“أنا خايف.. وإنت؟”.. “خايف من اللي جاي”.. “من الناس”.. “من...”
أقوال كثيرة مثل هذه تتردَّد على الألسنة هذه الأيام. الكل في حيرة واضطراب يبحث عن حل وعن ملاذٍ. هذا أعادني إلى وعدٍ ننساه رغم مسيس احتياجنا له، ورغم كثرة ترديده في الكتاب بفم الرب نفسه: «لا تخف!»
لذا رُحت أبحث في سطور كلمة الله عنه، فتعزّيت وقرَّرت أن أشارك قارئي بما خرجت به.
هو وعدٌ من البداية إلى النهاية
ففي أول أسفار الكتاب تردَّد هذا الوعد لشخص سار وراء الله وحده، فنسمع الرب يقول له: «لاَ تَخَفْ يَا أَبْرَامُ. أَنَا تُرْسٌ (قطعة سلاح تستعمل للحماية) لَكَ» (تكوين15: 1). وفي آخر أسفاره نسمع الرب يقول ليوحنا المرتعب: «لاَ تَخَفْ» (رؤيا17: 1‑18). وما بينهما تمتلئ دفتي الكتاب بهذا الوعد.
وإن كان العهد القديم قد خُتم بالكلمات: «لِئَلاَّ آتِيَ وَأَضْرِبَ الأَرْضَ بِلَعْنٍ» (ملاخي4: 6)، ثم صمتت السماء قرابة 400 سنة، لم يتكلم الله فيها لا بنبي أرسله ولا بأية طريقة أخرى (ولنا أن نتخيل كَمِّ الرعب الذي سبَّبه هذا الصمت)؛ لكن أولى الكلمات التي نطقت بها السماء في العهد الجديد كانت: «لاَ تَخَفْ يَا زَكَرِيَّا (أبو المعمدان)»، «لاَ تَخَافِي يَا مَرْيَمُ (المطوَّبة)»، «يَا يُوسُفُ (النجار)... لاَ تَخَفْ»، وتأتي البشارة: «لاَ تَخَافُوا!... وُلِدَ لَكُمُ الْيَوْمَ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ مُخَلِّصٌ هُوَ الْمَسِيحُ الرَّبُّ» (لوقا1: 13، 30؛ متى1: 20؛ لوقا2: 10). وكيف يخاف من احتمى في المسيح مُخَلِّصًا؟ إنه الوحيد الكفؤ ليحمينا من دينونة الخطية المرعبة، فهل يفشل في حفظنا في باقي ظروف الحياة؟ حاشا!
ليتك تحتمي فيه! وقتها يمكنك أن تردد بثقة: «اَلرَّبُّ نُورِي وَخَلاَصِي، مِمَّنْ أَخَافُ؟» (اقرأ مزمور27).
هو وعدٌ في كل الظروف
لقد أرسله الله لقديس مُتَحَيِّر: «لاَ تَخَفْ أَيُّهَا الرَّجُلُ الْمَحْبُوبُ. سَلاَمٌ لَكَ». (دانيآل10: 12‑19)، كما أكَّده لشعب في محنة محصور بين العدو والبحر: «لاَ تَخَافُوا. قِفُوا وَانْظُرُوا خَلاَصَ الرَّبِّ» (خروج14: 13). باختصار فإن «اَلسَّاكِنُ فِي سِتْرِ الْعَلِيِّ» الذي يقول للرب وحده: «مَلْجَإِي وَحِصْنِي. إِلهِي فَأَتَّكِلُ عَلَيْهِ»، من حقِّه أن يستمع للقول المُطَمئِن الحق: «يُنَجِّيكَ... يُظَلِّلُكَ، وَتَحْتَ أَجْنِحَتِهِ تَحْتَمِي... لاَ تَخْشَى مِنْ خَوْفِ اللَّيْلِ، وَلاَ مِنْ سَهْمٍ يَطِيرُ فِي النَّهَارِ، وَلاَ مِنْ وَبَإٍ يَسْلُكُ فِي الدُّجَى، وَلاَ مِنْ هَلاَكٍ يُفْسِدُ فِي الظَّهِيرَةِ... لأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِي أُنَجِّيهِ... مَعَهُ أَنَا فِي الضِّيقْ، أُنْقِذُهُ وَأُمَجِّدُهُ... وَأُرِيهِ خَلاَصِي» (مزمور91).
السبب وراء الوعد
نحن مدعوون لعدم الخوف، ليس مجرد محاولة طمأنة بغير أساس، بل لأسباب قوية أكتفي بسرد بعضها: «لأَنَّ الرَّبَّ إِلهَكَ سَائِرٌ مَعَكَ. لاَ يُهْمِلُكَ وَلاَ يَتْرُكُكَ... فِي وَسَطِكَ إِلهٌ عَظِيمٌ وَمَخُوفٌ... هُوَ الْمُحَارِبُ عَنْكُمْ» (تثنية3: 22؛ 7: 21؛ 31: 6). «لأَنِّي مَعَكَ... لأَنِّي أَنَا الرَّبُّ إِلهُكَ الْمُمْسِكُ بِيَمِينِكَ، الْقَائِلُ لَكَ: لاَ تَخَفْ! أَنَا أُعِينُكَ» (إشعياء41: 10‑13). «لأَنَّ الَّذِينَ مَعَنَا (الرب وجنوده) أَكْثَرُ مِنَ الَّذِينَ مَعَهُمْ» (2ملوك6: 16). وبالإجمال: «إِنْ كَانَ اللهُ مَعَنَا، فَمَنْ عَلَيْنَا؟» (رومية8: 31).
