سمعتها من زوج يستيقظ “مخضوضًا” من صوت زوجته “الهادئ”، تفتح الشباك وتتلو عليه الأوامر: ودِّي العيال المدرسة، هات الخضار، ادفع فاتورة النور، هات “الإِشَارب” من عند ماما وعدِّي عليَّ في الشغل! فيرد عليها وهو شبه غائب عن الوعي: يا فتاح يا عليم!
سمعتها من موظف يجري متمهلاً (!!)، يحاول اللحاق بدفتر الحضور قبل أن يختفي، يتمنى لو أن مديره أصابه “مغص صباحي” ولم يحضر، يصل فيجده محتضنًا الدفتر غاضبًا، فينفخ الموظف كل زفيره (الـ CO2) في مديره ويقول: يا فتاح يا عليم!
“يا فتاح يا عليم يا رزاق يا كريم” جملة مركَّبة من أربع كلمات في هيئة بيت شِعري موزون، هي “اصطباحة” اليوم لأغلب الشعب المصري، فأصبحت جزءًا من ثقافته ورُكنًا من تراثه، ولأنها هكذا فدعنا، عزيزي القارئ، نتناولها بشيء من التأني والتأمل، نأخذ منها هذه المرة: “يا فتاح يا عليم!”
“يا فتاح يا عليم” هي أمنية!
لو أجرينا استبيانًا عن أكثر أمنية يتمناها الإنسان في حياته لكانت “أن يفتحها عليه ربنا”، ولو أضفنا للاستبيان أكثر “دعوة” تدعيها الأمهات لأبنائهن لكانت “روح يا بني ربنا يفتحها في وشك”، ولو أكملنا الاستبيان بأكثر شرط ينبغي تواجده في الرجل عند الزواج لكان “أن يفتح بيت”. فما أروعها وأهمها أمنية يطلبها الإنسان فيداعب بها خياله ويغذي أحلامه!
هذه الأمنية الرائعة كانت حاضرة جدًّا في العهد القديم؛ بناءً على وعد الله لشعبه أنهم إذا أطاعوه واتقوه فإنه «يفتح لك الرب كنزه الصالح، السماء، ليعطي مطر أرضك في حينه وليبارك كل عمل يدك...» (تثنية28: 12). ليس هذا فقط، بل إن الله في العهد القديم احتفظ لنفسه “كالفتَّاح” في فتح ما لا يُفتَح أبدًا، فمن سواه يفتح الأرحام؛ مثلاً عندما فتح رحم ليئة (تكوين29: 30)، ومن غيره يفتح أفواه الحيوانات لتتكلم؛ عندما فتح فم أتان لتوبيخ بلعام النبي (عدد22: 28). فما أعظمه وما أقدره فتَّاح!
وكما اقتنع اليهودي بالله كالفتَّاح الحقيقي، الذي يتحكم في كل البركات الأرضية (أرض ومطر وزوجة وممتلكات)، اقتنع الناس جميعًا بهذه الصفة الرائعة في الإله حتى لو لم يختبروها، فوضعوا اسمه (الفتَّاح العليم) ضمن أسمائه المميزة، وطلبوه في أدعيتهم المختلفة، وأصبح الجميع يتوجه لله كحَلٍّ حقيقي ليفتح لهم كل ما يستعصي فتحه من أبواب الرزق والبركة.
“يا فتاح يا عليم” هي ارتباط!
هل تساءلت مثلي، عزيزي القارئ الذكي، عن سر ارتباط كلمة “يا فتاح” بكلمة “يا عليم”؟! وهل لاحظت أنه نادرًا ما يدعو الناس ربهم: “يا فتاح” فقط؟! الحقيقة أنه يوجد ارتباط مهم بين شطري هذا التعبير يخفي فلسفة تستحق الاطلاع؛ فالإنسان عندما يرفع وجهه طالبًا من ربه أن “يفتحها عليه” لأنه “الفتَّاح”، لا بد أن يُكمل دعاه بأن يعلن لله أنه “العليم” بديونه وظروفه ومصاريف أولاده، في محاولة أن يستَرِقّ قلب الله ليجيبه دعاه؛ أي إنه إذا اعتبرنا أن “يا فتاح” هي الطلب فإن “يا عليم” هي الدَمغة التي تُرفَق مع الطلب لتُجيز تنفيذه، فيا له من ارتباط!
