كان ملكي صادق إنسانًا حقيقيًا، عاش على الأرض في زمن كان الناس فيه يعبدون الأصنام، ولكنه كان شاهدًا لله وكان ملك شاليم (التي هي أورشليم) وكان أيضًا كاهنًا لله العلي. وعندما رجع أبرام بعد انتصاره على الملوك، وذلك لكي ينقذ لوطًا ابن أخيه، قابله ملكي صادق وأخرج له خبزًا وخمرًا وباركه، فأعطاه أبرام عُشرًا من كل شيء (تكوين14). ونجد أن ملكي صادق صورة مباركة لربنا يسوع المسيح في عدة أمور:
أولاً: كان ملكي صادق ملكًا وكاهنًا رمزًا للمسيح الملك والكاهن
وهو في هذا رمز لربنا يسوع الملك والكاهن. ومن كلمة الله نعلم أن بني إسرائيل كانوا 12 سبطًا، من سبط يهوذا يخرج الملوك من نسل الملك داود، ومن سبط لاوي يخرج الكهنة من نسل هارون الكاهن. ولم يكن مسموحًا للكاهن أن يكون ملكًا، ولا للملك أن يكون كاهنًا، حتى إنه عندما دخل الملك عُزِّيَّا هيكل الرب ليوقد على مذبح البخور في القدس اعتُبر ذلك خيانة للرب فضربه بالبرص (2أخبار26).
ولقد طلع ربنا يسوع المسيح من سبط يهوذا ومن نسل الملك داود، وقد جاء لكي يملك، ولكن اليهود رفضوه ثم صلبوه، ولكنه قام في اليوم الثالث وهو الآن في المجد جالسًا على عرش الله. والمسيح الآن ملك، يملك بالحب على قلوب المؤمنين. وقريبًا جدًا سيأتي ليملك على كل الأرض بمجد عظيم؛ لأنه ملك الملوك ورب الأرباب.
عندما كان ربنا يسوع المسيح على الأرض لم يكن كاهنًا، ولكن بعد أن قَدَّم نفسه على الصليب ذبيحة، قام وصعد إلى السماء ودخل بدم نفسه إلى الأقداس وبذلك صار رئيس كهنة إلى الأبد على رُتبة ملكي صادق (عبرانيين6: 20).
فإن كان ملكي صادق ملكًا وكاهنًا فهو إشارة إلى الرب يسوع الملك والكاهن، بل ملك الملوك ورب الأرباب، وأيضًا رئيس كهنة إلى الأبد.
ثانيًا: ملكي صادق رمز للمسيح ملك البر وملك السلام
كان اسم ملكي صادق متميزًا، وفي الكتاب المقدس عادة ما تكون معاني الأسماء لها دلالة روحية، فمعنى اسمه: ملك البر، ولقد كان ملكًا على شاليم، أي ملك السلام. ونلاحظ الترتيب ملك البر أولاً، ثم ملك السلام. وهو في هذا يكلمنا عن مُلك ربنا يسوع المسيح؛ مُلك البر والسلام.
الآن يوجد الظلم في الأرض بسبب شر الأشرار، وبالتالي لا سلام بل اضطراب وقلق، ولكن عندما يملك المسيح على الأرض سيرفع الظلم لأنه سيقضي على الأشرار ويتحقق العدل والبر، ونتيجة لذلك يَعُمّ السلام. فالبر هو صفة الحكم والسلام هو نتيجته.
ثالثًا: ملكي صادق رمز للمسيح الأزلي الأبدي
مع أن سفر التكوين يهتم بذكر أسماء الآباء والأبناء، ويذكر لنا كثيرًا عن أعمار الناس، ولكنه من اللافت للنظر أنه عندما جاء ذكر ملكي صادق صمت الروح القدس عن ذكر نسبه ولا حتى بداءة أيامه أو نهاية حياته، لأنه مُشَبَّه بابن الله؛ أي إنه مُصَوَّر في كلمة الوحي كشبه أو مثال لابن الله. وعندما يصمت الكتاب عن أمر فإنه يقصد شيئًا.
