دروى أحد خدام الرب هذه القصة:
أثناء خدمتي في إحدى القرى، استأجرت غرفة في بيت فلاح لم يكن مؤمنًا بالمسيح. وأخذتُ أنتظر الفرصة المواتية للتحدث إليه عن خلاص نفسه. وأخيرًا سنحت تلك الفرصة حين طلب مني أن أصحبه إلى حظيرة الدواجن ليُريني منظرًا عجيبًا؛ فهناك في أحد الأعشاش، كانت دجاجة جاثمة وفراخها تُوصوص من تحت جناحيها. وقال الفلاح لي: “جسَّها!” وما أن وضعت يدي على الدجاجة حتى وجدتها باردة وميِّتة.
فقال الفلاح: “أَ ترى هذا الجُرح في رأسها؟ لقد امتصَّ ابنُ عرس (عِرسة) كل الدم من جسمها، وهي لم تتحرك قط مخافة أن يؤذي هذا الحيوان صغارها!”
إذ ذاك قلت له: “هذا يُشبه تمامًا ما فعله المسيح. فهو قد احتمل آلام الصليب كلها. كان يستطيع أن يُخلِّص نَفْسَهُ، ولكنه لم يُرِد، لأنه لو تحرَّك ونزل من على الصليب، لَكُنَّا نحن هلكنا!”
وقد استخدم الروح القدس هذه الكلمات البسيطة للتأثير في قلب الفلاح، فوضع في الحال إيمانه في ذاك الذي اختار - في الجلجثة - أن يُخَلِّصنا نحن بدلَ أن يُخَلِّص نفسه!
ويوم سمعت هذه القصة تذكرت هذا التعبير: «تحت جناحيه»، الذي يرد في الكتاب المقدس 8 مرات. وهو تشبيه مأخوذ من مملكة الطيور، ويُعبِّر عن مكان الأمان الرائع، حيث توجد الراحة والعناية والحماية، التي للمؤمن في الرب يسوع المسيح.
(1) قال بوعز لراعوث التي هربت من أصنام موآب ومن ماضيها المُحزِن: «لِيُكَافِئِ الرَّبُّ عَمَلَكِ، وَلْيَكُنْ أَجْرُكِ كَامِلاً مِنْ عِنْدِ الرَّبِّ إِلَهِ إِسْرَائِيلَ الَّذِي جِئْتِ لِكَيْ تَحْتَمِي تَحْتَ جَنَاحَيْهِ» (راعوث2: 12).
(2) وحين شعر داود بالخطر يقترب صَلَّى قائلاً: «احْفَظْنِي مِثْلَ حَدَقَةِ الْعَيْنِ. بِظِلِّ جَنَاحَيْكَ اسْتُرْنِي» (مزمور17: 8).
(3) وأمام حاجة نفوسنا إلى الشبع والارتواء الروحي؛ إلى الطعام الذي يُغَّذينا لكي ننمو في القامة الروحية، نقول مع داود: «مَا أَكْرَمَ رَحْمَتَكَ يَا اللهُ! فَبَنُو الْبَشَرِ فِي ظِلِّ جَنَاحَيْكَ يَحْتَمُونَ. يَرْوُونَ مِنْ دَسَمِ بَيْتِكَ، وَمِنْ نَهْرِ نِعَمِكَ تَسْقِيهِمْ» (مزمور36: 7‑8).
(4) وفي مواجهة كل تجاربنا التي يسمح بها الرب، وأمام كل هجمات العدو الذي يُهَدِّد حياتنا، ليس لنا ملجأ حقيقي إلا جناحا القدير: «اِرْحَمْنِي يَا اللهُ ارْحَمْنِي، لأَنَّهُ بِكَ احْتَمَتْ نَفْسِي، وبِظِلِّ جَنَاحَيْكَ أَحْتَمِي إِلَى أَنْ تَعْبُرَ الْمَصَائِبُ» (مزمور57: 1).
(5) وعندما يتطلّع المؤمن في يقين إلى المستقبل، عندما يسكن في محضر الله إلى الأبد، للتمتع النهائي به، يترنم مع داود قائلاً: «لأَسْكُنَنَّ فِي مَسْكَنِكَ إِلَى الدُّهُورِ. أَحْتَمِي بِسِتْرِ جَنَاحَيْكَ» (مزمور61: 4).
