أقام أحد نبلاء بريطانيا حفل عشاء، حضره رئيس الوزراء وقتها، ونستون تشيرشيل، وعدد من الشخصيات الرسمية والمُعتَبَرة. وخلال المأدبة، تقدَّم أحد مساعدي رئيس الوزراء منه، وهمس في أذنه قائلاً: “يا سيدي، لقد شاهدنا إحدى السيِّدات تسرق مملحة فضية وتضعها في حقيبة يدها، فهل لنا أن نفعل شيئًا؟” أجاب الرئيس مساعده: “دعك من هذا، فأنا سأهتم بالأمر”. توجَّه رئيس الوزراء إلى الطاولة، وأخذ مملحة أخرى مماثلة ووضعها في جيبه، ثم اتجه إلى تلك السيدة طالبًا أن يكلمها على انفراد. وعندما أصبحا بعيدًا عن مرأى الآخرين، أخرج المملحة من جيبه وقال لها: “سيدتي العزيزة، إني أخشى أن ما فعلناه اليوم قد صار معلومًا عند الآخرين... فلا يوجد لنا حلٌ سوى أن نعيد هاتين المملحتين من حيث أخذناهما!” وهكذا أعاد كلٌ منهما المملحة التي أخذها مكانها.
فيا لحكمة هذا القائد! بل ويا له من عمل نبيل رائد! فبالرغم من أن الرئيس كان له مطلق الحق أن يدين تلك السيدة، ويشهِّر بها، غير أنه ترك لها فرصة للرجوع عن فعلها وتصحيح خطأها.
يقول كتابنا المقدس: «لتكن محبتكم بعضكم لبعض شديدة لأن المحبة تستر كثرة من الخطايا» (1بطرس4: 8). فالمحبة الحقيقية تستر الخطايا؛ أي تعالجها وتجِد لها مخرجًا، لكنها لا تتستر عليها. إنها تكره الخطية وتوبِّخها لكنها تحب الخاطئ وتشفق عليه. إن المحبة تعلِّمنا أن نرحم الآخرين كما رحمنا الرب، وأن نحبهم كما أحبنا، وأن نحمل عنهم كما حملنا، أن نبنيهم ونقوّيهم، لا أن نهدمهم ونضعفهم ونحطمهم.
وإن كان رئيس الوزراء قد حمل في جيبه مملحة، فإن مسيح السماء قد «حمل هو نفسه خطايانا في جسده على الخشبة، لكي نموت عن الخطايا فنحيا للبر. الذي بجلدته شفيتم» (1بطرس2: 24)، بل سدد كل ما علينا للعدالة الإلهية. وهذا ما تعلَّمه بولس الرسول فقال لصديقه فليمون بخصوص أُنِسيمُس السارق: «إن كان قد ظلمك بشيء أو لك عليه دين فاحسب ذلك عليَّ. أنا بولس كتبت بيدي: أنا أوفي» (فليمون18، 19).
صديقي القارئ وصديقتي القارئة، الخطية شر تجلب الهم، وتأتي بالغم، وتجعل الإنسان خجولاً حزينًا شاعرًا بالذنب. ولا يوجد حل إلا في المسيح لأنه «سكب للموت نفسه، وأُحصي مع أثمة. وهو حمل خطية كثيرين وشفع في المذنبين» (إشعياء53: 12). فلماذا لا نأتي إليه، فنتمتع بالغفران الكثير، بل وننعم بالسلام وبراحة الضمير؟!