ســــأل شعب إسرائيل قديماً عن الطعام الذى أعطاهم الله فى البرية فى الصحراء المجدبة قائلين «من هو؟» «لأنهم لم يعرفوا ماهو. فقال لهم موسى هو الخبز الذى أعطاكم الرب لتأكلوا» (خروج 16: 15). لذلك دُعى اسمه المـــــــن . ولم يكن المن إلا رمزاً للرب يسوع المسيح الذى قال عن نفسه أنه «خبز الله النازل من السماء الواهب حياة للعالم» (يوحنا 6: 33).
وكما سأل شعب اسرائيل عن المن قائلين «مَنْ هو؟» هكذا سأل التلاميذ بعضهم بعضاً قائلين «مَنْ هو هذا؟»، وذلك عندما أسكت الرب العاصفة والبحر الهائج بكلمة، فصار هدوء عظيم (مرقس 4: 39)
ونحن بدورنا نحتاج أن نعرف «مَنْ هو هذا؟» . مَنْ هو شخص المسيح وماهى صفاته، وماذا يقول الكتاب المقدس عنه؟
إنه «ابن الله»، المساوى للآب والروح القدس فى جوهر اللاهوت، والذى نزل من السماء وجاء فى الجسد مولوداً من العذراء المطوّبة مريم بكيفية معجزية، وعاش على الأرض كإنسان متضع، وسار من مذود بيت لحم حيث وُلد، حتى الصليب حيث ختم رحلة حياته، مُظهراً كل الكمال فى كل مراحل حياته. وفىه قد ظهرت كل صفات الله. وفيه قد رأينا وشاهدنا وتعرّفنا على حياة الله فى حياته الرائعة التى عاشها كإنسان كامل هنا على الأرض. وكم يحلو لنا أن نتفرّس فيه وهو يجتاز فى هذا العالم تاركاً لنا مثالاً لكى نتبع خطواته.
وعندما وُلد ربنا ترنمت الملائكة «المجد لله فى الأعالى وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة» (لوقا 2: 14). فلقد وجد الله أخيراً سروره فى الإنسان عندما وُلد المسيح فى العالم. مع أن الله، لم يجد فى كل البشر سوى مايُحزن قلبه بسبب شرهم وعصيانهم. وبينما «الجميع أخطأوا» (رومية 3: 12) و«كل بشر قد أفسد طريقه على الأرض» (تكوين 6: 12)، وُجد إنسانٌ فريد، ليس فقط لم يفعل خطية، بل أكمل كل بر، وعمل كل شئ حسناً.
لقد تميّز ابراهيم بالإيمان واسحق بالطاعة ويوسف بالطهارة وموسى بالحلم وإيليا بالشجاعة. لكن فى المسيح تجمعت كل الكمالات. بل وكان متجانساً ومتوازناً فى كل صفاته، رائعاً فى كل كمالاته. وكم يحلو لنا أن نتأمله ونتعلمه، نشبع به ونتشبه به كالإنسان الفريد.
كان هو الله وإنسان فى آن واحد. فنراه نائماً فى السفينة (كإنسان)، لكنه قام وانتهر الريح والبحر (كالله) (مرقس 4: 38،39). ونراه مُتعباً وجالساً على البئر فى سوخار يطلب قليل ماء ليشرب (كإنسان)، لكنه فى ذات الوقت نراه يعطى الماء الحى، الذى يُشير إلى الروح القدس، (كالله) (يوحنا 4: 7،14). نراه يبكى عند قبر لعازر (كإنسان)، لكنه (كالله) ينادى «لعازر هلم خارجاً» فيخرج الميت من القبر بعد أن أنتن (يوحنا 11: 35،43). نراه يحزن ويكتئب فى البستان ويصلى (كإنسان)، لكنه بعدها مباشرة يواجه الأعداء قائلاً «أنا هو» مُظهراً لمحة من مجده الإلهى فرجعوا إلى الوراء وسقطوا على الأرض (لوقا 22: 41-45؛ يوحنا 18: 6). نراه يموت على الصليب (كإنسان) لكنه فى اليوم الثالث يُقيم نفسه (كالله)، كقوله «أنقضوا هذا الهيكل وأنا فى ثلاثة أيام أُقيمه» (يوحنا 2: 19). هذا هو الإنسان الإلهى ربنا ومعبود قلوبنا .
وسنتناول بمعونة الرب فى الأعداد القادمة بعض صفاته ولمحات من حياته المباركة .