2007 83

صبي الخباز

Bookmark and Share

في إثناء زلزال تسونامي الشهير، الذي بدأ صباح يوم 26 ديسمبر عام 2004 في جزر المالديف، والذي ضرب العديد من الدول الآسيوية، مُخلِفًا عشرات الآلاف من القتلى؛ ذكرت إحدى الصحف اليومية الشهيرة - في صفحتها الأولى - خبرًا لا زلت أذكره؛ مفاده أن صبي سريلانكي صغير - لا يتجاوز العاشرة من عمره - تكلّم إلى مجموعة من السائحين بما يعرفه عن قوانين المد والجز- بناء على ما تعلّمه في مدرسته - في وقت وصول الكارثة إليهم. وقد تسبّبت نصيحة الصبي في إنقاذ ما يقرب من مائة سائح من مختلف الجنسيات، تسلّقوا الأشجار المرتفعة بعد سماعهم لنصيحة الصبي، مما نتج عنه إنقاذ حياتهم جميعًا.

فكم من نصيحة مخلصة صغيرة قد أحدثت أثرًا عظيمًا جليلاً. نعم فمن يزدري بيوم الأمور الصغيرة (زكريا4:10).

ومن قديم الزمان يتمجّد الله بواسطة الصغير والقليل والمحتقَر.

مرة في أثناء حديث الرب لآلاف الجموع المحتاجة الملتفة حوله، داهمهم وقت الغروب، فنصح التلاميذ الرب أن يصرف الجموع قبل حلول الليل ليبتاعوا لهم طعامًا من القُرى المجاورة في طريق عودتهم إلي منازلهم. لكن الرب لم يوافق على صرف الجموع جائعين، بل قال لتلاميذه: «أعطوهم أنتم ليأكلوا».

وقع التلاميذ في ”حيص بيص“! فالمكان برّية بعيدة عن العمران، وعلى فرض أنهم وجدوا مكانًا يبتاعوا منه طعامًا، فلن يكفي الجمع خبزًا بمائتي دينار لينال كل منهم نذرًا يسيرًا. وهنا تذكَّر أندراوس أنه قد رأى صبيًا صغيرًا بين الجموع لديه خمسة أرغفة شعير وسمكتان صغيرتان، لكنه أردف قائلاً بيأس: «ما هذا لمثل هؤلاء؟». ولكن آه لو تذكر أندراوس ماذا فعل رغيف الشعير في سالف الزمان في أيام جدعون. لقد حلم جندي الأعداء أن رغيف من شعير يتدحرج في محلة المديانيين، وكان كافيًا لنصرة شعب الله على أعدائه. فكم بالحري خمسة أرغفة تكفي لإطعام جمهور جالس أمام الرب.

ولكن ماذا عن الصبي الصغير؟ يحكي أحد شرّاح الكتاب المقدس Mr.Schor في كتابه ”فلسطين والكتاب المقدس“ أن الصبي - طبقًا لبعض التقاليد اليهودية - ربما كان صبي خبّاز. إلا أن الكتاب لا يذكر شيئًا عن هذه الجُزئية؛ إلا أن الأكيد أن الصبي قد قدَّم كل ما يملك من طعام بين يدي الرب لاستخدامه. وقد هيّأ الرب من هذه التقدمة طعامًا لخمسة آلاف رجل فضلاً عن النساء والأطفال، وتبقّى فائض قدره اثنتي عشرة قفة.

كان بمقدور الرب أن يُطعم الجموع خبزًا من السماء، كما أطعم شعب الله المَنَّ في القديم. وكان باستطاعته أن يحوِّل حجارة البرية إلى خبز؛ إلا أنه يُسرّ بأن يستخدم إمكانياتنا الصغيرة لمجد اسمه.

ألا تتكلم إليك هذه القصة عزيزي الشاب؟ََ!

لا تظن أنه ليس لديك أرغفة أو سمك. ذكر احد الأفاضل أن كل مؤمن يعترف أنه يمتلك القائمة التالية:

*خمسة أرغفة:

  1. يدان
  2. قدمان
  3. لسان
  4. عقل
  5. ذاكرة

*سمكتان:

  1. محبة للرب
  2. محبة للآخرين

إن خبز هذا الصبي وسمكتيه ما كان بالإمكان أن يكونوا ذوي قيمة ما لم يسلَّموا إلى الرب. لذا دعنا - عزيزي القارئ - نقدِّم ذواتنا لله، وأعضائنا آلات بر لله (رومية6:13).

قَدِّم له، بطاعة، يديك وقدميك وذهنك وذاكرتك ولسانك. ولا تنسَ أنه يلزم أن يصاحب هؤلاء محبة للمسيح ومحبة للنفوس.

* كثير منّا ليسوا ذوي إمكانيات ضخمة أو مواهب مميَّزة، ولكن دعنا نتذكر صديقي أن الأرغفة لم تكُن من الدقيق الفاخر، بل من شعير. وقد تحتجّ معترضًا أن محبتك ضعيفة، ولكن فلنتذكّر أن السمكتان كانتا صغيرتين.

* كان الخبز مخبوزًا، والسمكتان كانتا مطهيتين. أي إن الطعام كان جاهزًا عندما تسلَّمه الرب. إذَن فلنحفظ أعضاؤنا (يديك، لسانك، ذهنك...) طاهرة غير دنسة، ولننشغل بأمور الله المقدسة لكي نكون مستعدّين للاستخدام الإلهي.

* يخبرنا مرقس أنّ كل واحد نال نصيبًا من السمك، كما من الخبز. أي لم يأكل أحد خبزًا دون ”غموس“. فالرب لن يستخدم إمكانياتنا لخير الآخرين ما لم تكن مغموسة بالمحبة للمسيح وللآخرين.

* لاحظ أخيرًا أن الصبي كان في المكان والزمان الصحيحين عندما طلب الرب ما يستخدمه، أو من يستخدمه. فلو كان الصبي يلهو بما يلهو به الصبيان لضاعت عليه أثمن الفرص. كذلك نحن أن كنا نلهو بملاهي العالم الكثيرة، لأضَعنا فرصة الوجود بين الرب وخدامه. قد تجد في هذا الجو، عندما تنشأ الحاجة إلى من يستخدمه الرب، واحدًا مثل أندراوس، ثاقب النظر، يرشده الرب إليك فيقول «هنا غلام معه خمسة أرغفة شعير وسمكتان».

صديقي: ألا تضع خبزك، مغموسًا بالسمك، بين يدي الرب القدير؟! هل تؤمن أن الله قادر أن يستخدم إمكانياتك الضعيفة والمحدودة لتكون سبب بركة للآلاف؟ لا تضِنَّ بها على الرب وعلى النفوس المحتاجة. واعزم، بمعونة الرب، أن يكون هذا العام الجديد بالنسبة لك عامًا للبركة والاستخدام الإلهي. آمين.

باسم رشدي
 

الصفحة الرئيسية - إتصل بنا - نبذة عن المجلة

كتّاب المجلة - أعداد نحو الهدف السابقةصفحة البحث

©2010 Nahwal Hadaf