(6) وفي سكون الليل، عندما يصمت كل ضجيج العالم، وفي خلوة هادئة يتلذذ المؤمن بالله، ويتذكر عنايته - تَبَارَك اسمه - بحالة نفسه، وكيف كان سندًا له، وكان معه في كل أحزانه وضيقاته وفي لحظات تَخَلِّي الكل عنه، فيهتف: «كَمَا مِنْ شَحْمٍ وَدَسَمٍ تَشْبَعُ نَفْسِي، وَبِشَفَتَيْ الاِبْتِهَاجِ يُسَبِّحُكَ فَمِي. إِذَا ذَكَرْتُكَ عَلَى فِرَاشِي، فِي السُّهْدِ أَلْهَجُ بِكَ، لأَنَّكَ كُنْتَ عَوْنًا لِي، وَبِظِلِّ جَنَاحَيْكَ أَبْتَهِجُ» (مزمور63: 5‑7).
(7) وفي مزمور91 نجد الوعد لمن يسكن في سِتر العلي وفي ظل القدير يبيت، أنه يجد الرب ملجأً وحصنًا، حيث لا يمكن لأقوى العواصف - حرفيًّا وأدبيًّا - أن تصل، وهناك نستريح من خوف الشر: «بِخَوَافِيهِ يُظَلِّلُكَ، وَتَحْتَ أَجْنِحَتِهِ تَحْتَمِي» (مزمور91: 4).
(8) ثم أمام عناد الخطاة، يكشف الرب يسوع عن مكامن أعماق الحب الإلهي في قلبه، فيقول باكيًا: «يَا أُورُشَلِيمُ، يَا أُورُشَلِيمُ! يَا قَاتِلَةَ الأَنْبِيَاءِ وَرَاجِمَةَ الْمُرْسَلِينَ إِلَيْهَا، كَمْ مَرَّةٍ أَرَدْتُ أَنْ أَجْمَعَ أَوْلاَدَكِ كَمَا تَجْمَعُ الدَّجَاجَةُ فِرَاخَهَا تَحْتَ جَنَاحَيْهَا، وَلَمْ تُرِيدُوا!» (لوقا13: 34؛ متى23: 37).
مِن هذه الفصول نرى أن الصورة البسيطة الجميلة للدجاجة وهي تجمع فراخها للحماية تحت جناحيها، هي نفس الصورة التي يرسمها الروح القدس ليوضِّح بها عمل الرب نحو المؤمنين، ليجعل نفوسهم تثق فيه.
حين يكون الخطر قريبًا تدعو الدجاجة فراخها الصغيرة، وبمجرد سماعها الدعوة تجري الفراخ مُسرِعة حيث تجد ملجأً تحت جناحي الدجاجة الأم. هناك تشعر بالراحة والسلام والأمان. قد لا ترى الفراخ الخطر أو تتحقق منه، ولكن حين تسمع نداء الأم المُحِبَّة، فإنها تُلبي النداء فورًا، وتذهب لتُصبح في أمان تحت جناحي الأم القويتين، وحين تصل إلى هناك لا يستطيع العدو أن يصل إليها ما لم يكسر هذين الجناحين.
والفراخ وهي تحت جناحي أمها لا ترى العدو، ولكنها ترى الجناحين فقط اللذين يُعبِّران عن محبة الأم وقوَّتها.
وحين يحل الليل بظلمته وبرودته، تأخذ الفراخ كعادتها مكانها تحت الجناحين، حيث يوجد الدفء والغطاء.
وما أعظمها دروس تقدِّمها لنا هذه الصورة مِن الطبيعة! تحيط بنا الآن أخطار كثيرة، وتمر بنا أوقات مظلمة، وتزمجر من حولنا رياح الحروب والاضطهادات بغضب في كل مكان، والشيطان - عدونا الروحي - يزداد ضراوة ضدنا يومًا بعد يوم. فماذا نعمل؟ ليس علينا سوى أن نُصغي إلى صوت مُخَلِّصنا المُحِب الذي يدعونا لنأتي ونحتمي تحت جناحيه. وحين نُسرع بالدخول، ونستقر هناك في أمان متمتعين بمحبته، حيث يملأ شخصه المشهد كله، وتُحيط بنا جناحاه، نتحقق أن الذي يهددنا لا يستطيع الوصول إلينا قبل أن يخترق جناحي القدير، وهذا مستحيل.
ولا ينبغي أن نذهب إلى هناك وقت الخطر فقط، بل يجب أن تكون هذه عادتنا اليومية، حيث تُحيط بنا في هذه الأيام برودة الليل وظلمته، هناك تجد نفوسنا دفء محبة فادينا ومُخَلِّصنا.