«وَقَالَ لَهُ وَاحِدٌ مِنَ الْجَمْعِ: يَا مُعَلِّمُ، قُلْ لأَخِي أَنْ يُقَاسِمَنِي الْمِيرَاثَ. فَقَالَ لَهُ: يَاإِنْسَانُ، مَنْ أَقَامَنِي عَلَيْكُمَا قَاضِيًا أَوْ مُقَسِّمًا؟ وَقَالَ لَهُمُ:انْظُرُوا وَتَحَفَّظُوا مِنَ الطَّمَعِ، فَإِنَّهُ مَتَى كَانَ لأَحَدٍ كَثِيرٌ فَلَيْسَتْ حَيَاتُهُ مِنْ أَمْوَالِهِ. وَضَرَبَ لَهُمْ مَثَلاً قَائِلاً: إِنْسَانٌ غَنِيٌّ أَخْصَبَتْ كُورَتُهُ، فَفَكَّرَ فِي نَفْسِهِ قَائِلاً: مَاذَا أَعْمَلُ، لأَنْ لَيْسَ لِي مَوْضِعٌ أَجْمَعُ فِيهِ أَثْمَارِي؟ وَقَالَ: أَعْمَلُ هذَا: أَهْدِمُ مَخَازِنِي وَأَبْنِي أَعْظَمَ، وَأَجْمَعُ هُنَاكَ جَمِيعَ غَّلاَتِي وَخَيْرَاتِي، وَأَقُولُ لِنَفْسِي: يَا نَفْسُ لَكِ خَيْرَاتٌ كَثِيرَةٌ، مَوْضُوعَةٌ لِسِنِينَ كَثِيرَةٍ. اِسْتَرِيحِي وَكُلِي وَاشْرَبِي وَافْرَحِي! فَقَالَ لَهُ اللهُ: يَاغَبِيُّ! هذِهِ اللَّيْلَةَ تُطْلَبُ نَفْسُكَ مِنْكَ، فَهذِهِ الَّتِي أَعْدَدْتَهَا لِمَنْ تَكُونُ؟ هكَذَا الَّذِي يَكْنِزُ لِنَفْسِهِ وَلَيْسَ هُوَ غَنِيًّا ِللهِ» (لوقا12: 13 21).
الإنسان والطمع
في البداية يحذِّرنا الرب من الطمع؛ لأنه يؤدّي إلى الانقسام والخصام في البيوت والعائلات، وخاصة عند تقسيم الميراث. ولخطورته يقرنه الكتاب بالنجاسة (أفسس4: 19)، ويصف من يمارسونه بأولاد اللعنة (2بطرس2: 14)، ويعرِّفه بعبادة الأوثان (كولوسي3: 5). فليت بيوتنا وحياتنا تخلو من هذا الوباء، ويكون بيننا من هم كإبراهيم عند حدوث التقسيم، ويقول للطماع (لوط): «لا تكن مخاصمة بيني وبينك... لأننا نحن أخوان (ويدعه يختار)... إن ذهبتَ يمينًا فأنا شمالاً»، ومن يفعل هكذا سيعطيه الرب ميراثًا لا يتوقعه على الأرض (اقرأ تكوين12؛ 13)، وفي الأبدية ميراثًا «لا يفنى ولا يتدنس ولا يضمحل». والطماع لن يهنأ بالميراث الأرضي ولن يرث ملكوت الله (1كورنثوس6: 10).
والآن لنتأمل هذا المثل ونرى فيه غباء الإنسان في موقفه من الله ومن نفسه ومن المال.
الإنسان والله
«قال الجاهل في قلبه: ليس إله» (مزمور14: 1). وإن كان هذا الغني لم يصل به الأمر إلى الإلحاد الظاهر بإنكار الله، لكنه عاش الإلحاد بنكران سلطان الله وعطاياه؛ إذ نسي أنه هو الذي يعطي الإنسان نفسًا وروحًا وجسدًا، ويعطيه قوة لاصطناع الثروة. ويعطي للأرض المطر والشمس لتنبت عشبًا وبقلاً: «لأن منه وبه وله كل الأشياء» (رومية11: 36). لكنه نسي الله ولم يذكره مرة واحدة.
