«اطْلُبُوا سَلاَمَ الْمَدِينَةِ... وَصَلُّوا لأَجْلِهَا إِلَى الرَّبِّ، لأَنَّهُ بِسَلاَمِهَا يَكُونُ لَكُمْ سَلاَمٌ» (إرميا 29: 7)
المسيحي الحقيقي هو شخص سماوي القلب، نزيل وغريب في الأرض، لا يحب العالم (أي الأمور الأرضية والمبادئ الشريرة والشهوات الردية)، لكنه في الوقت ذاته مُخْلصٌ لبلاده التى يعيش فيها، طالبًا سلامها.
وفي قصة حياة الرب يسوع في أرضنا، نلحظ اهتمامًا خاصًا بالمكان الذي عاش فيه؛ فنقرأ عنه «وَلَمَّا جَاءَ إِلَى وَطَنِهِ كَانَ يُعَلِّمُهُمْ...» (متى13: 54)، وأيضًا «وَجَاءَ إِلَى النَّاصِرَةِ حَيْثُ كَانَ قَدْ تَرَبَّى...» (لوقا4: 16).
أحبائي.. لنُلقِ نظرةُ على ماذا يعلمنا كتابنا المقدس بخصوص بلادنا العزيزة.
المسيحي وقوانين البلاد
يسير المسيحي حسب قوانين إلهية مُعلَنة بوضوح في كلمه الله، تحكم كل علاقاته؛ سواء كانت بمن حوله أو بالبلاد التى يعيش فيها وبقوانينها. وقد علم الرب يسوع قائلاً «أَعْطُوا مَا لِقَيْصَرَ لِقَيْصَرَ وَمَا ِللهِ للهِ» (مرقس12: 17)، مؤكِّدًا أهميه الوفاء بما علينا من التزامات تجاه البلاد. وأكَّد على ذلك الرسول بولس «فَأَعْطُوا الْجَمِيعَ حُقُوقَهُمُ...» (رومية13: 7).
المسيحي وموقفه من المسؤولين
الكتاب المقدس يعلّمنا احترام كل من هم في منصب إكرامًا للرب نفسه، وذلك لأنهم مرتَّبون من قِبَل الله (رومية13: 1، 2؛ 1بطرس2: 13؛ تيطس3: 1). فنرى مثلاً بولس يخاطب فستوس الوالي باحترام في أعمال 24: 10، ويؤكِّد أنه «مَكْتُوبٌ: رَئِيسُ شَعْبِكَ لاَ تَقُلْ فِيهِ سُوءًا» (أعمال23: 5؛ خروج22: 28).
كما ويحرِّضنا الكتاب على الصلاة لأجل المسؤولين ومن يعاونهم: «أَطْلُبُ أَوَّلَ كُلِّ شَيْءٍ، أَنْ تُقَامَ طَلِبَاتٌ وَصَلَوَاتٌ وَابْتِهَالاَتٌ وَتَشَكُّرَاتٌ لأَجْلِ جَمِيعِ النَّاسِ، لأَجْلِ الْمُلُوكِ وَجَمِيعِ الَّذِينَ هُمْ فِي مَنْصِبٍ، لِكَيْ نَقْضِيَ حَيَاةً مُطْمَئِنَّةً هَادِئَةً فِي كُلِّ تَقْوَى وَوَقَارٍ» (1تيموثاوس2: 1).
المسيحي وسط التيارات المخرِّبه للبلاد
يسير المسيحي وسط عالم لا يعرف الله، بين خليط من الناس، بعضهم أمين ومُخلص وصاحب مبادئ، والكثير منهم يشجِّع على الفوضى والنهب والتسيب؛ فكيف يتصرف المسيحي؟
1- لا تشترك في الأعمال المخرِّبة: قد تجد مَنْ يسرق أموالاً عامة، أو يرتشي، أو “يزوغ” من العمل أو يخرب في البلاد.. لكن المسيحي لا يشترك في هذه الأمور بل يوبِّخها. «وَلاَ تَشْتَرِكُوا فِي أَعْمَالِ الظُّلْمَةِ غَيْرِ الْمُثْمِرَةِ بَلْ بِالْحَرِيِّ وَبِّخُوهَا» (أفسس5: 11).
2- كُن أمينًا في موقعك: «أَنْ تَكُونَ سِيرَتُكُمْ بَيْنَ الأُمَمِ حَسَنَةً... أَعْمَالِكُمُ الْحَسَنَةِ الَّتِي يُلاَحِظُونَهَا... لأَنَّ هكَذَا هِيَ مَشِيئَةُ اللهِ: أَنْ تَفْعَلُوا الْخَيْرَ فَتُسَكِّتُوا جَهَالَةَ النَّاسِ الأَغْبِيَاءِ» (1بطرس2: 11-15). إن جهالة الناس الأشرار تشنّ باستمرار حروبًا وافتراءات، وبلا هوادة، ضد المسيحيين الأتقياء وضد الإيمان المسيحي... ويعلِّمنا الكتاب هنا أن حياة الأمانة وفعل الخير للجميع وللبلاد، هى أفضل الردود على هذا الافتراء.
