اقرأ متى 18 : 21–35
هذا المثل رواه الرب بمناسبة سؤال بطرس «كم مرة يخطىء إليَّ أخي وأنا أغفر له»، ولم ينتظر الإجابة من الرب بل حدَّدها بسبع مرات، وربما كان في فكره قول يهودي إن الحد الأقصى للغفران هو ثلاث مرات استنادًا على قول الرب «من أجل ذنوب إسرائيل الثلاثة والأربعة لا أرجع عنه» (عاموس2: 6). وأظن أنه كان ينتظر ثناء الرب عليه لأنه يظهر نعمة غير عادية بالغفران سبع مرات لأخيه. والرب في قوله سبعين مرة سبع مرات لم يقصد المعني الحرفي للعملية الحسابية 490 مرة، بل تحمل معنى ما لا نهاية وبلا حدود.
دين عظيم وغفران أعظم
المدين الأول مدين بعشرة آلاف وزنة (حوالي ثلاثمائة ألف كجم) تحتاج لحوالي ستة آلاف رجل لحملهم (إذا حمل كل واحد 50 كجم). وتعادل أكثر من 80 ضعف هدية ملكة سبأ لسليمان (1ملوك10). وتكفي لاستئجار حوالي عشرة مليون جندي (2أخبار25: 6). وهذا تصوير لكمِّ الخطايا والآثام التي لا يمكن إحصائها فقد قال أيوب للرب «كم لي من الآثام والخطايا؟ أعلمني ذنبي وخطيتي» (أيوب13: 23). لكن الله يعرفها ويريد أن يسامحنا عنها بشرط إشهار الإفلاس والاعتراف بالدين وعدم إمكان التسديد والثقة في نعمة الرب الغافرة «إن اعترفنا بخطايانا فهو أمين وعادل حتى يغفر لنا خطايانا ويطهِّرنا من كل إثم» (1يوحنا1: 9).
ليس من أعمال
فعل حسنا هذا المدين عندما اعترف بالدين وسجد، ولكنه أخطأ عندما طلب «تمهَّل عليَّ فأوفيك»؛ فمن أين كان سيوفي الدين؟ فإذا اعتبرنا أن الوزنة = 6000 دينار فسيكون دينه 60 مليون دينار ويحتاج أن يعمل 164 ألف سنة لتوفير هذا المبلغ (أجر العامل دينار في اليوم) وهذا لن يحدث. ولكن خلاص الله يقدمه مجانا «لأنكم بالنعمة مخلصون... ليس من أعمال كيلا يفتخر أحد» (أفسس2: 8، 9).
عمل السيد
1– ترك له الدين: «إذًا لا شيء من الدينونة الآن على الذين هم في المسيح يسوع» (رومية8: 1).
2– تحنن عليه.
3– أطلقه: قال الرب يسوع «روح الرب عليَّ لأنه مسحني... لأنادي للمأسورين بالإطلاق... وأرسل المنسحقين في الحرية» (لوقا4: 18).
4– رَحِمَه: «رحمتك يا رب قد ملأت الأرض» (مزمور119: 64).
وهذا ما يفعله الرب لكل من يأتي إليه ويعترف له بدينه الكبير فيسمع القول «ولا أنا أدينك» (يوحنا8: 11)، ويتحنَّن عليه ويلمسه بيده (مرقس1: 41)، ثم يمسكه ويبرأه ويطلقه (لوقا14: 4) ويقول له «رحَمتُك أنا».
دروس للنفوس
الغفران والعلاج للأخ المخطئ يجب أن يتم كالتالي:
1– الغفران القلبي الفوري للأخ المخطئ «وكونوا لطفاء بعضكم نحو بعض، شفوقين متسامحين كما سامحكم الله أيضًا في المسيح» (أفسس4: 32).
2– الذهاب للأخ المخطئ ومعاتبته على انفراد (فلا نكشفه أمام الآخرين) في جو من المحبة بطريقة تقوده للتوبة عن خطيته، ثم أكِّد له أنك غفرت له وبذا تكون قد ربحته (لوقا17: 3).
3– إن لم يسمع ويعترف بخطئه، خذ معك واحد أو أثنين قادرين على علاجه ليناقشاه ويكونا شاهدين عليه. وإن لم يسمع منهما فقل للكنيسة (متى18: 16). وفي كل الأحوال لا يجوز للمؤمن اللجوء للمحاكم البشرية ليشتكي أخيه (1كورنثوس6: 1–8).
المسيح مثالنا
1– في المسامحة: الذي سامحنا بجميع الخطايا (كولوسي2: 13)، يعلِّمنا كيف نسامح الجميع على كل شيء. فالملك سامح العبد بالكثير، والعبد لم يسامح رفيقه بالقليل. والملك أطلقه حرًّا بدون دين، وهو ألقى رفيقه في السجن ولم يُعطِه فرصة لتسديد الدين.
2- في الرحمة: «ينبغي أنك ترحم رفيقك كما رحمتك»، لا مجال هنا للتفكير إن كان هذا الرفيق يستحق الرحمة أم لا، بل “ينبغي”. وطوبي للرحماء لأنهم يُرحمون (متى5: 7).
3– في المحبة: «هذه هي وصيتي أن تحبوا بعضكم بعضًا كما أحببتكم أنا» (يوحنا15: 12). الله محبة، والمسيحية محبة، ومن لا يحب لم يعرف الله. فهل لنا نفس نوع محبة المسيح الذي أحبنا بلا سبب، وأحبنا إلى المنتهى، وأحبنا رغم أخطائنا، بمحبة بادئة ومعطاءة ومضحية وتحتمل كل شيء؟
4– في غسل الأرجل: «فإن كنت وأنا السيد والمعلم قد غسلت أرجلكم، فأنتم يجب عليكم أن يغسل بعضكم أرجل بعض؛ لأني أعطيتكم مثالاً، حتى كما صنعت أنا بكم تصنعون أنتم أيضًا» (يوحنا13: 14، 15). أشياء كثيرة تحدث معنا وتحتاج إلى تطهير وإصلاح وإنعاش والرب يقوم بهذا بنفسه، فهل نصنع نحن مع إخوتنا هكذا. نحتاج أن نتعلم هذا الدرس من أعظم مثال لنا؛ درس المسامحة والغفران والرحمة والمحبة وغسل الأرجل.
والخلاصة
1– بطرس لم يسأل “أغفر أم لا؟” بل سأل عن عدد أخطاء الآخر ومسامحته هو، بمعنى أنه لا بد أن نغفر ولا فصال في هذا الأمر.
2– ليس حسنًا أن نعِد إساءات إخوتنا لنا، ولا أن نعد مرات مسامحتنا لهم.
3– بسبب بشاعة الخطية سُمِّيت هنا وزنة وهي أعلى وحدة قياس.
4– عندما رأى باقي العبيد ما حدث لم يوبخوا رفيقهم أو يتكلموا عنه أمام الآخرين، بل أخبروا سيدهم. فما نراه من أخوتنا وفي الكنائس علينا إخبار الرب به في الصلاة وهو يعرف كيف يعالج.