في حياة تيموثي آرمز قصة طريفة، فعندما كان في السادسة من عمره، خرج يتسكع في الشوارع. فلما تأخر عن موعد عودته إلى المنزل أصاب القلق أمه، فاتصلت بالشرطة لمساعدتها في البحث عن طفلها الصغير. واهتم قائد فرقة البحث وأعد طائرته الهليوكوبتر وطاف في سماء المدينة حتى بلغ شاطئ النهر، فرأى الطفل الصغير يلهو بلا اهتمام، فناداه رجل الشرطة من خلال مُكَبِّر صوت: “تيموثي آرمز... عُد إلى البيت، لقد تأخرت كثيرًا!”
ولم يَكُن الطفل الصغير يدرك أن الصوت قادم من طائرة، لذلك أيقن أن النداء بالتأكيد هو من السماء. وذهب تيموثى آرمز إلى البيت مُسرعًا، وتقابل مع أمه، وفي منتهى الخوف والحيرة قال لها: “لقد تَحدَّثَت السماءُ إليَّ، السماء نفسها تكلمت إليَّ، دعتني باسمي تيموثى آرمز. قالت لي: عُد إلى البيت!”
واحتضنت الأم صغيرها إذ لم تستطع أن تكلمه عن حقيقة الأمر، لكن عندما أصبح تيموثى رجلاً فهم الحقيقة، وعَلِم أن الصوت كان صوت رجل الشرطة، لكنه ظل يقول: السماء استخدمت رجل الشرطة لرجوعي وهدايتي.
أحبائي، أحيانًا نرى آباءنا وكأنهم رجال شرطة يضعون حدًّا لحريتنا، لكنهم صوت السماء لنا، فقد عهد الله إليهم الاهتمام بالأبناء والعناية بهم وتوجيههم.
هل نُقدِّرهم؟
اعتادت البائعة العجوز أن تتجه في الصباح الباكر إلى سوق المدينة في عربة صغيرة تحمل الخضروات وأقفاص الطيور وأقراص الزبد. وهناك في السوق تضع كل شيء على منصة عالية وتأخذ مكانها تحت مظلة تنتظر من يأتي ليشتري. تقدَّمت الأيام بهذه السيدة، وأصبحت بحاجة إلى مَنْ يساعدها في الصعود إلى المنصة وتجهيز المكان لها وترتيب بضائعها لكي تستطيع أن تبيع لعملائها. ولذلك فقد اعتاد الناس أن يشاهدوا رجلاً محترمًا، يأتي كل صباح ويساعد هذه السيدة للصعود إلى المنصة ويساعدها في ترتيب كل شيء ثم يُقَبِّلها وينصرف في سيارته، لكنه يعود آخر النهار ليجلس معها ويتحدث معها فترة من الوقت ثم يأخذ بيدها ليساعدها في الذهاب إلى بيتها.
وما يجب أن نعرفه أن هذا الرجل هو إميل فرانسوا لوبيه (1838 1929) والذي أصبح رئيسًا لفرنسا سنة 1899، وكانت أمه في ذلك الوقت ما زالت تبيع الخضروات في سوق بونتليمار. وهذا الرجل لم يجد أي حرج من عمل الأم ولم يبتعد عنها أو يهرب منها. لم يغلق عليها الأبواب، ولم يختلق لذلك الأسباب. كان من الممكن أن يأخذها إلى أفخم جناح في قصر “الإليزيه”، لكنه سلَّط عليها الأضواء، وساعدها على ممارسة الحياة الإيجابية بالصورة التي تريحها وتسعدها.
البنون وغروس الزيتون
يروي الشاعر الإنجليزي صمويل كولريدچ (1772 1834) قصة حدثت معه، حين استمع إلى خطيب كان يدعو الأبناء إلى الابتعاد عن إرشادات الوالدين ونصائحهم، ونصح الآباء أن يتركوا أولادهم دون تأثير من جانبهم حتى يكبروا ويختاروا لأنفسهم كيف يعيشون. استمع كولريدچ إلى الخطيب المتحمس، ولم يشأ أن يُعَقِّب على كلامه في الحال. لكنه بعد وقت قصير دعاه لمشاهدة حديقته الرائعة، وطاف الشاعر بالضيف بين أركانها الغنية بالأزهار والألوان فتمنَّى لو قضى فيها مزيدًا من الوقت. لكن كولريدچ طلب منه الانتقال إلى الناحية الأخرى من الحديقة ليرى ما فيها، وهناك انقبض الضيف جدًّا لأنه رأى قطعة أرض مُجدبة مملؤة بالوعر والأشواك، فنظر إلى مضيفه في دهشة بالغة متسائلاً إن كان هذا الجزء ضمن الحديقة أم لا. فأجابه: “إن هذه البقعة لم تنضج بعد، ومن الظلم أن أفرض عليها الأزهار والورود، لا بُد أن أتركها حتى تكتمل أيامها فتقرِّر مصيرها، فليس من العدل أن أفرض عليها ما أُريد!” وأدرك الرجل ما أراده الشاعر.