3- كُن إيجابيًا مشاركًا في البناء: المسيحي كسيده؛ يجول يصنع خيرًا، لذلك أشجِّعك أن تشارك في كل ما يبني الوطن، سواء بتقديم المساعدة، أو بالمشاركه برأيك في الانتخابات، أو بأي صورة سلمية وبنّاءة وحضارية.
4- انتظر تقديرك الأعظم من الرب لا من الناس: الرسول بولس ينصح العمال والموظفين وكل من يعمل عملاً ما قائلاً: «... لاَ بِخِدْمَةِ الْعَيْنِ كَمَنْ يُرْضِي النَّاسَ، بَلْ بِبَسَاطَةِ الْقَلْبِ، خَائِفِينَ الرَّبَّ. وَكُلُّ مَا فَعَلْتُمْ، فَاعْمَلُوا مِنَ الْقَلْبِ، كَمَا لِلرَّبِّ لَيْسَ لِلنَّاسِ، عَالِمِينَ أَنَّكُمْ مِنَ الرَّبِّ سَتَأْخُذُونَ جَزَاءَ الْمِيرَاثِ، لأَنَّكُمْ تَخْدِمُونَ الرَّبَّ الْمَسِيحَ. وَأَمَّا الظَّالِمُ فَسَينَالُ مَا ظَلَمَ بِهِ، وَلَيْسَ مُحَابَاةٌ» (كولوسي3: 22-24)، وأن كان أحيانا يُظلم المسيحي في التقدير أو الأجر الأرضي، لكن يوجد جزاء وتقدير من الرب أكيد وعظيم.
أمثلة كتابية وتاريخية لمؤمنين خدموا البلاد بكل إخلاص وأمانة
دانيآل: رغم كونه غريبًا في البلاد لكنه خدمها بكل أمانة (اقرأ دانيآل6).
1. عيَّنه الملك داريوس ضمن ثلاثة وزراء على المملكة لضبط أمورها وحساباتها ومواردها، ولتفوّق دانيآل وأمانته «فَكَّرَ الْمَلِكُ فِي أَنْ يُوَلِّيَهُ عَلَى الْمَمْلَكَةِ كُلِّهَا».
2. حاول الأشرار تصّيد خطإٍ لدانيآل في أمور المملكه «فَلَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يَجِدُوا عِلَّةً وَلاَ ذَنْبًا، لأَنَّهُ كَانَ أَمِينًا وَلَمْ يُوجَدْ فِيهِ خَطَأٌ وَلاَ ذَنْبٌ».
3. كان سلوكه التَقَوي في حياته ووظيفته سببًا في أن يعرف الملك الوثني من هو الله، لذلك يشهد عن الله عدة مرات: «إِنَّ إِلهَكَ الَّذِي تَعْبُدُهُ دَائِمًا هُوَ يُنَجِّيكَ... هُوَ الإِلهُ الْحَيُّ الْقَيُّومُ إِلَى الأَبَدِ، وَمَلَكُوتُهُ لَنْ يَزُولَ وَسُلْطَانُهُ إِلَى الْمُنْتَهَى».
أبراهام لينكولن (1809-1865): الرئيس الأمريكى السادس عشر (وعُرف بأنه مسيحي تقي) وخدم بلاده بكل أمانة ويقدِّره الأمريكيون جدًا إلى اليوم، فتجد صورته على إحدى العملات الأمريكية. عمل على توحيد الولايات من الإنقسام وأيضًا ألغى قوانين الرِّق فلُقِّب بـ“محرِّر العبيد”. اشتهر بإيمانه وحياته التقوية فقال عنه أحد الصحفيين: وجدت في أحاديثه أكثر من 30 مرة يتكلم عن “الله القدير” و“أبي المراحم”. أخلص لبلاده جدًا فقال عنه الرئيس الحالي “إنه لشرف كبير أن أقف هنا، في نفس المكان الذي خدم فيه لينكولن وتم تنصيبه رئيسًا للولايات المتحدة”. ظل مُخلصًا في خدمه بلاده وإراحة المساكين والعبيد، حتى اغتاله واحد من مؤيّدي الرِّق والعبوديه للزنوج.
أحبائى... هذا هو المسيحي الحقيقي في إخلاصه لوطنه. نعم هو غريب ونزيل في الأرض، لكنه نافع لمن حوله، مُخلص للبلاد، أمين في أي عمل يعمله أو مسؤولية توضع عليه. له ضمير صالح يحكم تصرفاته «أن لَنَا ضَمِيرًا صَالِحًا، رَاغِبِينَ أَنْ نَتَصَرَّفَ حَسَنًا فِي كُلِّ شَيْءٍ» (عبرانيين13: 18)
ليتنا نُكرم إلهنا بحياة عملية أمينة بحق، في مدارسنا، وكلياتنا، ووظائفنا، نقدِّم من خلالها شهادة جميلة للمسيح بإخلاصنا في الكبيرة والصغيرة، حتى يروا فينا يسوع، ويمجدوا أبانا الذي في السماوات.