ذهب بائع السمك في الصباح الباكر ليبيع السمك في القرية الفقيرة الصغيرة، وهو يحمل قفف السمك الكبيرة وينادي: “سمك طازج... سمك ما يزال حي. يا سمك... السمك لا يزال يلعب تعالى اشتري السمك”.
أستيقظت القرية على صوت بائع السمك وكل بيت يحلم بوجبة غذاء شهية من السمك، ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن؛ فقد اصطدمت آمالهم في الحصول على السمك بغلو سعره، والكل كان يقول بعد أن يرى السمك الجيد ويسمع السعر الغالي: “السمك شهي ورائع لكن السعر غالي نار”، فيرد عليهم بائع السمك قائلاً: “الغالي ثمنه فيه”.
بعد مرور عدة ساعات وبائع السمك لم يبِع ولا سمكة، جاءت سيارة فخمة حمراء اللون في اتجاه القرية، ونزل منها شخص تبدو عليه علامات العظمة والثراء، وفي ثقة سأل بائع السمك: “كم ثمن كيلو السمك؟” فأجابه البائع على الفور. سأل الرجل: “وكم كيلو تمتلك؟”، ولما أجابه البائع أعطى الرجل العظيم في الحال لبائع السمك ثمن كل ما عنده من سمك؛ فتهلل بائع السمك وهَمَّ بحمل “قُفف” السمك ليضعها في عربة الرجل الغني. وعندها استوقفه الرجل العظيم قائلاً: “كلا.. لقد اشتريت السمك لتوزعه على القرويين الفقراء في هذه القرية”. فسأله بائع السمك: “ولكن كيف؟ سيزدحمون عليَّ وعلى السمك وربما تعرضت حياتي نفسها للخطر”. ابتسم الرجل العظيم وقال للبائع: “كلا بل أذهب في شوارع القرية ونادي قائلا: ببلاش (مجانًا في اللهجة المصرية) يا سمك وكل من يرغب أعطه مجانًا”.
أطاع بائع السمك وأخذ يتجول في حواري القرية وينادي: “ببلاش يا سمك...” وعندها خرج الناس وقال له أحدهم: “بالطبع بعد أن فسد السمك من حرِّ النهار تريد أن تعطيه لنا، أذهب عنا بعيدًا” وقالت أخرى: “لا يوجد شيء ببلاش أكيد ستطالبنا بالثمن بعد أن نطبخ السمك أذهب عنا بعيدًا” وهكذا ظل البائع ينادي: “ببلاش يا سمك ببلاش يا سمك”!!!
خرج رجل فقير مع زوجته وأولادهم، والجوع يكاد يمزِّقهم، وسألوا البائع: “أرجوك احكي لنا عن الثمن” فقال البائع: “ببلاش”. ولما صدقوه، وأخذوا منه ما يكفيهم، قال لهم وهو يشير للرجل الثري: “هل ترون هذا الرجل العظيم الغني والطيب أيضًا، الذي يقف هناك بجوار سيارته، هو الذي دفع الثمن. يمكنكم أن تشكروه”. وهكذا أخذ السمك كل من كان أكثر جوعًا واحتياجًا وصدَّق أن السمك ببلاش. وبينما كانوا يستمتعون بأكلة السمك الشهية، كان الآخرون يعضون على أناملهم من الندم بعد أن نفذت كمية السمك، وهم يندمون كيف لم يصدِّقوا أن السمك ببلاش، وماذا كانوا قد خسروا لو كانوا قد صدقوا؟! لكنهم الآن جوعى حيارى وغيرهم يشبعون.
عزيزي القارئ عزيزتي القارئة: أن قصتنا هذه المرة واضحة، ولا تحتاج لتعليق؛ فلا احتياج لأن أقول لك أن هذا الرجل الطيب الغني العظيم الذي دفع الأجرة ليطعم الجياع، هو رمز ولو باهت للرب يسوع المسيح الذي قال: «أَنَا هُوَ خُبْزُ الْحَيَاةِ. مَنْ يُقْبِلْ إِلَيَّ فلاَ يَجُوعُ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِي فلاَ يَعْطَشُ أَبَدًا... وَالْخُبْزُ الَّذِي أَنَا أُعْطِي هُوَ جَسَدِي الَّذِي أَبْذِلُهُ مِنْ أَجْلِ حَيَاةِ الْعَالَمِ» (يوحنا6: 35، 51). ولكي يشبع جوعنا الروحي الناتج عن الخطية، كان لا بد أن يدفع أجرة خطايانا «عَالِمِينَ أَنَّكُمُ افْتُدِيتُمْ لاَ بِأَشْيَاءَ تَفْنَى، بِفِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ... بَلْ بِدَمٍ كَرِيمٍ، كَمَا مِنْ حَمَلٍ بِلاَ عَيْبٍ وَلاَ دَنَسٍ، دَمِ الْمَسِيحِ، مَعْرُوفًا سَابِقاً قَبْلَ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ، وَلَكِنْ قَدْ أُظْهِرَ فِي الأَزْمِنَةِ الأَخِيرَةِ مِنْ أَجْلِكُمْ» (1بطرس1: 18-20). لقد قال الرب يسوع على الصليب: «قَدْ أُكْمِلَ» (يوحنا19: 30). “قَدْ أُكْمِل” كلمة مأخوذة من الأصل اليوناني Teleo ولقد تُرجمت: «أَمَا يُوفِي Teleo مُعَلِّمُكُمُ الدِّرْهَمَيْنِ؟» (متى17: 24).
