وأمانته ودقة كلامه، لكنك اكتشفت أنه دَرَسَ في كلية مختلفة تمامًا. فما مدى ثقتك في مشورته؟ قد تُقدِّر علمه وشخصه لكن قد تشكّ في رأيه حتى وإن بدا سليمًا؛ لأنك ستشعر أنه لم يجرِّب ما تجرِّب أنت.
في العهد القديم اتكل المؤمنون على الرب «صَخْرَةُ قُوَّتِي مُحْتَمَايَ فِي اللهِ. تَوَكَّلُوا عَلَيْهِ فِي كُلِّ حِينٍ يَا قَوْمُ. اسْكُبُوا قُدَّامَهُ قُلُوبَكُمْ. اَللهُ مَلْجَأٌ لَنَا» (مزمور٦٢: ٧-٨). وسأضع نفسي ببينهم، لأجدني أومن بقدرته لأني رأيت أعماله العظيمة، وبحكمته وصلاحه ومحبته ورحمته، فكلها يمكن ملاحظتها. لكن سيبقى أمامي تساؤل عسير: هل يفهمني ويشعر بمشاعري وأنا أجوز في جبال ووديان هذه الحياة؟ هل اختبَر ما أختبِره؟
دعنا نكمل افتراضنا. فإذا كان هذا الشخص قد درس في نفس الكلية، هل يفرق هذا معك؟ أسمعك تجيبني: بالتأكيد. سأستمع لرأيه بثقة كمن اختبر.
هل تساءلت لماذا عاش الرب على الأرض أكثر من ٣٣ سنة؛ أما كان يمكن أن ينجز مهمته أسرع من هذا؟ لعل هذه الكلمات توضح لك: «مِنْ ثَمَّ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُشْبِهَ إِخْوَتَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ، لِكَيْ يَكُونَ رَحِيمًا، وَرَئِيسَ كَهَنَةٍ أَمِينًا فِي مَا ِللهِ حَتَّى يُكَفِّرَ خَطَايَا الشَّعْبِ. لأَنَّهُ فِي مَا هُوَ قَدْ تَأَلَّمَ مُجَرَّبًا يَقْدِرُ أَنْ يُعِينَ الْمُجَرَّبِينَ» (عبرانيين٢: ١٧-١٨).
لقد جاز في كل ما أجوز به وأكثر:
الفقر: «لقد افْتَقَرَ وَهُوَ غَنِيٌّ» (٢كورنثوس٨: ٩)، أصعب أنواع الفقر. فهذا الغني لم يكن له مكان ليبيت فيه، ولا كان في جيبه نقود، وكان يعتمد على إعالة الآخرين! (متى٨: ٢٠؛ ١٧: ٢٧؛ ٢٢: ١٩؛ لوقا ٨: ٣).
الظلم: وهل تعرَّض واحد لما ظُلم به؟ قاضيه قال إنه بار ثم حكم علية بالصلب!! (لوقا٢٣: ٢٢-٢٥).
الخذلان وعدم التفهم: لم يفهمه أقرب الناس له، ومنهم من أنكره بل ومن خان وسلَّمه!
الوجع: يكفي أن تقرأ قصة الـ٢٤ ساعة الأخيرة قبل موته. تفكَّر في الجروح وانفصال العظام وما أصاب الجسد الكريم.
واقرأ الأناجيل سترى ما هو أكثر مما ذكرنا.
نعم إنه «يَقْدِرُ أَنْ يُعِينَ الْمُجَرَّبِينَ» ويشعر بما يدور داخلهم.
وما رأيك إذا كان معينك قد اجتاز سنوات الدراسة جميعها بامتياز مع مرتبة الشرف وهو أول دفعته؟ ستثق فيه أكثر بالطبع.
«لأَنْ لَيْسَ لَنَا رَئِيسُ كَهَنَةٍ غَيْرُ قَادِرٍ أَنْ يَرْثِيَ لِضَعَفَاتِنَا، بَلْ مُجَرَّبٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِثْلُنَا، بِلاَ خَطِيَّةٍ». إنه من استطاع بحقٍ أن يقول عن نفسه «مَنْ مِنْكُمْ يُبَكِّتُنِي عَلَى خَطِيَّةٍ؟» (يوحنا٨: ٤٦). بل قيل عنه «لَمْ يَتَكَلَّمْ قَطُّ إِنْسَانٌ هكَذَا مِثْلَ هذَا الإِنْسَانِ!» (يوحنا٧: ٤٦)، «لَمْ يَفْعَلْ شَيْئًا لَيْسَ فِي مَحَلِّهِ» (لوقا٢٣: ٤١)، أي أن نتيجته ١٠٠٪ مع مرتبة الشرف في شهادة الآب عنه «هذَا هُوَ ابْني الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ» (متى٣: ١٧؛ ١٧: ٥).
