بدأتُ الآن أفكر بجدّية في حالتي والظرف الذي أواجهه، وبدأت أكتب ما يجيش في صدري لأريح أفكاري من الاستغراق يوميًا فيها، مما يُربك عقلي، والآن أشعر أن تفكيري المنطقي بدأ في رأسي وبدأت أواسي نفسي بقدر استطاعتي، وأن أعدد المزايا مقابل المساوئ حتى اعتبرت حالتي أفضل من حالات كثيرة، ولذلك سأحاول الآن أن أُدوِّن بشكل محايد المزايا التي أتمتع بها والمآسي التي أعانيها:
والآن تعالوا بنا نعرف بعض الحقائق المهمة:
أولاً: التذمر خطية
صنع الرب مع الشعب قديمًا أعمالاً عظيمة، وأخرجهم من مصر بذراع رفيعة ويد ممدودة، وشق البحر الأحمر بقوته وعبَّرهم، فرنموا تسبيحة رائعة في خروج 15. ولكن بعد ارتحالهم من أمام البحر ساروا ثلاثة أيام ولم يجدوا ماء، فجاءوا إلى مارة، ولم يقدروا أن يشربوا لأن المياه كانت مُرَّة، وبدلاً من أن يصرخوا للرب تذمروا (خروج15: 24). وهكذا بدأت رحلة التذمرات (اقرأ خروج16: 2). والرب قد سمع تذمراتهم (خروج 16: 7، 8، 12، عدد14: 2). ويقول الرب لموسى وهارون: «حتى متى أغفر لهذه الجماعة الشريرة المتذمرة عليَّ؟». وماذا كانت النتيجة؟ يقول الرب: «في هذا القفر تسقط جثثكم، جميع المعدودين منكم حسب عددكم من ابن عشرين سنة فصاعدًا الذين تذمروا عليَّ» (عدد14: 27، 29). ويوصي الرسول بولس مشيرًا إلى هذا الشعب قائلاً: «ولا تتذمروا كما تذمر أيضًا أناس منهم فأهلكهم المُهلك» (1كورنثوس10: 10). ولنثق، فإن إلهنا أمين لا يدعنا نُجرَّب فوق ما نستطيع!
ثانيًا: الشكر بركة
1- الشكر كان هو الطابع المميِّز لحياة الرب يسوع عندما كان هنا على الأرض؛ فرغم أنه لم يكن معه نقود ولم يكن عنده أين يسند رأسه، ولم يملك شيئًا على الإطلاق، لكنه لم يتذمر بل كان دائم يشكر (يوحنا11:41؛ متى11:25؛ 15:36؛ 26:27).
2- الرسول بولس ورغم ما لاقاه من ظروف صعبة واضطهادات كان شاكرًا (رومية1: 8؛ 6: 17؛ 7: 25؛ 1كورنثوس1: 4، 14؛ 10: 30 ... وهكذا).
3- الشكر هو الشيء اللائق بالقديسين، ففي أفسس5: 3، 4 يقول لنا الرسول بولس: «وأما الزنى وكل نجاسة أو طمع فلا يُسَمَّ بينكم كما يليق بقديسين، ولا القباحة، ولا كلام السفاهة، والهزل التي لا تليق، بل بالحري الشكر». فهذه الخطايا لا تليق مطلقًا بمن فداهم الرب يسوع وجعلهم قديسين، والذي يليق هو أن يقدموا له باستمرار الشكر. فعلينا أن ندرب أنفسنا على ذلك وبدلاً من أن يخرج من أفواهنا ما لا يليق، ليخرج شكر يرضي الرب.
4- يجب أن نواظب على الصلاة، وليس ذلك فقط بل أن نكون ساهرين فيها بالشكر. فعلينا أن نسهر لئلا يُسلَب منا وقت الصلاة المرتبط بالشكر، فعلينا أن نكون شاكرين ولا نكتفي بالشكر على استجابات الصلاة التي نلناها، بل بالإيمان نشكر الرب أيضًا على الصلوات التي لم يستجبها بعد، ولنثق فإن محبة الرب تريد لنا الأفضل، وحكمته تعرف ما هو الأفضل، وقدرته تمنحنا الأفضل.
5- شكرنا شيء بسيط جدًا بالنسبة لعطايا الله لنا، فعطاياه الروحية من فداء وغفران وبنوية ومقام عالي في المسيح هي بلا حدود، وعطاياه لنا في هذا الزمان أيضًا بلا حدود. فأي شيء به نستطيع أن نعوضه (1تسالونيكي3: 9).
6- الشكر هو مشيئة الله من جهتنا: «اشكروا في كل شيء، لأن هذه هي مشيئة الله في المسيح يسوع من جهتكم» (1تسالونيكي5: 16-18). فينبغي أن يكون تقديم الشكر لله بمثابة الشعور الطبيعي للمؤمن الذي يثق أن الله يستطيع أن يجعل كل الأشياء تعمل معًا للخير للذين يحبونه، فلنحمده في كل حين وفي كل الظروف وفي كل شيء.
7- الشكر خدمة، ويجب أن يكون الشكر مقترنًا بخدمتنا: «لذلك ونحن قابلون ملكوتًا لا يتزعزع ليكن عندنا شكر به نخدم الله خدمة مرضية، بخشوع وتقوى» (عبرانيين12: 28). فالتزعزع يعني زوال ما يتزعزع وهذا ينطبق على الخليقة القديمة التي تنجست بالخطية، فلا بد أن تتلاشى في النهاية. أما نحن المؤمنين فقد قبلنا أمورًا لا تتزعزع ومنها ملكوتًا لا يتزعزع، إذن فلنخدمه بشكر وبكل خشوع وتقوى!
ثالثًا: لنشكر لأننا لا نعلم ما يصنعه الرب معنا اليوم:
قـال الرب لبطرس ويقول لكل مِنَّا: «لستَ تعلـم أنت الآن ما أنا أصنع، ولكنك ستفهـم فيما بعد» (يوحنا13: 7).
حدث مرة في الستينات من القرن الماضي أن رجلاً كان يعمل في مصنع، وفقد إحدى أصابعه نتيجة خطإٍ ما. حزن جدًا وتألم كثيرًا، ولم يشكر مطلقًا وعاش حياة التذمر، ومكث في منزله عدة أشهر، وعندما بدأ يحتاج، ذهب إلى عمله مرة أخرى. لكنه لم ينسَ مُطلقًا ما حدث. وفي يوم من الأيام أراد أن يذهب إلى مكان مُعيَّن، وأراد أن يختصر الطريق، فسار في مكان مهجور غير مأهول بالسكان، وهناك تقابل مع بعض السحرة الذين كانوا يعتقدون بوجود كنز في ذبيحة بشرية ليجدوا هذا الكنز، وعندما تقابلوا مع صاحبنا، أمسكوا به، وأرادوا تقديمه، وأخذ يتوسل إليهم بدموع أن يتركوه فعنده أولادًا يحتاجون إلى الرعاية. ولكن إذ كانت قلوبهم قاسية، لم يرحموه، وأخذوا يفحصونه جيدًا، وإذ وجدوا أن أصبعًا في يده غير موجود، أطلقوه إذ بحسب معتقداتهم يجب أن تكون الذبيحة بلا عيب. أطلق صاحبنا ساقيه للريح، وعندئذ شكر الله كثيرًا على فقدانه هذا الأصبع، ومن وقتها لم يتذمر بل تعلَّم كيف يشكر.