واحدة من الفضائل المسيحية..
يقول الكتاب المقدس: «أَرَأَيْتَ رَجُلاً مُجْتَهِدًا فِي عَمَلِهِ؟ أَمَامَ الْمُلُوكِ يَقِفُ. لاَ يَقِفُ أَمَامَ الرَّعَاعِ! » (أمثال22: 29)
وإليك هذه القصة الواقعية...
بدأ طباخًا صغيرًا وهو في العاشرة مقابل دولارين يوميًا، وأصبح يملك أشهر سلسلة مطاعم في العالم، وتم منحه لقب الكولونيل “هارلاند ساندرز” - صاحب فكرة مطاعم دجاج كنتاكي. تنقل من عمل إلى عمل متواضع، يكافح حتى حصل على الدكتوراه في القانون وعمل في المحاماة في ولاية أركنساس، لكنه ترك المحاماة وافتتح محطة لخدمة السيارات، وأنشأ فيها مطعمًا صغيرًا لخدمة زبائنه، وسرعان ما زاد نجاحه وشهرته. تعرض هارلاند لخسارة مالية فادحة أتت على كل ما يملك.. لكنه واصل نشاطه، يتنقل عارضًا دجاجه على أصحاب المطاعم والعاملين فيها، وبعد مرور 12 سنة، كان هناك أكثر من 600 مطعم في الولايات المتحدة وكندا يبيعون دجاج كولونيل ساندرز. وعندما بلغ ساندرز سن 77، قرر أن يبيع كل شيء بمبلغ 2 مليون دولار لمجموعة من المستثمرين. ثم تحولت المطاعم إلى مشروع ضخم يحمل علامة KFC، إنه الاجتهاد والإصرار على النجاح!
أولاً: الاجتهاد ومعناه
كلمة الاجتهاد تحوي بداخلها عدة معاني رائعة مثل:
1. الاستيقاظ مبكرًا للعمل: يقول الكتاب عن المرأة الفاضلة «تَقُومُ إِذِ اللَّيْلُ بَعْدُ وَتُعْطِي أَكْلاً لأَهْلِ بَيْتِهَا وَفَرِيضَةً لِفَتَيَاتِهَا.» (أمثال31: 15).
2. العمل بلا تكاسل: «اَلْعَامِلُ بِيَدٍ رَخْوَةٍ يَفْتَقِرُ، أَمَّا يَدُ الْمُجْتَهِدِينَ فَتُغْنِي» (أمثال10: 4).
3. بذل أقصى الجهد: «وَجَعَلَ قَلْبَهُ عَلَى دَانِيآلَ لِيُنَجِّيَهُ، وَاجْتَهَدَ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ لِيُنْقِذَهُ» (دانيال6: 14).
ثانيًا: الاجتهاد في جوانب الحياة المختلفة
نذكر البعض منها:
1. في العمل الزمني أو الدراسة
العمل الزمني (أو الدراسة بالنسبة للطالب) هما من ترتيب الله «وَأَخَذَ الرَّبُّ الإِلهُ آدَمَ وَوَضَعَهُ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ لِيَعْمَلَهَا وَيَحْفَظَهَا» (تكوين2: 15). لذلك يحترم المؤمن هذا الترتيب ويجتهد عاملاً ليس بهدف الوصول لأعلى المراكز، لكن بهدف تمجيد الرب من خلال أمانته ونجاحه. ما أروع التقرير الذي يقدِّمه مدير العمل عن راعوث، الفتاة المجتهدة، وهي تعمل في الحقل عملاً بسيط تتقوت منه: «فَجَاءَتْ وَمَكَثَتْ مِنَ الصَّبَاحِ إِلَى الآنَ. قَلِيلاً مَّا لَبِثَتْ فِي الْبَيْتِ» (راعوث2: 7).
2. في السلوك المسيحي
أصبحت الحياة المسيحية التقوية صعبة بسبب تحديات الأخلاقيات الفاسدة وانتشارها الرهيب، صحيح أن الله هو العامل فينا أن نريد وأن نعمل لأجل المسرة، لكن الأمر يتطلب جهدًا واجتهادًا من المؤمن لإظهار رائحة المسيح. هذا ما ينصح به الرسول بطرس أخوته قائلاً « وَلِهذَا عَيْنِهِ، وَأَنْتُمْ بَاذِلُونَ كُلَّ اجْتِهَادٍ، قَدِّمُوا فِي إِيمَانِكُمْ فَضِيلَةً» (2بطرس1: 5).