وإذ لنا من هو بهذه الصفات «فَلْنَتَقَدَّمْ بِثِقَةٍ إِلَى عَرْشِ النِّعْمَةِ لِكَيْ نَنَالَ رَحْمَةً وَنَجِدَ نِعْمَةً عَوْنًا فِي حِينِهِ (عبرانيين٤: ١٥-١٦).
أما إنْ عرفت أنه أصبح عميدَ الكلية، فلا حدود إذًا لثقتك فيه.
ونحن «لَنَا رَئِيسُ كَهَنَةٍ عَظِيمٌ قَدِ اجْتَازَ السَّمَاوَاتِ، يَسُوعُ ابْنُ اللهِ» (عبرانيين٤: ١٤). ربنا يسوع ليس على قمة كلية أو حتى دولة، بل فوق جميع السماوات، دُفع إليه كل سلطان وهو معنا دائما (متى٢٨: ١٨، ٢٠). ما أهنانا إذًا برئيس الكهنة العظيم.
تبقى مشكلة في الرجل الذي افترضناه: أنه قد يمرض أو يشيخ أو يموت؛ فلا أجده جواري!
اعتاد واحد أن يذهب لرئيس الكهنة في العهد القديم وارتاح له ولمشورته. لكن يومًا ذهب إليه فاعتذر رئيس الكهنة لأنه لا بد أن يقدم ذبيحة عن نفسه وذبيحة عن الشعب (لاويين١٦)، فاحتمل صديقنا متضررًا أن يبقى للغد. ولكنه في مرة أخرى ذهب فوجد رئيس الكهنة قد مات «من أَجلِ مَنْعِهِمْ بِالْمَوْتِ عَنِ الْبَقَاءِ» (عبرانيين ٧: ٢٣).
أما الحال بالنسبة لنا فلا فيه هذا ولا ذاك «قَدْ صَارَ يَسُوعُ ضَامِنًا لِعَهْدٍ أَفْضَلَ... فَمِنْ أَجْلِ أَنَّهُ يَبْقَى إِلَى الأَبَدِ (انظر رؤيا١: ١٨)، لَهُ كَهَنُوتٌ لاَ يَزُولُ. فَمِنْ ثَمَّ يَقْدِرُ أَنْ يُخَلِّصَ أَيْضًا إِلَى التَّمَامِ الَّذِينَ يَتَقَدَّمُونَ بِهِ إِلَى اللهِ، إِذْ هُوَ حَيٌّ فِي كُلِّ حِينٍ لِيَشْفَعَ فِيهِمْ. لأَنَّهُ كَانَ يَلِيقُ بِنَا رَئِيسُ كَهَنَةٍ مِثْلُ هذَا، قُدُّوسٌ بِلاَ شَرّ وَلاَ دَنَسٍ، قَدِ انْفَصَلَ عَنِ الْخُطَاةِ وَصَارَ أَعْلَى مِنَ السَّمَاوَاتِ، الَّذِي لَيْسَ لَهُ اضْطِرَارٌ كُلَّ يَوْمٍ مِثْلُ رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ أَنْ يُقَدِّمَ ذَبَائِحَ أَوَّلاً عَنْ خَطَايَا نَفْسِهِ ثُمَّ عَنْ خَطَايَا الشَّعْبِ، لأَنَّهُ فَعَلَ هذَا مَرَّةً وَاحِدَةً، إِذْ قَدَّمَ نَفْسَهُ» (عبرانيين٧: ٢٢-٢٧). لأنه الحي، ولأن عمله كامل، يقدر أن يخلِّص إلى أبعد مدى تحتاجه حالتنا (إلى التمام).
من حق كل مؤمن حقيقي أن يترنم:
بتفهمنى، وبتحس بيَّ (لأنه عاش مثلي كإنسان)
وتسمع كلامى اللى مابقولهوش (لأنه هو الله)
وتحبنى وتشفق عليَّ وأصغر نور فيَّ ما بتطفيهوش
انا ليَّ مين يا يسوع غير قلبك اللي يحبنى
بتضمنى وبيهمك أصغر حاجه بتهمنى