ضمانات الوعد
لهذا الوعد ضمانات تطمئننا، سأكتفي بالحديث عنها مِن مرة واحدة في العهد القديم، ومرة واحدة في العهد الجديد.
في إشعياء43: 1‑7، نرى الذي يقول لنا: «لا تخف» يُقَدِّم نفسه على أنه «الرَّبُّ، خَالِقُكَ»؛ أي الذي يعرف كل تفاصيلي وإمكانياتي وضعفاتي وتركيبتي النفسية. فعندما يقول «لاَ تَخَفْ» هو يُدرك أبعادها ويعنيها، ويقدِر أن يمنحني الطمأنينة، بل قُل يخلقها في داخلي، فهو من يدعو الأشياء من عدم. ثم يقول: «لاَ تَخَفْ لأَنِّي فَدَيْتُكَ». وقد عرفنا أن هذا الفداء قد كلَّف المسيح دمه، وبه قَدِر أن يُخَلِّصنا من أعوص مشكلة؛ أفلا يستطيع، وكذا يريد، أن يحفظنا في كل ظروفنا؟!
ثم يقول إننا مِلكه: «أَنْتَ لِي». وكل واحد يدافع عَمَّا يملك، ولا يقدر أن يأخذه منه إلا من هو أقوى منه. وبالنسبة لإلهنا ليس من هو أقوى أو أعظم منه (يوحنا10: 27‑30)؛ فلنا إذًا أن نطمئن. ثم يعرِّفنا بنفسه على أنه «إِلهُكَ قُدُّوسُ...»؛ أي إنه إلهنا الخاص واسمه ارتبط بنا، ولذا أصبحت كل أمورنا تخصه ومرتبطة به. ليتنا نعرف ذلك كما عرف كثيرون وتحصنوا بهذا (مزمور115: 1؛ 2أخبار6: 33؛ دانيآل9: 18، 19). أما دُرَّة الكلام فعندما يقول: «إذ صِرْتَ عَزِيزًا فِي عَيْنَيَّ مُكَرَّمًا، وَأَنَا قَدْ أَحْبَبْتُكَ»! فيا لمحبته التي هي أسمى ضمان. لم يُرَ مثل حبيبنا الغالي، فـ«لَيْسَ لأَحَدٍ حُبٌّ أَعْظَمُ مِنْ هذَا: أَنْ يَضَعَ أَحَدٌ نَفْسَهُ لأَجْلِ أَحِبَّائِهِ» (يوحنا15: 13). فذاك الذي أحب حتى الموت هو على استعداد أن يفعل أي شيء، وهو يقدر، لحماية أولئك الذين أحبهم.
ثم اسمعه يأمر: «جَعَلْتُ... أَقُولُ لِلشَّمَالِ (الرياح الشمالية): أَعْطِ، وَلِلْجَنُوبِ (الرياح الجنوبية): لاَ تَمْنَعْ». إنه صاحب السلطان في السماء والأرض، وهو بعينه الذي في صفِّنا؛ ألا يعزينا هذا؟! ثم مِن قوله: «وَلِمَجْدِي خَلَقْتُهُ وَجَبَلْتُهُ وَصَنَعْتُهُ»، نفهم أن له غرضًا من حياتنا ولا بُد وأن يتممه، ولا تستطيع قوة في الوجود أن تقف أمام إتمامه لقصده في حياتنا، ولا أبواب الجحيم نفسها.
ثم اسمع قول الرب ليوحنا في رؤيا1: 17‑18: «لاَ تَخَفْ ، أَنَا هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ»؛ فهو الكائن قبل أن يكون أي شيء، والباقي بعد أن ينتهي كل شيء، والمتحكم في ما بينهما. «وَالْحَيُّ. وَكُنْتُ مَيْتًا، وَهَا أَنَا حَيٌّ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ!»؛ فهو الحي في ذاته وهو من يُعطي الحياة، وعندما ارتضى أن يصير إنسانًا ليموت من أجل خطايانا، لم يستطِع الموت أن يُمسكه (أعمال2: 24)؛ فقام منتصرًا وحَسِبَ نصرته هذه للمؤمنين به، حتى إنه قال: «مَنْ آمَنَ بِي وَلَوْ مَاتَ فَسَيَحْيَا» (يوحنا11: 25). فإن كان الذي في صَفِّنا هو من غلب أقوى عدو للبشرية، فهل نخاف بعد؟! يكمل الرب قوله ليوحنا: «وَلِي مَفَاتِيحُ الْهَاوِيَةِ وَالْمَوْتِ». لا تخف يا عزيزي فإن كل الأمور (حتى الموت) هي في سلطانه وحده، وليس غيره!
كلمات أتركها معك
قال المسيح لأحبائه الذين آمنوا به: «سَلاَمِي أُعْطِيكُمْ... لاَ تَضْطَرِبْ قُلُوبُكُمْ وَلاَ تَرْهَبْ» (يوحنا14: 27)، ووعده حق وطوبى لمن يتمسك به. وإن كنتَ بعد خائفًا، دعني أختم بما قاله الرب يومًا لخائفين: «لاَ تَخَفْ! آمِنْ فَقَطْ»، «ثِقُوا! أَنَا هُوَ. لاَ تَخَافُوا» (مرقس5: 36؛ 6: 50).