الإنسان والمال
المال والثروة في حد ذاتهما ليسا خطأ ولا غبار عليهما، فالله الذي سمح بوجود الفقراء أعطى الغنى لآخرين، وهم بسخاء يعطون للمحتاجين. ولكن الخطورة في شهوة الاقتناء التي لا تعرف الشبع أو الامتلاء، والتي يستخدمها الشيطان ومن خلالها يقود الإنسان لطرق غير مشروعة – كالسرقة والتزوير والهجرة غير الشرعية – والتي نهايتها الهلاك. ولذا كتب الرسول بولس: «لأن محبة المال (وليس المال) أصلٌ لكل الشرور» (1تيموثاوس6: 10).
الإنسان والتمحور حول الذات
لقد أعمى المال عينيه فنسي الله الذي أعطاه، ونسي الآخرين فلم يٌعطِهم، ولم ينشغل إلا بنفسه التي أشار إليها بضمير المتكلم “ياء المتكلم” 17 مرة: «نفسي، مخازني، أثماري، غلاتي...» ولهذا قال له الله: يا غبي! وإليك بعض أوجه الغباء:
* غبي لأنه اعتقد أن نفسه ملكه، ولم يعلم أنها ملك لمن أعطاها له: «ها كل النفوس هي لي. نفس الأب كنفس الابن. كلاهما لي» (حزقيال18: 4).
* غبي لأنه ظنَّ أن المال يضمن له كل شيء حتى العمر الطويل، ونسي أن الحياة أشبار وبخار، وأنه كخيال يتمشى الإنسان.
* غبي لأنه فكَّر أنه بماله سيأكل ويشبع ويشرب ويرتوي، ولكن هيهات! فعن أمثاله قال الرب: «فيأكلون ولا يشبعون» (هوشع4: 10)، وأيضًا: «كل من يشرب من هذا الماء يعطش أيضًا» (يوحنا4: 13)، ولهم قال: «من يُقبل إليَّ فلا يجوع ومن يؤمن بي فلا يعطش أبدًا» (يوحنا6: 35).
* غبي لأنه فكَّر أن أمواله ستعطيه الراحة والفرح، ونسي الرب الذي قال: «وأنا أريحكم»، والكتاب الذي قال: «افرحوا في الرب كل حين».
* غبي لأنه لم يختَر المكان الصحيح للاحتفاظ بثروته ونسي العمل بوصية الرب: «لا تكنزوا لكم كنوزًا على الأرض حيث يفسد السوس والصدأ، وحيث ينقب السارقون ويسرقون. بل اكنزوا لكم كنوزًا في السماء... لأنه حيث يكون كنزك هناك يكون قلبك أيضًا» (متى6: 19-21). والنتيجة أنه وجد القبر لا المخازن، والعذاب لا الأفراح.
دروس للنفوس
* بإمكاننا أن نجعل المال إمَّا خادمًا أو سيدًا؛ فهو خادم لمن يستخدمه لمجد الرب ولخير الآخرين، أو كما قال الرب: «اصنعوا لكم أصدقاء بمال الظلم» (لوقا16: 9). وسيد شرير لمن يُستَعبد له ويخدمه وفي النهاية يكون سبب هلاكه.
* لا يستطيع أحد، عند الموت، أن يأخذ أمواله معه. ولكنه يستطيع أن يجعلها تسبقه. قال الحكيم: «كرهتُ كل تعبي الذي تعبتُ فيه تحت الشمس حيث أتركه للإنسان الذي يكون بعدي... هذا أيضًا باطل» (جامعة2: 18).
* هناك فارق بين الطمع والطموح. فالاجتهاد في الحياة مطلوب: «أرأيتَ رجلاً مجتهدًا في عمله؟ أمام الملوك يقف» (أمثال22: 29). أما الطمع فهو حب المزيد من المال والممتلكات واشتهاء ما للغير: «من يحب الفضة لا يشبع من الفضة، ومن يحب الثروة لا يشبع من دَخْل» (جامعة5: 10).
أخيرًا أدلك، صديقي القارئ، على أمرين:
1- إن كنت تريد الغنى تعالَ للرب يسوع الذي قال: «عندي الغنى والكرامة قنية فاخرة وحظ» (أمثال8: 18)!
2– وإن كنت غنيًّا وتريد استثمارًا مضمونًا لأموالك؛ فيوجد حساب جارٍ، أرباحه 100 ضعف على الأرض وفي النهاية حياة أبدية؛ إنه بيوت الأرامل، وأفواه الأطفال الأيتام، واحتياجات الفقراء، وعمل الرب عمومًا.