أحبائي، إن الآباء والأمهات لا يريدون فقط أن يزرعوا في طريق أبنائهم الورود الجميلة فقط بل ينظرون إليهم كحديقتهم الخاصة؛ فهم يريدون هذه الحديقة جنة في منتهى التنسيق والروعة. لذلك هم يهتمون بالتشذيب والتهذيب، وما أهون ضربات الفأس في أيدي آبائنا إن كانت لنزع الأشواك من تربة الأبناء! وما أيسر جروح المحاريث لتقلب سطح الأرض فتفتت الأحجار لتزهر الأزهار!
سليمان جنتلمان
في سفر الملوك الأول 2 يُعتَبر سليمان مثالاً رائعًا لاحترام الوالدين، فعندما دخلت بثشبع أمه إليه، قام الملك للقائها وسجد لها وجلس على كرسيه، ووضع لأمه كرسيًّا عن يمينه فجلست عليه. وتعالوا بنا نسمع لبعض نصائح هذا الملك والتي نطق بها بالروح القدس وكُتِبت في سفر الأمثال:
«اسمع يا ابني تأديب أبيك، ولا ترفض شريعة أمك، لأنهما إكليل نعمة لرأسك، وقلائد لعنقك». «الابن الحكيم يسر أباه، والرجل الجاهل يحتقر أمه». «اسمع لأبيك الذي ولدك، ولا تحتقر أمك إذا شاخت» (أمثال1: 8، 9؛ 15: 20؛ 23: 22)
كل اللوم لأبشالوم
أعطى الرب أبشالوم امتيازات عديدة عجيبة، فهو الأمير ابن الملك داود، ومن ناحية أمه فهو ابن معكة بنت تلماي ملك جشور؛ أي إنه ابن ملك وحفيد ملك أيضًا. لم يكن في كل إسرائيل رجل جميل وممدوح جدًّا كأبشالوم، من باطن قدمه حتى هامته لم يكن فيه عيب، وكان يحلق رأسه في كل آخر سنة لأن شعره كان يثقل عليه، وكان يزن شعر رأسه مئتي شاقل بوزن الملك.
ولكن ماذا فعل أبشالوم؟ كان بدأ بأن يتحايل على الناس ويتملقهم حتى تكون في قلوب الشعب بغضة نحو أبيه ويستطيع بعد ذلك أن يسرق المُلْك منه (2صموئيل15)! ثم فعل أكثر من هذا، إذ ذهب إلى حبرون وأرسل جواسيس في جميع إسرائيل قائلاً: “إن سمعتم نفير البوق فقولوا: قد ملك أبشالوم في حبرون”. ورافقه مئتا رجل من أورشليم، وتفاقمت الفتنة وازداد التفاف الشعب حوله، مما جعل أبيه الملك يهرب هو ومن معه. واستمر داود يرتقي جبل الزيتون باكيًا مُغَطَّى الرأس حافي القدمين، وكان جميع من معه يبكون. وفي هذه الأثناء كان شمعي بن جيرا يكيل لداود الشتائم، ورشق داود والشعب الذي معه بالحجارة وكان يذري عليهم التراب. كل هذا بسبب ابن عاق غير مقدر لأبيه.
ودارت المعركة وفي أثنائها كان أبشالوم يركب على بغل مرَّ به تحت شجرة بلوط ضخمة ذات أغصان كثيفة متشابكة، فعَلَق شعره بأحد فروعها ومر البغل من تحته وتركه متدليًا بين السماء والأرض. وعندما علم يوآب أخذ ثلاثة سهام وأنشبها في قلب أبشالوم وهو حي مُعلَّق بشجرة البلوط، ثم أحاط بالشجرة عشرة غلمان حاملي سلاح يوآب، واجهزوا عليه فمات. وأنزلوا أبشالوم وطرحوه في الغابة في حفرة عميقة، وأهالوا عليه رجمة كبيرة جدًّا من الحجارة.
إخوتي اسمعوا ماذا يقول الكتاب المقدس: «أيها الأولاد، أطيعوا والديكم في الرب لأن هذا حق. أكرم أباك وأمك، التي هي أول وصية بوعد: لكي يكون لكم خير، وتكونوا طوال الأعمار على الأرض» (أفسس6: 31).