لن تجدهم في الجحيم!

تأثرت وأنا أقرأ قصة “چيمس”، ذلك الشاب السويسري الذي لم يكن يحب الكتاب المقدس ولا الكنيسة ولا المؤمنين.  ولأن أمه كانت مسيحية حقيقية، كانت تحكي له من الكتاب المقدس قصصًا عن الرب يسوع المسيح وأقواله، والأمور الخاصة بالأبدية.  وكانت توضح له فكر الله تجاه أمور الحياة حسب كلمة الله في الكتاب المقدس.

يومًا قال لها: “لا أريد أن أسمع شيئًا من هذا الكتاب، وما فيه، مرة أخرى!”  وفي عنف استكمل كلامه قائلاً: “هذا تحذير أخير لكِ.  إن سمعتُ منك شيئًا من الكتاب المقدس مرة أخرى سأترك البيت ومن فيه!”

اكتفت الأم بالصلاة بحرارة لأجل چيمس وخلاص نفسه، ولكن بعد فترة، وعن غير قصد، كانت أم چيمس تقتبس بعض الآيات أثناء كلامها العادي معه؛ فغضب وثارت ثورته وكأنها نعتته بأسوأ الصفات أو أهانته أقسى إهانة.  وترك البيت آخذًا قرارًا بالرحيل حتى لا تُتعب أمه ضميره بسبب كلامها عن الله.  وقال چيمس لأمه: “سأذهب إلى مكان لا أجد فيه أي مسيحيين.. لا أريدهم ولا أريد سماع أي كلام من كتابهم!”

ترك چيمس البيت وركب القطار.  وفي القطار بعدما جلس بوقت قصير سمع رجلان بجواره يتناقشان في الكتاب المقدس، فجُنَّ جنونه، وقام وجلس فى مكان آخر بالقطار، فسمع بعض السيدات يتحدثن عن مجيء الرب الثاني وعلامات آخر الأيام.  فنزل من القطار وقضى ليلته في أحد الفنادق بعد أن حجز تذكرة على ظهر إحدى السفن الكبيرة.

في ظُهر اليوم التالي ركب چيمس السفينة فوجد مجموعة من الشباب يبدو عليهم الفرح الشديد، فاقترب إليهم ظانًّا أنه وجد ضالته، فهو يشتاق لأن يغني ويضحك ويلهو.  ولكن لحسرته الشديدة التي مُني بها چيمس لما ابتدأوا بعد وقت قليل يرنمون بكل حماسة ونشاط للرب يسوع وهم على ظهر السفينة، كانوا يترنمون ترنيمات الغربة وقرب مجيء الرب والرحلة السماوية الأبدية.

لم يستطع چيمس أن يغادر السفينة، فحوله المياه من كل ناحية!  فنزل إلى غرفة القبطان وسأله: “سيدي القبطان، من المؤكد أنك سافرت حول العالم عدة مرات بسفينتك.  هل تسمح لي أن أسألك سؤالاً يهمني ويؤرقني؟”

أجابه القبطان بالإيجاب، فقال چيمس: “ألا تخبرنى يا حضرة القبطان أين أذهب حتى لا أجد هؤلاء المسيحيين؟”

فأجابه القبطان على الفور: “اذهب إلى الجحيم يا ابني، فإنك بالتأكيد لن تجدهم هناك!”

كانت كلمات القبطان السريعة الحاسمة، الـمُغَلَّفة بصلوات الأم الطويلة لسنينَ عديدة مع توسلاتها لچيمس أن لا يرحل ويغادر البيت، أقوى من قساوة قلب چيمس.  ففي الحال، وفي كابينة القبطان، ركع وأعطى حياته للرب يسوع المسيح وتمتع بالسلام الكامل، حتى إن القبطان نفسه تأثَّر من هذا الموقف، فقدَّم توبة أيضًا، وأعطى قلبَه للرب.

وقد عاش چيمس طوال حياته فيما بعد خادمًا للرب، يربح نفوسًا للمسيح ليصيروا مسيحيين حقيقيين، ويُنقَذوا من الجحيم الأبدي.  لقد صار شعاره ما قاله القبطان: “لن تجدهم في الجحيم!”

صديقي القارئ، صديقتي القارئة، هل أنت نظير چيمس؟  هل أنت هارب من الله وهارب من المؤمنين؟

تذكَّر أنه من المستحيل أن تهرب من الله كما قال داود النبي قديمًا: «أَيْنَ أَذْهَبُ مِنْ رُوحِكَ وَمِنْ وَجْهِكَ أَيْنَ أَهْرُبُ؟  إِنْ صَعِدْتُ إِلَى السَّمَاوَاتِ فَأَنْتَ هُنَاكَ، وَإِنْ فَرَشْتُ فِي الْهَاوِيَةِ فَهَا أَنْتَ.  إِنْ أَخَذْتُ جَنَاحَيِ الصُّبْحِ وَسَكَنْتُ فِي أَقَاصِي الْبَحْرِ فَهُنَاكَ أَيْضًا تَهْدِينِي يَدُكَ وَتُمْسِكُنِي يَمِينُكَ...» (مزمور139: 7-12).

