مثل شهير بالعامية المصرية، يُطلَق على من ينصِّب نفسه قاضيًا يصدر أحكامًا على الناس والأحداث وهو غير مكلَّف بذلك، ولا مؤهَّل لذلك، بل قد لا يعنيه الأمر من الأساس.
ولست أدري إن كانوا يقصدون بكلمة “الفاضي” أن عنده وقت فراغ كثير، أو أنه فارغ من الداخل بلا هدف في الحياة يكسبها قيمتها. وبغضّ النظر عما يقصدون، فإني أعتبر أن الأمر يشمل الاثنين. فمن لا يعرف أن يستثمر وقته حسنًا، سيجده يمتلئ تلقائيًا بما يضر. ومن لم يعرف هدفًا لحياته، ليس من المستغرب أن يحكم على الآخرين ظانًا أنه بهذا يُكسب حياته معنى وأهمية.
والحكم على الآخرين أمر قد نستسهله، فكلنا ندّعي الفهم والعلم ببواطن الأمور، ولا يحتاج الأمر الكثير منا. لكننا ينبغي أن نتعامل معه باحتراس شديد:
فالخطر الأكبر هو السقوط في شَرَكِ ما يسمى في علم النفس “الإسقاط”، وهذا يحدث عندما تضغط عليَّ أخطائي، فأحاول أن أهرب من هذا الضغط النفسي بأن أنسب الأخطاء لآخرين فأشعر بأن ذنبي أقل. ولمثل هذا يقول الكتاب «أَنْتَ بِلاَ عُذْرٍ أَيُّهَا الإِنْسَانُ، كُلُّ مَنْ يَدِينُ. لأَنَّكَ فِي مَا تَدِينُ غَيْرَكَ تَحْكُمُ عَلَى نَفْسِكَ. لأَنَّكَ أَنْتَ الَّذِي تَدِينُ تَفْعَلُ تِلْكَ الأُمُورَ بِعَيْنِهَا!» (رومية 2: 1).
لكن الخطر الآخر هو الحكم على الآخرين حكمًا غير صائب يؤدي لإيذائهم.
لذلك يحذِّرنا الكتاب من التسرع في الحكم على الأمور «لاَ تَحْكُمُوا فِي شَيْءٍ قَبْلَ الْوَقْتِ»؛ فهناك أمور تحتاج أن ننتظر «حَتَّى يَأْتِيَ الرَّبُّ الَّذِي سَيُنِيرُ خَفَايَا الظَّلاَمِ وَيُظْهِرُ آرَاءَ الْقُلُوبِ» (1كورنثوس 4: 5). ومن يعرف ما في القلب ونواياه غيره؛ لذا فلنتحذر من أن نحكم على نوايا الناس، فليس هذا من حقِّنا ونحن غير مؤهَّلين لذلك.
كما علَّمنا الرب نفسه «لاَ تَحْكُمُوا حَسَبَ الظَّاهِرِ بَلِ احْكُمُوا حُكْمًا عَادِلاً» (يوحنا 7: 24). وهو فخ نقع فيه جميعًا، عندما ننخدع بالمظهر؛ إيجابًا أو سلبًا، فنصدر الأحكام على الآخرين. وكم فعلنا، وندمنا!
«يَامُرَائِي، أَخْرِجْ أَوَّلاً الْخَشَبَةَ مِنْ عَيْنِكَ، وَحِينَئِذٍ تُبْصِرُ جَيِّدًا أَنْ تُخْرِجَ الْقَذَى مِنْ عَيْنِ أَخِيكَ!» (متى7: 5). فالأجدر بنا أن نحكم على أنفسنا أولاً، ثم نلتفت للآخرين، لا لنحاكمهم، بل لنساعدهم على تصحيح أخطائهم.