وفي هذا الصمت نجد أمرين:
1- أنه صورة للمسيح الأزلي الأبدي، الذي لا بداءة أيام له فهو «الذي مخارجه منذ القديم منذ أيام الأزل» (ميخا5: 2)، وهو أيضًا الأبدي الذي لا نهاية حياة له، الحي إلى أبد الآبدين.
2- ليعلن لنا أن كهنوت المسيح هو مباشرة من الله وليس من البشر أو الانتساب أو الوراثة، وعندما ذكر أنه لا نهاية حياة له، فإنه يعلن أن كهنوت المسيح دائم ومستمر بقوة حياة لا تزول، ولأنه يبقى إلى الأبد له كهنوت لا يزول (عبرانيين7:16، 24).
رابعًا: ملكي صادق رمز للمسيح مصدر الشبع والفرح
فلقد أخرج ملكي صادق لأبرام الخبز والخمر بعد أن كان راجعًا مُتعَبًا من كسرة الملوك، وهما يكلماننا عن الشبع والفرح. وفي المسيح يسوع نجد الشبع والفرح، فهو خبز الله النازل من السماء الواهب حياة للعالم وهو أيضًا الكرمة الحقيقية التي نحصل منها على الخمر الذي يكلِّمنا عن الفرح. في الخبز نجد التقوية، وفي الخمر الإنعاش.
بعد أن تقابل أبرام مع ملكي صادق الذي باركه وقدّم له الخبز والخمر، فأكل وشبع وشرب وفرح ورجعت له القوة الروحية والجسدية، تقابل أيضًا مع ملك سدوم الذي قدَّم له عرضًا مُغريًا، ولكنه رفض كل عطاياه لأن أمامه كان الرب الإله العلي مالك السماوات والأرض لأن «النفس الشبعانة تدوس العسل وللنفس الجائعة كل مُر حلو» (أمثال27: 7). وهكذا عندما نشبع بالرب، فإننا نحتقر كل شيء في العالم وندوس على عسله.
خامسًا: ملكي صادق رمز لعظمة المسيح
يذكر الوحي عن ملكي صادق هذا القول: «انظروا ما أعظم هذا» (عبرانيين7: 4). أي ما أعظم هذا الإنسان وهو في هذا إشارة لعظمة ربنا يسوع المسيح المكتوب عنه: «هذا يكون عظيمًا» (لوقا1: 32)، وأيضًا عظمة كهنوته.
وسر عظمة ملكي صادق أمران:
1- إنه بارك أبرام: «وبدون كل مشاجرة: الأصغر يُبارَك من الأكبر» (عبرانيين7: 7). وفي بركة ملكي صادق لأبرام أُعلن شيئان: (أ) إن الله العلي هو مالك السماوات والأرض، أي إن الله فوق الخليقة، والمتعالي فوق جميع الملوك والآلهة والمخلوقات وفوق كل قوة العدو، (ب) أن الله أسلم أعداءه في يده وبهذا يُعلن أن النصرة هي من الله وبالتالي فالفضل له.
2- قَبِل العشور من أبرام: فالعشور تُعطَى لمن هو أعظم، فلقد أعطاه أبرام عُشرًا من كل شيء، وفي هذا اعتراف من أبرام بتفوق وعظمة وكرامة ملكي صادق.
بعد أن رأينا أن ملكي صادق أعظم من إبراهيم، ولذلك هو أعظم من هارون الذي جاء من نسل إبراهيم، وبالتالي فإن كهنوت ملكي صادق أعظم من كهنوت هارون.
وهذا يرينا عظمة كهنوت المسيح الذي هو على رتبة ملكي صادق، وليس على رتبة هارون فمكتوب: «أقسم الرب ولن يندم أنت كاهن إلى الأبد على رتبة ملكي صادق» (مزمور110: 4؛ عبرانيين7: 21).
أخي، أختي، إن الرب يسوع المسيح هو موضوع الكتاب المقدس كله فهو الأزلي الأبدي، وهو الملك والكاهن، وعندما يملك سيملك بالبر فسيسود السلام، وهو مصدر فرحنا وشبعنا وهو العظيم في ذاته وفي كهنوته، فيا ليتنا نشبع به باستمرار فندوس على كل عسل العالم ومُغرياته!