حاول يونان قديمًا الهرب من الله نظير چيمس، ولكن الله لا يمكن الهروب منه: «فَقَامَ يُونَانُ لِيَهْرُبَ إِلَى تَرْشِيشَ مِنْ وَجْهِ الرَّبِّ فَنَزَلَ إِلَى يَافَا وَوَجَدَ سَفِينَةً ذَاهِبَةً إِلَى تَرْشِيشَ، فَدَفَعَ أُجْرَتَهَا وَنَزَلَ فِيهَا لِيَذْهَبَ مَعَهُمْ إِلَى تَرْشِيشَ مِنْ وَجْهِ الرَّبِّ...  فَقَالُوا لَهُ: “أَخْبِرْنَا بِسَبَبِ مَنْ هَذِهِ الْمُصِيبَةُ عَلَيْنَا؟  مَا هُوَ عَمَلُكَ؟  وَمِنْ أَيْنَ أَتَيْتَ؟  مَا هِيَ أَرْضُكَ وَمِنْ أَيِّ شَعْبٍ أَنْتَ؟” فَقَالَ لَهُمْ: “أَنَا عِبْرَانِيٌّ وَأَنَا خَائِفٌ مِنَ الرَّبِّ إِلَهِ السَّمَاءِ الَّذِي صَنَعَ الْبَحْرَ وَالْبَرَّ”.  فَخَافَ الرِّجَالُ خَوْفًا عَظِيمًا وَقَالُوا لَهُ: “لِمَاذَا فَعَلْتَ هَذَا؟” فَإِنَّ الرِّجَالَ عَرَفُوا أَنَّهُ هَارِبٌ مِنْ وَجْهِ الرَّبِّ» (يونان1: 2-10).

إن أصوات الله المتلاحقة لك لَهِيَ دليل حبه.  إنه يلاحقك لا ليهلكك، بل لينقذك من الهلاك.  كم من المرات أنذرك الله لكي ترجع وتعود إلى أحضانه وأنت لم تُبَالِ؟!  ربما كانت متابعة الله لك في حياتك عن طريق أخطار واجهتها أو حوادث رأيتها، ورأيت البعض يموتون أمام عينيك، ربما زلازل أو حروب أو أمراض فتاكة، ويمكن أن يكون صوت الله في حياتك ترنيمة سمعتها وتأثرت بها لكنك أهملت الرجوع لله، أو عظة أو آية من الكتاب المقدس، أو نبذة كلَّمك الله من خلالها؛ لكنك أهملت صوته!  ويمكن أن يكون صوت الله لك خير وفير أكرمك الرب به لكنك لم تشكره أو حتى تذكره.  ويمكن أن يكون خيانة تعرضت لها أو فشل في أمر ما...  كلها أمور سمح بها الله لتترك ثقتك في نفسك وفي الناس، وتعلن عطشك واحتياجك لله.  لكنك أهملت صوت الرب وسارعت بالهروب نظير چيمس.

لكنه يناديك بصوته الحلو: «أَنَا أُحِبُّ الَّذِينَ يُحِبُّونَنِي وَالَّذِينَ يُبَكِّرُونَ إِلَيَّ يَجِدُونَنِي. عِنْدِي الْغِنَى وَالْكَرَامَةُ. قِنْيَةٌ فَاخِرَةٌ وَحَظٌّ... لأَنَّ مَنْ يَجِدُنِي يَجِدُ الْحَيَاةَ وَيَنَالُ رِضًى مِنَ الرَّبِّ.  وَمَنْ يُخْطِئُ عَنِّي يَضُرُّ نَفْسَهُ.  كُلُّ مُبْغِضِيَّ يُحِبُّونَ الْمَوْتَ» (أمثال8: 17، 35).  إنه يقرع باب قلبك قائلاً: «هَئَنَذَا وَاقِفٌ عَلَى الْبَابِ وَأَقْرَعُ.  إِنْ سَمِعَ أَحَدٌ صَوْتِي وَفَتَحَ الْبَابَ، أَدْخُلُ إِلَيْهِ وَأَتَعَشَّى مَعَهُ وَهُوَ مَعِي» (رؤيا3: 20).

فهل مع چيمس ومعي الآن تصلي؟

صلاة:

يا رب يسوع أنت أحن صديق..
أشكرك لأجل تحذيرك الرقيق..
إنني للخطية عبدٌ من الرقيق..
فحررني لأبدأ معك الطريق.. وأشهد عن دمك الذي لأجلي أُريق..

آمين!