الموت فوق كوبري قصر النيل
طالعتنا مؤخرًا الصحف المصرية بخبر صادم تناقلته الصحف المختلفة لأيام متتالية عن انتحار شاب ربط نفسه بحبل وألقى بنفسه من أعلى كوبري قصر النيل في صباح يوم الأربعاء 2 يونيو 2010 هربًا من واقعه المرير وظروفه الطاحنة. وإليك الخبر بالتفصيل كما ورد بإحدى الصحف اليومية:
“شهدت منطقة قصر النيل بالقاهرة حادثا مأساويًّا ظهرت فيه ملامح الحب واليأس، عندما شنق شاب نفسه اليوم الأربعاء عن طريق ربط عنقه بحبل، وعلَّق نفسه بسور كوبري قصر النيل ليتدلى منه منتحرًا. قرار التخلص من الحياة جاء بعد عجز الضحية عن تدبير نفقات زواجه من حبيبته التي ترك لها خطابًا في موقع الحادث، قال لها فيه إنه يستطيع ترك الدنيا لكنه لا يستطيع الحياة بدونها... تبيَّن لرئيس مباحث قسم شرطة قصر النيل أن الشاب يُدعَى “عمرو م. ع.” 31 سنة ومقيم بالجيزة، تتدلى جثته من حبل مربوط بسور الكوبري الذي عُثِر أعلاه على خطاب إلى حبيبته “منى” يفيد أنه قرر الانتحار بعدما عجز عن الزواج بها، بسبب ضيق حالته المادية ومروره بحالة نفسية سيئة...”.
وبعد قراءتي للخبر قرأت بعض التعليقات التي وردت في موقع الجريدة الإلكتروني فوجدت القراء قد انقسموا لثلاثة فرق؛ الأول يلوم الشاب على ما فعل ويعتبره ضربًا من الجنون وأنه بهذه الفعلة قد أودى بحياته إلى مصير حزين للأبد. والثاني يلقي باللوم على الحياة والظروف المعيشية الصعبة ويعتبر هذه هي النهاية الطبيعية لكل من يفكر في حياته المليئة بالأمور التي تدعو للفشل والإحباط ومن ثم الانتحار. أما الفريق الثالث فقد انشغل بالفتاة التي انتحر هذا الشاب لأنه لا يستطيع الزواج منها وراحوا يؤكدون للشاب المنتحر أنها سرعان ما ستتزوج من آخر وتنسى ما فعله من أجلها. وقد كشفت التحقيقات مفاجآت أخرى في قضية هذا الشاب.
لكنني أريد أن أتحدث معك، عزيزي الشاب، في أمرين بخصوص هذا الحادث.
أولاً: لماذا الانتحار؟
انتحر هذا الشاب اليائس من حياته لأنه وجد نفسه في طريق مسدود، حينما اكتشف أنه غير قادر على الزواج وإكمال ارتباطه من الفتاة التي أحبها. لكنني أعتقد أن هذا السبب هو السبب الظاهر، لكنه يخفي في طياته سببًا آخر مُخفًى في داخل كل قلب بشري؛ ألا وهو الشعور “باللامعنى”، حيث يجد الإنسان نفسه يحيا حياة بلا معنى: ما يفعله اليوم يعود ليفعله غدًا وبعد غد دون تحقيق للسعادة الحقيقية التي كان يتوهم أنه سيحققها حينما يحصل على ما يريد. وهذا ما أكده المقربون من هذا الشاب، حيث قالوا لوسائل الإعلام إنه كان متقلب المزاج، سرعان ما يغضب لأتفه الأسباب، وكان إذا ارتبط بعمل سرعان ما يتركه ويبحث عن عمل آخر، ولعل هذا دليلاً على الإحساس بالفراغ وعدم الرضا. كما أكد أيضًا أهل هذا الشاب أنه متزوج، رغم أنه جاء في الخبر أنه ترك رسالة لحبيبته التي لم يستطع الزواج منها. أتذكر هنا قول الرب يسوع: «كل من من يشرب من هذا الماء يعطش أيضًا» (يوحنا4: 13)، وأتوقع أن هذا الشاب كان في قمة النشوة والسعادة حينما التقى بزوجته الحالية وأخذ يحلم معها بالبيت السعيد والزواج البهيج، لكنه سرعان ما اكتشف أنها سعادة زائفة إذ وجد داخله الشعور بالجوع والعطش للخطية يزداد، فبدأ يبحث عن السعادة مع فتاة أخرى لكنه شعر بصعوبة الارتباط بها وأنه أضاع الكثير من حياته بلا معنى، بل أن حياته برُمَّتها ليس لها معنى، وأن السعادة هي كلمة زائفة لا يمكن أن تتحقق في يوم من الأيام. لهذا قرر أن ينتحر ويتخلص من هذه الحياة المهينة المذلة.
