أطرح الأثقال وواصل العدو نحو الهدف
لعلَّك سمعت، عزيزي القارئ، قصة “چان اسطفان إيكوري”؛ عدَّاء الماراثون التنزاني، والذي حلَّ في المرتبة الأخيرة عند خط النهاية في الألعاب الأوليمبية عام 1968 في مكسيكو سيتي. ولم يسبق لأي مُتَبَارٍ في سباقات الماراثون أن وصل متأخرًا إلى هذا الحد.
تعرَّض “إيكوري” لإصابة في أثناء السباق، وراح يخمع داخل الميدان على رِجلهِ الدامية والمُضمَّدة. ووصل إلى خط نهاية السباق بعد أكثر من ساعة على إنهاء باقي المتبارين للسباق. ولم يكن قد بقي من المشاهدين إلا عدد قليل فقط لما عبر “إيكوري” خط النهاية أخيرًا.
وحين سُئل عن سبب مواصلته العدْو رغم الألم، ورغم أنه لن يحصل على أية ميدالية أو مكافأة، أجاب: “لقد أرسلني بلدي إلى مكسيكو سيتي لا لأبدأ السباق، بل أرسلوني إلى هنا لإنهاء الشوط. وأن أصل متأخرًا، بلا جائزة، أفضل من أن لا أصل على الإطلاق”.
إن موقف هذا الرياضيَّ ينبغي أن يكون موقفنا نحن أيضًا، فهناك سباق ممتدٌّ أمامنا (عبرانيين12: 1)، وعلينا أن نظلَّ نركض، نحو الهدف، حتى نبلغ خطَّ النهاية.
إن صورة الجهاد في السباق، والسعي نحو الهدف، يتكرر استعمالها في الكتاب المقدس. فالرسول بولس في 1كورنثوس9: 24 27 يتكلَّم عن «الَّذِينَ يَرْكُضُونَ فِي المَيْدَانِ»، وواحد فقط هو الذي يأخذ الجعالة (المكافأة). ولكن في جهادنا الروحي يستطيع الكل أن يصلوا إلى الهدف. والمكافأة هي نصيب كل واحد، ولن يخرج أحد صفر اليدين. ولكن إن كان طريق المؤمن هو الجهاد، فإن عليه أن يُكمِل الجهاد بنجاح.
ولكن ما هو الجهاد والركض الروحي؟ باختصار هو المثابرة في طريق الاتكال على الرب بالرغم من كل محاولات العدو لإبعادنا عن هذا الطريق. ليس شيء أغلى في عيني الرب من السلوك في الاتكال عليه وفي الخضوع لكلمته. سلوك مثل هذا هو فيض قلب خاضع متعبد للرب، هو سلوك في إنكار للذات وتكريس مستمر، لكن أيضًا في قوة وفرح الروح القدس. إن حالة قلب يسلك هكذا تنم عن ثبات داخلي دائم، مهما يكن طريقه وسط ظروف سارة أو محزنة، وسط فرح أو ألم، فنرى المؤمن يتقدم دائمًا في ذلك الروح الوديع الهادئ؛ روح الانتظار المستمر لإرشاد الرب، لا تدفعه الظروف المواتية إلى التعالي، ولا الظروف المضادة إلى تثبيط الهمة. إذا كانت الظروف مواتية فإن الله يحفظه من الكسل واللامبالاة والاكتفاء بالذات، وإذا كانت الظروف مضادة فإن الله يحفظه من التذمر والأنين والانطراح.
