(لوقا13: 6‑9)
نعيش هذه الأيام في جو مليء بالأحداث والحوادث؛ وفي كل يوم نرى ونسمع ونقرأ عن حوادث طائفية وحوادث بلطجة وكوارث طبيعية يموت فيها أعداد كثيرة من الناس بلا ذنب فعلوه. ولكن مَن مِنَّا فكر أنه كان يمكن أن يكون أحد هؤلاء الموتى؟ فهم ليسوا أَشَرَّ مِنَّا لذا ماتوا، ونحن لسنا أَبَرَّ منهم فلم نَمُت. ولكن الحقيقة هي أن الله في رحمته أعطانا فرصة جديدة في الحياة، فهل نغتنمها ونتوب ونرجع إليه؟ هذا ما قصد الرب توضيحه لمستمعيه عندما دار الحديث عن بيلاطس وكيف خَلَط دم المُصَلِّين في الهيكل بدم ذبائحهم (حادث إرهابي طائفي) وعن الذين سقط عليهم برج سلوام وماتوا (كوارث طبيعية)، فقال لهم الرب: «إن لم تتوبوا فجميعكم كذلك تهلكون» (لوقا13: 1‑5). ولتوضيح هذه الحقيقة تكلم الرب بهذا المثل وفيه نرى أن: صاحب الكرم والتينة هو الله، والكرم هم جماعة المؤمنين، والكَرَّام هو الرب يسوع، وشجرة التين هي صورة لكل إنسان. ومن هذا المثل نخرج بالحقائق الآتية:
الله وحقوقه
قبل أن يغرس صاحب الكرم شجرة التين هَيَّأ لها كل ما يقودها للإثمار من تربة جيدة ومياه كافية وجو مناسب وعناية مستمرة؛ لتُخرِج أفضل ما عندها من ثمر. وهذا ما فعله الله؛ فقد خلق للإنسان كل شيء يقوده لطاعته وعبادته. فقد قال الرب مرة: «ماذا يُصنَع أيضًا لكرمي وأنا لم أصنعه له؟» ويكمل: «لماذا إذ انتظرتُ أن يصنع عِنَبًا صنع عِنَبًا رديئًا» (إشعياء5: 4). فماذا يصنع الكرَّام بالشجرة غير المثمرة؟
الله وطول أناته
العدل يقول: يجب أن تُقطَع وتُلقَى في النار، وهذا ما تستحقه فعلاً، كما قال المصلوب بجوار المسيح لزميله: «بعدل ننال استحقاق ما فعلنا». لكن الله طويل الروح وكثير الرحمة؛ فثلاث سنين وهو يمر على الشجرة ولا يجد فيها ثمرًا، ثم يتركها وينتظر! احسبها صح! كم سنة والرب صابر عليك؟ فبرحمة المسيح التي ظهرت في الصليب رحمك وتركك هذه السنة رغم ثمرك الرديء! فالآن أنت في سنة الرب المقبولة ومن أدراك فقد يكون هذا هو اليوم الأخير فيها «هُوَذَا الآنَ وَقْتٌ مَقْبُولٌ. هُوَذَا الآنَ يَوْمُ خَلاَصٍ» (2كورنثوس6: 2).
حُجرة العناية المركزة
أعطى الكرام اهتمامًا خاصًّا للتينة غير المثمرة أكثر من الأشجار المثمرة! سنة كاملة بفصولها الأربعة؛ مطر الشتاء لإروائها، ورياح الخريف لتحريكها وتثبيتها، ونسيم الربيع لإخراج أزهارها، وشمس الصيف لإنضاج ثمرها، مع إزالة الحشائش الضارة من حولها وتغذيتها بأجود أنواع الأسمدة. ألا نرى هذا في معاملات الرب مع غير المؤمنين وهو يهتم بهم بلطف بديع؟! والغرض: لعلهم يتوبوا ويرجعوا للرب ويُثمروا! وقد تكون أنت، عزيزي القارئ، مِمَّن يفعل الرب معهم هذا. فكم من شباب مثلك ماتوا في مثل سنك ولكن الرب نَجَّاك وأبقاك أنت؟ وكم من مَرَّة حضرتَ فُرَص كرازة ومؤتمرات روحية وسمعتَ عظات دينية وقرأتَ كتبًا مسيحية؟ والرب زودك بصحة جسدية وعطايا زمنية واجتماعية. اهتمام وعطايا خاصة بك محروم منها الكثيرين! كل هذا ليعطيك فرصة للتوبة! وأنت كما أنت، فماذا تنتظر؟!
الإنسان وإهماله
للأسف، فالناس تستغل طول أناة الله بصورة سيئة: «لأَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْعَمَلِ الرَّدِيءِ لاَ يُجْرَى سَرِيعًا، فَلِذلِكَ قَدِ امْتَلأَ قَلْبُ بَنِي الْبَشَرِ فِيهِمْ لِفَعْلِ الشَّرِّ» (جامعة8: 11). لذا يقدِّم لك الرب هذا التحذير: «أَمْ تَسْتَهِينُ بِغِنَى لُطْفِهِ وَإِمْهَالِهِ وَطُولِ أَنَاتِهِ، غَيْرَ عَالِمٍ أَنَّ لُطْفَ اللهِ إِنَّمَا يَقْتَادُكَ إِلَى التَّوْبَةِ؟» (رومية2: 4). وإن لم تَتُب فبأية طريقة ستنجو من الهلاك؟ «فَكَيْفَ نَنْجُو نَحْنُ إِنْ أَهْمَلْنَا خَلاَصًا هذَا مِقْدَارُهُ؟» (عبرانيين2: 3).
