جاء بأحد المواقع الإخبارية الشهيرة على شبكة الإنترنت خبر عن واقعة نادرة وغريبة من نوعها وجاءت الصور المصاحبة لهذا الخبر لتؤكد غرابته. أما عن تفاصيل الخبر فقد جاء كالتالي:
اخترق سائق سيارة لوري جدار الطابق الثاني لأحد مراكز الإصلاح الواقعة في مدينة نيويورك، وكاد أن يسقط اللوري بالكامل من الجدار قبل أن يتعلق الجزء الخلفي له في الحائط، ليستطيع رجال الإطفاء إنقاذ السائق عن طريق السلالم. ونقلت الصحيفة عن شاهد عيان: “لقد سمعت دوي انفجار هائل، وعندما التفتُّ وجدتُ هذه الشاحنة مخترقة الجدار... كان السائق مُعَلَّقًا ويصرخ مثل المجنون يطلب المساعدة”. وتم نقل السائق إلى المستشفى مُصابًا بإصابات في الظهر والرقبة.
والآن دعنا نتأمل في بعض الأفكار حول هذه الواقعة التي قد يصفها البعض بالغريبة، بينما يصفها البعض الآخر بالطريفة المُضحِكة، وقد يتعامل معها البعض بلا مبالاة ويضيفها إلى سلسلة الأحداث والحوادث التي يسمع عنها كل يوم هنا وهناك؛ بينما تحمل في طياتها دروسًا رائعة ومفيدة ليتنا نتعلمها.
كاد أن يسقط...!
إذا اقتربنا من ذلك السائق الذي أُصيب في هذا الحادث وهو يقرأ هذا الخبر، وسألناه عن أجمل وأروع كلمة كُتِبَت في هذا الخبر، ربما ينظر حوله لحظات ليتأكد للمرة الألف أنه لا يزال على قيد الحياة، ثم يجيبنا أنها كلمة “كاد أن يسقط”. فمما لا شك فيه أن ذلك الرجل كان بينه وبين الموت لحظات، وربما في اللحظات الأولى التي اخترق فيها الجدار قد شعر أنه ميت لا محالة، لكنه لم يسقط! وهو الآن لا زال على قيد الحياة.
ألا تذكِّرك هذه الواقعة بأوقاتٍ كثيرة شعرتَ أن الموت قريب منك جدًّا وأن نهايتك قد اقتربت ثم فوجئت بأحداث تُغَيِّر كل توقعاتك؟ ألا يذكِّرك هذا الخبر بأنك كثيرًا ما كنتَ على حافة الهاوية وأنقذك الرب، حتى إنك قررتَ أن تتغير، ثم مع الوقت نسيتَ الأمر ونسيتَ القرار وعُدتَ لِمَا كنتَ فيه وأكثر؟ إن الصور التي صاحبت هذا الخبر تُعتَبَر من أروع الصور التي تصف حياة الكثيرين من الشباب في هذه الأيام؛ حياتهم على حافة السقوط، يصفهم الكتاب المقدس بأنهم يركضون إلى فيض الخلاعة (1بطرس4: 4). يركضون بكل قُوَّتهم نحو الجحيم الأبدي، ولا يُعطون لأنفسهم فرصة للتفكير في ذلك المصير المخيف وتلك الأبدية التي لا تنتهي. وربما لا يدركون خطورة الأمر ولا يعنيهم قول الرب: «إِنْ لَمْ تَتُوبُوا فَجَمِيعُكُمْ كَذَلِكَ تَهْلِكُون» (لوقا13: 3). لكن هذه هي الحقيقة التي يجب أن نلتفت إليها بكل ما أوتينا من قوة، فالله قد أعطانا حياة حتى هذه اللحظة لا لنأكل ونشرب ونلبس (متى6: 31)، بل لنعطيها له؛ فليس أروع من الحياة معه، ولا لذة أجمل من لذة الاقتراب إليه، ولا متعة أعظم من متعة الحديث معه، ولا رفقة أحلى من رفقته؛ فهو بحق «حَلْقُهُ حَلاَوَةٌ وَكُلُّهُ مُشْتَهَيَاتٌ» (نشيد5: 16).