وكما أن قوانين السباقات الأوليمبية لا تنص على أي بند يحظر لبس الملابس الثقيلة أو حمل الطعام والشراب، لكن العدَّاء لن يتمكن من الفوز بالسباق بهذا الشكل، هكذا أيضًا الحياة المسيحية هي سباق يقتضي انضباطًا ومواظبة. لذلك يُشبِّه الكتاب المقدَّس المؤمنين بالعدَّائين، ولكي ما نركض بثبات ونفوز في ميدان السباق نحتاج إلى التخلي عن كل ما يُعيقنا. فقبل كل شيء يجب أن يكون المؤمن غير مُثقل بأي حمل على كتفه يعوقه عن الركض. والأثقال هي أشياء ربما لا نرى فيها أية أذية أو ضرر أو شر، لكنها تؤخِّر التقدم، وتعوق إظهار القوة الروحية وتمنعنا من الركض؛ الرغبة المُفرطة في التملُّك، أو محبة المال الآسرة، أو طلب اللذة والراحة بلا هوادة، أو الاستعباد للأهواء الباطلة أو الناموسية المُتعبة. الأثقال هي الكفاح للوصول إلى وظيفة مرموقة، التلهف على الغنى والشُهرة، المبالغة في النشاطات الرياضية والهوايات. ألا تعوق هذه كلها تكريس كل قُوانا للرب؟ التوسع في المشروعات التجارية مع كون المؤمن في رغد من العيش، أو قبول عمل إضافي ليس هو مُجبرًا عليه أو مُحتاجًا له، كل هذه هي أثقال تعوق المؤمن عن الجهاد ومواصلة السباق
نحو الهدف.
كما أن الهموم بسبب الظروف والإعواز التي تحنينا هي أيضًا أثقال يجب طرحها؛ لذلك يقول الرسول بطرس: «مُلْقِينَ كُلَّ هَمِّكُمْ عَلَيْهِ لأَنَّهُ هُوَ يَعْتَنِي بِكُمْ» (1بطرس5: 7). وعلينا أيضًا طرح «الْخَطِيَّةَ الْمُحِيطَةَ بِنَا بِسُهُولَةٍ» (عبرانيين12: 1)، وقد يعني هذا طرح الخطية في كل أشكالها وبشكل خاص خطية عدم الإيمان. يجب أن تكون ثقتنا بمواعيد الله كاملة، لأن حياة الإيمان هي الظافرة حتمًا.
يُحكى أن جيش الإسكندر الأكبر كان يتقدَّم نحو بلاد الفرس، وفي نقطة حرجة بدا كأن جيش الإسكندر قد يُهزَم، ذلك أن الجنود أخذوا غنائم كثيرة من حملاتهم السابقة حتى تثقَّلوا وباتوا يفتقدون فاعليتهم في المعارك. فأمر الإسكندر الأكبر بتكويم جميع الغنائم في كومة وبإحراقها. وتذمَّر الرجال أيَّ تذَّمر، لكنهم سرعان ما أدركوا الحكمة في ذلك الأمر. وقد كتب أحدهم: “بدا كأن أجنحة قد وُهبت لهم، وعادوا يسيرون سيرًا حثيثًا من جديد نحو الهدف، وهكذا ضُمِن النصر”.
ونحن أيضًا بوصفنا جُندًا للمسيح، ينبغي أن نتخلَّص من أي شيء يُعيقنا في صراعنا مع عدِّونا الروحيِّ. ففي سبيل خوض المعركة بفاعلية، ينبغي أن نحمل فقط سلاح الله الكامل (أفسس6: 11 17).
نعم، أيها الأحباء، إذا كان لنا أن نجاهد جهاد الإيمان الحسن، ونركض في السباق الروحي بثبات، فينبغي أن يكون شعارنا: “اطرح الأثقال وواصِلِ العدْو... نحو الهدف”.
ونحتاج طوال مدة السباق أن تبقى عيوننا مركزة على الرب يسوع؛ «رَئِيسِ الإِيمَانِ وَمُكَمِّلِهِ» (عبرانيين12: 2). إنه – تبارك اسمه – رئيس إيماننا، أي إنه جسَّد لنا المثال الكامل الوحيد لما هي عليه حياة الإيمان، وهو وحده الذي يستطيع أن يحررنا من كل الأثقال طوال سعينا في السباق، للتقدُّم بمثابرة، عبر التجارب والامتحانات، وصولاً إلى الرب يسوع المسيح في المجد، والذي هو الطريق، وهو المكافأة، وهو الهدف (فيلبي3: 12 16).