أستطيع أن أؤكد لك، قارئي العزيز، أن هناك مئات، إن لم يكن آلاف، الشباب يفكرون في الانتحار يوميًا لكنهم يتراجعون عن تنفيذ الفكرة خوفًا من الأبدية المخيفة التي تنتنظرهم أو بسبب الوازع الديني المتغلغل في أعماقهم؛ وكل هذا يرجع لنفس السبب: الشعور بالفراغ واللامعنى. لقد نسوا قول الرب: «لأن من يجدني يجد الحياة» (أمثال8: 35)، وينطبق عليهم قوله: «ولا تريدون أن تأتوا إليَّ لتكون لكم حياة» (يوحنا5: 40). ليتنا نؤمن بما قاله الرب عن نفسه أنه هو «الطريق والحق والحياة» (يوحنا14: 6).
ثم دعني أقول لك إن كل شخص بعيد عن المسيح لا يختلف كثيرًا عن هذا الشاب؛ فكل إنسان يعرف من هو المسيح ولا يُقبِل إليه أعتبره ينتحر كل يوم؛ ينتحر بالسجائر المتسلطة عليه ولا يعرف كيف يتخلص من عبوديتها، ينتحر بالنظرات الشريرة والألفاظ التي لا تليق، ينتحر بجلسته لساعات طويلة أمام المواقع الإباحية على الإنترنت أو القنوات الفضائية، ينتحر بتبعيته للشيطان في كل يوم وهو يعلم أنه يسير في الطريق الخطإ، ينتحر بصداقته للشباب الضائع الفاشل، ينتحر بتبنيه لأفكار شريرة ضد الله، ينتحر بشكوكه في وجود الله ومحاولته للهروب من محبته كل يوم. هل تعرف لماذا انتحر يهوذا؟ لأنه عرف أنه سار في الطريق الخطإ طيلة حياته رغم أنه عاش مع المسيح، فلم يستطع احتمال الأمر وقرَّر التخلص من حياته بدلاً من التوبة وتسليم القلب للمسيح! إنه الشعور بالذنب، تمامًا كما يحدث معك أنت أيضًا إذ تنتحر كل يوم حينما يملؤك الشعور بالذنب بعد كل سقطة ويبدأ الشيطان في إذلالك من جديد.
ألا تقف الآن مع نفسك لحظات قليلة لتقدم الحياة بجملتها للمسيح الذي أحبك وأسلم نفسه لأجلك (غلاطية2: 20)؟
ثانيًا: ردود فعل الناس
أتت جميع ردود فعل الناس سلبية لائمة للمنتحر أو للظروف أو للفتاة، رغم أنني لا أستبعد أن كثيرين منهم قد فكروا في الانتحار مثل هذا الشاب، فنحن دائمًا على استعداد لإلقاء اللوم على الآخرين دون التفكير فيما نفعله نحن أو نفكر فيه. ولعل هذا يعكس لنا ما يدور بداخل القب البشري من أفكار مغلوطة كلها تهدف إلى الهروب من الواقع وعدم النية بالاعتراف بالشعور الداخلي بالفراغ والاحتياج لله. وكل مِنَّا لن يخرج رأيه كثيرًا خارج هذه الأفكار الثلاث مع اختلاف طريقة التحليل واختلاف الألفاظ المستخدمة؛ فالنفس البشرية أسهل عليها أن تلوم الآخرين أو الظروف من أن تلوم نفسها، حتى تهرب من الشعور بالذنب والخطإ والشعور الدفين بالاحتياج لله مصدر الراحة والشبع الحقيقيين للقلب البشري. وهذا ليس بجديد على البشر، فحينما سقط آدم؛ أول إنسان على الأرض، كان أول ما فعله هو إلقاء اللوم على الله وعلى حواء؛ فقد ألقى باللوم على الله بقوله: «جعلتها»، وكذلك ألقى باللوم على حواء بقوله: «هي أعطتني من الشجرة» (تكوين3: 12)، وأخرج نفسه من القضية وكأنه لم يفعل إلا الصحيح والطبيعي. هكذا نحن، وبعد آلاف السنين، أول ما نفعله هو أن نلوم الآخرين وضمنيًّا نلوم الله. وهذا هو عين الخطإ وبعيد كل البعد عن الحقيقة.
أخي الحبيب، بدلاً من أن تلوم الظروف أو الأشخاص من حولك، هيا ضع نفسك بين يدي الله ولا تدع الشيطان يخفي عنك الحقيقة الوحيدة في كل الحياة: أنك خاطئ تحتاج للمسيح بكل قلبك وكل نفسك! هيا ألقِ بنفسك في أحضانه معترفًا بخطاياك وذنوبك، واثقًا في محبة قلبه الوافرة الغافرة وليكن اليوم هو بدايتك للتمتع بالسلام مع الله الذي يحبك ولا يريد لك إلا الخير وكل الخير!