مُعَلَّق ويصرخ طالبًا المساعدة
كانت هذه هي الكلمات التي وصف بها أحد شهود العيان حال السائق لحظة وقوع الحادث. ولا يشعر بقوة هذه الكلمات أو يدرك معناها إلا مَن مَرَّ بظرف عصيب أو دخل في ضيقة شديدة ولم يكن يرى مخرجًا، فخرجت منه صرخة مُدَوِّية رهيبة من القلب مُعلِنة كَمِّ المعاناة والخوف الرهبة التي يعاني منها. فلو تأملتَ قليلاً في صور الواقعة التي نتحدث عنها وتخيلتَ كيف كان وضع ذلك السائق حينما وقع الحادث، لعَلِمتَ مقدار ما كان يشعر به من رعب وخوف لا يوصف. وهذا الشعور يجب أن يمتلك على كل قلب لم يعرف المسيح بعد.
وأتذكَّر معك، عزيزي الشاب، صرختين فقط من الصرخات الكثيرة التي وردت في كلمة الله، كانتا طلبًا للمساعدة والإنقاذ، لكنهما كانتا على طرفي نقيض من بعضهما البعض من حيث التوقيت؛ فإحدى هاتين الصرختين جاءت في وقتها تمامًا بينما الأخرى جاءت بعد فوات الأوان.
الصرخة الأولى كانت صرخة لشخص ينطبق عليه ما وُصِف به حال ذلك السائق المسكين، فقد كان مثل ذلك السائق تمامًا: “مُعَلَّقًا ويصرخ طالبًا النجاة.” إنه اللص الذي كان على الصليب بجوار الرب يسوع، وفي اللحظات الأخيرة لحياته على الأرض طلب النجاة من رب النجاة، والإنقاذ والخلاص من المُخَلِّص الوحيد؛ رب المجد يسوع، فقال عبارته الشهيرة: «اذْكُرْنِي يَا رَبُّ مَتَى جِئْتَ فِي مَلَكُوتِكَ». وجاءت إجابة الرب، الذي لم يتوانَ عن استجابة هذه الطلبة والاحتياج الأكيد رغم ما كان يعانيه، فقال له على الفور: «الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنَّكَ الْيَوْمَ تَكُونُ مَعِي فِي الْفِرْدَوْسِ» (لوقا23: 42، 43). ليتها تكون صلاتك الآن للرب الذي ينتظرك ويناديك بكل قلبه!
أما عن الصرخة الثانية، والتي جاءت أيضًا طلبًا للنجدة والإنقاذ، لكنها جاءت بعد فوات الأوان؛ فقد كانت صرخة الغني، الذي تحدث عنه الرب في قصة الغني ولعازر، والذي تَعَلَّم الدرس جيدًا لكن بعد ضياع الفرصة. فقد صرخ صرخته بعد الموت وبعد أن ضاعت مِن يده أيّة فرصة للنجاة والخلاص إذ يقول الكتاب: «وَمَاتَ الْغَنِيُّ أَيْضًا وَدُفِنَ فَرَفَعَ عَيْنَيْهِ فِي الْهَاوِيَةِ وَهُوَ فِي الْعَذَابِ... فَنَادَى: يَا أَبِي إِبْرَاهِيمُ ارْحَمْنِي وَأَرْسِلْ لِعَازَرَ لِيَبُلَّ طَرَفَ إِصْبَعِهِ بِمَاءٍ وَيُبَرِّدَ لِسَانِي لأَنِّي مُعَذَّبٌ فِي هَذَا اللهِيبِ فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: يَا ابْنِي اذْكُرْ أَنَّكَ اسْتَوْفَيْتَ خَيْرَاتِكَ فِي حَيَاتِكَ... وَالآنَ ... تَتَعَذَّبُ» (لوقا16: 22‑25). صرخة جميلة وكلمات رائعة، لكنها للأسف بعد فوات الأوان. طلبة ما أحلاها لكنها في لحظة ما أتعسها! ليته صرخ هذه الصرخة قبيل موته بلحظات! لكن، ويا للأسف، لم يُسعفه الوقت ليفعل ذلك؛ فقد جاءه الموت في لحظة لا يتوقعها وفي وقت لا يتخيله!
القارئ العزيز، إن الهدف من كل قرأته هنا ألا تصل إلى نهاية ذلك الغني يومًا ما، بل تصرخ صرختك هنا على الأرض، وقبل ضياع الفرصة، حتى تأتيك الاستجابة من السماء: «الْيَوْمَ تَكُونُ مَعِي»، لتتمتع براحة القلب والنفس وتتذوق نعمة الله الغنية المُعَدَّة لك، ولا تأتي إلى دينونة بل تنتقل من الموت إلى الحياة (يوحنا5: 24). فهيَّا اصرخها الآن قبل فوات الأوان!