3. في خدمة إخوتنا
الكلام عن الخدمة سهل، والخدمة بالكلام أسهل، لكنها ليست حسب قلب الله! والرسول يوحنا يحذِّرنا من أن نحب أخوتنا بالكلام واللسان، لكن نحب بالعمل والحق. يحكي الرسول بولس عن أخ محب جاء إليه وقت سجنه وهو أنسيفورس، يقول عنه: «لأَنَّهُ مِرَارًا كَثِيرَةً أَرَاحَنِي وَلَمْ يَخْجَلْ بِسِلْسِلَتِي... طَلَبَنِي بِأَوْفَرِ اجْتِهَادٍ فَوَجَدَنِي» (2تيموثاوس1: 16، 17).
4. في عبادة الرب
كم يفرح الرب حين يرى مؤمنيه يعبدونه بقلب كامل وبنفس راغبة، غير متكاسلين أو متباطئين، بل يعبدونه بفرح وبحرارة عمل الروح القدس وليست بانفعالات الجسد. لذلك يقول المرنم «تشتاق بل تتوق نفسي إلى ديار الرب» (مزمور84: 2). ويقول بولس أيضًا للمؤمنين «غير متكاسلين في الاجتهاد. حارّين في الروح. عابدين الرب» (رومية12: 11).
ثالثًا: أمثلة كتابية لمجتهدين عظماء
الكتاب المقدس بعهديه مليء بعينات من المؤمنين الذين اجتهدوا في حياتهم، وأكتفي بذكر شخصيتين فقط:
يوسف: مثال رائع للاجتهاد في الحياة العملية:
1. في بيت أبيه: يسافر على رجليه مسافة طويلة طاعة لأبيه للسؤال عن أخوته، من حبرون إلى دوثان (تكوين37: 2-17).
2. في بيت فوطيفار: عمل بنشاط فأنجحه الرب «فوكَّله على بيته ودفع إلى يده كل ما كان له» (تكوين39: 4).
3. في بيت السجن: «وكل ما كانوا يعملون هناك كان هو العامل» (تكوين39: 22).
4. في قصر فرعون: يفسر الأحلام، يجمع القمح ويخزنه، يبيع القمح؛ فاشترى يوسف كل أرض مصر لفرعون.
بولس: مثال رائع للاجتهاد في عمل الرب
1. يحتمل المشقات حتى القيود كمذنب.
2. لا يُضيع فرصه للكلام عن الرب ولا يمل من تقديم المسيح جهرًا وفي كل بيت.
3. لا يكل من عمل الرب حتى لو تعرض للغرق أو أمسكت أفعى بيده أو حتى رُجم بالحجارة.
4. وسط اهتمامه بعمل الرب كان يعمل في صناعة الخيام لتسديد احتياجاته واحتياج الذين معه.
رابعًا: بركات الاجتهاد
1. الكرامة: «أَرَأَيْتَ رَجُلاً مُجْتَهِدًا فِي عَمَلِهِ؟ أَمَامَ الْمُلُوكِ يَقِفُ. لاَ يَقِفُ أَمَامَ الرَّعَاعِ! » (أمثال22: 29).
2. الغنى والرخاء: «اَلْعَامِلُ بِيَدٍ رَخْوَةٍ يَفْتَقِرُ، أَمَّا يَدُ الْمُجْتَهِدِينَ فَتُغْنِي» (أمثال10: 4).
3. لا يتذلل لأحد: «يَدُ الْمُجْتَهِدِينَ تَسُودُ، أَمَّا الرَّخْوَةُ فَتَكُونُ تَحْتَ الْجِزْيَةِ» (أمثال12: 24).
عزيزي... إن إلهك لا يريدك كسولاً أو متواكلاً، بل نشطًا مجتهدًا... كفرد في أسرتك تساعد من حولك ولا تكون ثقلاً عليهم، وفي حياتك العملية نشيطًا متفوقًا، فالرب يوبخ الكسول قائلاً له «أذهب إلى النملة أيها الكسلان، تأمل طرقها وكن حكيمًا» (أمثال6:6).
إن كنت ما تزال طالبًا في الدراسة، ضع في قلبك أن تستذكر بكل قوتك ولا تنسى أن تفوقك هو إكرام لاسم المسيح. واحذر من العبارات المدمِّرة التي تسود الشارع والتي تشجع على التكاسل وعدم العمل، مثل “ربنا يسهل.. والمكتوب على الجبين هتشوفه العين..ألخ”.
المؤمن يتكل على إلهه مجتهدًا، ويجتهد متكلاً ومنتظرًا لإلهه، هذا ما قاله نحميا أعظم المجتهدين «إِنَّ إِلهَ السَّمَاءِ يُعْطِينَا النَّجَاحَ، وَنَحْنُ عَبِيدُهُ نَقُومُ وَنَبْنِي» (نحميا2: 20).