الإنسان وتوبته
لاحظ أن الرب لم يَقُل: “إن لم تعملوا أعمالاً صالحة” أو “إن لم تصوموا وتصلوا” بل قال: «إن لم تتوبوا فجميعكم كذلك تهلكون». والتوبة هي: تغيير الفكر والهدف والرجوع عن الطرق الرديئة وحياة الشر إلى المسيح، مُعتَرِفًا له بخطاياك ليغفرها لك، وإن كنتَ مُستَعبَدًا لشيء وغير قادر على تركه فقُل للرب: «تَوِّبني فأتوب!» وهو سيفعل لك ذلك. وبعد التوبة والإيمان يأتي دور الأعمال الصالحة: «واصنعوا أثمارًا تليق بالتوبة» (متى3: 8).
الإنسان وأثماره
شبَّه الرب يسوع الناس - الأشرار منهم والصالحين - بالأشجار. فمنهم من يُشَبَّه بشجرة عالية مملوءة بالأغصان والأوراق؛ منهم من لم يعملوا حساب للرب فقطعهم: «قَدْ رَأَيْتُ الشِّرِّيرَ عَاتِيًا، وَارِفًا مِثْلَ شَجَرَةٍ شَارِقَةٍ نَاضِرَة. عَبَرَ فَإِذَا هُوَ لَيْسَ بِمَوْجُودٍ، وَالْتَمَسْتُهُ فَلَمْ يُوجَدْ» (مزمور37: 35، 36). ومنهم من أفاق عندما أعطاه الرب فرصة أخيرة فأثمر كنبوخذ نَصَّر (اقرأ دانيآل4). ومنهم من أتي بثمر كثير: «يُوسُفُ، غُصْنُ شَجَرَةٍ مُثْمِرَةٍ، غُصْنُ شَجَرَةٍ مُثْمِرَةٍ عَلَى عَيْنٍ» (تكوين49: 22). فأنت مَن مِن هؤلاء؟ لا تنخدع بنشاطك الكثير وعملك في المجال الروحي وتحركاتك الكثيرة في كل الاتجاهات! فقد تكون مِن القادة المسؤولين أو مِن فريق الترنيم: فروع عالية وأوراق خضراء هي فقط لستر العُري. وكما استطاع الناس صناعة الفواكه والخضراوات من البلاستيك: منظر جميل بلا طعم أو رائحة، هكذا يستطيع الجسد أن يخدعك بتقليد أمور الله، وأنت بلا ثمر حقيقي، الذي هو ثمر الروح: «لأَنَّهُ مَا مِنْ شَجَرَةٍ جَيِّدَةٍ تُثْمِرُ ثَمَرًا رَدِيًّا، وَلاَ شَجَرَةٍ رَدِيَّةٍ تُثْمِرُ ثَمَرًا جَيِّدًا. لأَنَّ كُلَّ شَجَرَةٍ تُعْرَفُ مِنْ ثَمَرِهَا. فَإِنَّهُمْ لاَ يَجْتَنُونَ مِنَ الشَّوْكِ تِينًا، وَلاَ يَقْطِفُونَ مِنَ الْعُلَّيْقِ عِنَبًا» (لوقا6: 43، 44).
الله وقضاؤه
قال المعمدان: «والآن قد وُضِعَت الفأس على أصل الشجر، فكل شجرة لا تصنع ثمرًا جيدًا تُقطَع وتُلقَى في النار» (متى3: 10). وقال الرب عن إيزابل، وفيها نرى صورة لكل مسيحي بالاسم: «وَأَعْطَيْتُهَا زَمَانًا لِكَيْ تَتُوبَ عَنْ زِنَاهَا وَلَمْ تَتُبْ. هَا أَنَا أُلْقِيهَا فِي فِرَاشٍ، وَالَّذِينَ يَزْنُونَ مَعَهَا فِي ضِيقَةٍ عَظِيمَةٍ، إِنْ كَانُوا لاَ يَتُوبُونَ عَنْ أَعْمَالِهِمْ» (رؤيا2: 21، 22). فمَن لا يؤمن بالمسيح في زمان النعمة الحاضر فقد أضاع الفرصة على نفسه وسيأتي عليه يوم الانتقام: «وَلكِنَّكَ مِنْ أَجْلِ قَسَاوَتِكَ وَقَلْبِكَ غَيْرِ التَّائِبِ، تَذْخَرُ لِنَفْسِكَ غَضَبًا فِي يَوْمِ الْغَضَبِ وَاسْتِعْلاَنِ دَيْنُونَةِ اللهِ الْعَادِلَةِ» (رومية2: 5).
عزيزي القاريء، اهرب من الغضب الآتي بتوبة قلبية ورجوع حقيقى للمسيح! وإن كنتَ غُصنًا حقيقيًّا ثابتًا في المسيح فاطلب منه أن ينقيك لتأتي بثمر أكثر!