لقد وفي كل الحساب على الصليب، لهذا صارت الحياة الأبدية عطية مجانية ببلاش، «لأَنَّ أُجْرَةَ الْخَطِيَّةِ هِيَ مَوْتٌ وَأَمَّا هِبَةُ اللهِ فَهِيَ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا» (رومية6: 23). كما هو مكتوب: «بِرُّ اللهِ بِالإِيمَانِ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ إِلَى كُلِّ وَعَلَى كُلِّ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ. لأَنَّهُ لاَ فَرْقَ. إِذِ الْجَمِيعُ أَخْطَأُوا وَأَعْوَزَهُمْ مَجْدُ اللهِ. مُتَبَرِّرِينَ مَجَّاناً بِنِعْمَتِهِ بِالْفِدَاءِ الَّذِي بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ الَّذِي قَدَّمَهُ اللهُ كَفَّارَةً بِالإِيمَانِ بِدَمِهِ» (رومية3: 22-25). لهذا ينادي الرب قائلا: «أَيُّهَا الْعِطَاشُ جَمِيعاً هَلُمُّوا إِلَى الْمِيَاهِ والَّذِي لَيْسَ لَهُ فِضَّةٌ تَعَالُوا اشْتَرُوا وَكُلُوا. هَلُمُّوا اشْتَرُوا بِلاَ فِضَّةٍ وَبِلاَ ثَمَنٍ خَمْرًا وَلَبَنًا. لِمَاذَا تَزِنُونَ فِضَّةً لِغَيْرِ خُبْزٍ وَتَعَبَكُمْ لِغَيْرِ شَبَعٍ؟» (إشعياء55: 1، 2) وفي آخر سفر الرويا مكتوب: وَسَيَمْسَحُ اللهُ كُلَّ دَمْعَةٍ مِنْ عُيُونِهِمْ، وَالْمَوْتُ لاَ يَكُونُ فِي مَا بَعْدُ، وَلاَ يَكُونُ حُزْنٌ وَلاَ صُرَاخٌ وَلاَ وَجَعٌ فِي مَا بَعْدُ، لأَنَّ الأُمُورَ الأُولَى قَدْ مَضَتْ». وَقَالَ الْجَالِسُ عَلَى الْعَرْشِ: «هَا أَنَا أَصْنَعُ كُلَّ شَيْءٍ جَدِيدًا». وَقَالَ لِيَ: «اكْتُبْ، فَإِنَّ هَذِهِ الأَقْوَالَ صَادِقَةٌ وَأَمِينَةٌ». ثُمَّ قَالَ لِي: «قَدْ تَمَّ! أَنَا هُوَ اللأَلِفُ وَالْيَاءُ، الْبِدَايَةُ والنِّهَايَةُ. أَنَا أُعْطِي الْعَطْشَانَ مِنْ يَنْبُوعِ مَاءِ الْحَيَاةِ مَجَّانًا» (رؤيا21: 4-6) وفي آخر آيات الكتاب المقدس على الأطلاق يأتي النداء: «مَنْ يَعْطَشْ فَلْيَأْتِ. وَمَنْ يُرِدْ فَلْيَأْخُذْ مَاءَ حَيَاةٍ مَجَّانًا» (رؤيا22: 17).
عزيزي القارئ عزيزتي القارئة..
ليس النداء الآن “ببلاش يا سمك”، بل “ببلاش يا سما”. فهل تأتي الآن إلى المسيح الفادي الذي دفع دمائه غزيرة على الصليب لنتمتع نحن بالشبع والأرتواء؟ هل تصدِّق أن الخلاص وكل عطايا الله لك مجانا؟ فالله أغنى من أن يبيع لنا السماء، ونحن أفقر جدًا من أن نشتريها، لهذا صار الخلاص بالنعمة؛ أي الأحسان المجاني لمن لا يستحق، «لِيُظْهِرَ فِي الدُّهُورِ الآتِيَةِ غِنَى نِعْمَتِهِ الْفَائِقَ بِاللُّطْفِ عَلَيْنَا فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ. لأَنَّكُمْ بِالنِّعْمَةِ مُخَلَّصُونَ، بِالإِيمَانِ، وَذَلِكَ لَيْسَ مِنْكُمْ. هُوَ عَطِيَّةُ اَللهِ. لَيْسَ مِنْ أَعْمَالٍ كَيْلاَ يَفْتَخِرَ أَحَدٌ. لأَنَّنَا نَحْنُ عَمَلُهُ، مَخْلُوقِينَ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ لأَعْمَالٍ صَالِحَةٍ، قَدْ سَبَقَ اللهُ فَأَعَدَّهَا لِكَيْ نَسْلُكَ فِيهَا» (أفسس2: 7-10). فهل تصلي معي؟
صلاة:
يا رب أنا لفدائك جائع وعطشان...
وأنت دفعت الأجرة بالعار والهوان...
لتعطني خلاصك بالمجان...
ارحمني فأصير فيك أغنى إنسان.
آمين.