لكن مهلاً عزيزي، ألا تدرك أيضًا أن حدود علم الله “العليم” تتعدى كل حدودك، فالله لا يعلم فقط ما تريده أنت أن يعلمه، بل هو “العليم” بأصل الإنسان أنه تراب (مزمور103: 14)، و“العليم” بفكره أنه باطل (مزمور94: 11)، والأهم أنه “العليم” بقلبه أنه نجيس وشرير وتخرج منه كل خطية كما قال الكتاب المقدس: «القلب أخدع من كل شيء وهو نجيس من يعرفه؟ أنا الرب فاحص القلب مُختَبِر الكُلَى...» (إرميا17: 9، 10؛ انظر أيضًا متى15: 19).
“يا فتاح يا عليم” هي معجزة!
ولأن الله عليم بحال الإنسان ومشكلته مع الخطية، أرسل ابنه الوحيد لتغيير هذا الوضع؛ ذلك الفريد الذي بدأ خدمته عندما «فتح السفر...» (لوقا4: 17)، وبدأ تعاليمه عندما «فتح فاه وعلمهم...» (متى5: 2)، وأثبت ألوهيته عندما «فتح عيني مولودًا أعمى» (يوحنا9: 32). ورغم أنه الفَتَّاح الحقيقي، إلا إنه من أجل حبه وفدائه للإنسان، جاء عليه وقت وهو على الصليب تمت فيه النبوة «كشاة تُساق إلى الذبح وكنعجة صامتة أمام جازِّيها فلم يفتح فاه» (إشعياء53: 7).
عزيزي، ليس صعبًا أن تختبر الله “الفَتَّاح” في أن يفتح لك حسابًا في البنك، أو يفتح لعائلتك ملفًا للهجرة، أو يفتح لك مشروعًا مُربحًا، فهذه الأمور تجري للآلاف يوميًّا، لكن الصعوبة والمعجزة الحقيقية أن تختبره “كالفَتَّاح العليم” ليفتح عينيك لتبصر حقيقة وضعك الروحي، ويفتح قلبك لتقبل كلمته كما فتح قلب ليديا بائعة الأرجوان (أعمال16: 14)، ويفتح ذهنك لتفهمه وتتتمتع به كما فتح ذهن تلميذي عمواس (لوقا24: 45)! وإلا فإني أخشى عليك من وقتٍ سيدعو فيه ملايين البشر خالقهم قائلين: «يا رب يارب افتح لنا، يجيب فيقول لكم لا أعرفكم!» (لوقا13: 25)، ويأمر«فتُفتَح بئر الهاوية» (رؤيا9: 2)، ووقتها يأتي الجحيم للبشر قبل أن يذهبوا هم إليه!
أدعوك الآن - قبل أن تقلب هذه الصفحة - أن تطلب الله من جديد ليصنع معك أعظم المعجزات، فيفتح عينيك وقلبك وذهنك بل وبيتك، ويقودك في رحلة الحياة الرائعة، وهنا تكون تمَّت معك المعجزة الحقيقية، واستُجيبت دعوات والدتك السابقة واختبرت فعليًّا الله أنه “الفتَّاح العليم”!
أكوام بشر ماشية بطريق بينادوا إله فَتَّاح
لا فارقة معاهم فقير ولا حتى غني ومرتاح
هو وحده الإله ومين يفتح غيره
ومين سواه معاه مفاتيح خزاين خيره
بس العظيم إنه عليم بالإنسان وأساريره
عايز يفتحله قلبه ينضفه ويشيل منه الجراح
ويعمل معاه معجزته فينال للأبد السماح