اقرأ متى25: 14‑30
رَدًّا على سؤال التلاميذ للرب: «متى يكون هذا؟ وما هي علامة مجيئك وانقضاء الدهر؟» (متى24: 3)، أجاب الرب بمَثَلين:
1– مثل العذارى الحكيمات والجاهلات، والذي يُعَلِّمنا ضرورة السهر والاستعداد لمجيء المسيح ثانية؛ أي الاهتمام بالحالة الداخلية.
2– مَثَل الوزنات، والذي يعلمنا ضرورة الاجتهاد في الخدمة إلى أن يجيء؛ أي الاهتمام بالحالة الخارجية. فلنتأمل في هذا المثل:
مِن العادات الشرقية وقت وجود الرب على الأرض أنه عندما كان يسافر إنسان غني، كان يُسَلِّم أمواله لعبيده لكي يستثمروها لحسابه أو يضعونها عند الصيارفة (البنوك الآن). ومن هذا التشبيه نخرج بالتطبيقات الروحية الآتية:
1. الرجل الغني: إشارة للرب يسوع الذي «الكل به وله قد خُلِق» (كولوسي1: 16؛ اقرأ أيضًا مزمور24: 1). لكن لا تنسى أن هذا الغني العظيم من أجلنا افتقر لكي نستغني نحن بفقره.
2. كأنما إنسان مسافر: إشارة لصعود الرب للسماء، لكنه معنا وليس بعيدًا لا يرى ولا يسمع. وإنما ترك للإنسان حرية الإرادة ليتصرف وكأن الرب غائب عنه.
3. العبيد: إشارة لجميع الناس؛ مؤمنين وغير مؤمنين، فكل إنسان وَكَّلَه الله على ما بين يديه.
4. الوزنات: إشارة للمواهب والعطايا التي أعطاها الرب لكل واحد. فالغني وكيل على أمواله، والطبيب وكيل على مرضاه، والمُعَلِّم وكيل على تلاميذه، والأب وكيل على أولاده. وكل إنسان وكيل على ما له مِن صحة، ووقت، وحواس، وإمكانيات طبيعية وذهنية وعقلية. فهو «يعطينا مِن السماء أمطارًا وأزمنة مُثمِرة ويملأ قلوبنا طعامًا وسرورًا... لأننا به نحيا ونتحرك ونوجد» (أعمال14: 17، 28). ولنلاحظ أن هناك فرقًا بين المواهب التي أعطاها للبعض والوزنات التي أعطاها للكل.
5. رجوع السيد بعد زمان طويل: إشارة لانتظار الرب وتَمَهُّله علينا، فهو لا يشاء أن يَهلِك أناسٌ بل أن يُقبِل الجميع إلى التوبة. ومن الجهة الأخرى أعطانا وقتًا كافيًا لكي نعمل ونربح، فماذا فعلنا؟ ولكن سيأتي الآتي ولا يُبطئ كما وعد: «أنا آتي سريعًا».
6. العبيد يتاجرون: إشارة لخدمة العبيد في حياتهم، فكما أنه لا يوجد عضو في الجسد بلا عمل هكذا المؤمنين، وهم أعضاء جسد المسيح، لا يوجد مؤمن بلا عمل. وكل واحد على قدر طاقته، فبالنعمة وَزَّع علينا الوزنات طبقا لقدراتنا التي جعلها لنا: «هذه كلها يعملها الروح الواحد بعينه قاسمًا لكل واحد بمفرده كما يشاء» (1كورنثوس12: 11). والفضة التي أعطاها لهم ترمز لكفارة المسيح على الصليب (تُسَمَّى “فضة الكفارة”)، وترمز لكلمة الله: «كلام الرب كلام نقي كفضة مُصَفَّاة» (مزمور12: 6). وكل مؤمن تمتع بالكفارة وبكلمة الله عليه أن يتاجر بهما ويربح آخرين للمسيح.
7. الحساب: الوقوف أمام كرسي المسيح للمؤمنين، أو العرش العظيم الأبيض لغير المؤمنين، ليُعطي كل واحد حساب وكالته: «لأنه لا بُد أننا جميعًا نُظهَر أمام كرسي المسيح لينال كل واحد ما كان بالجسد بحسب ما صنع خيرًا كان أم شرًّا» (2كورنثوس5: 10). فهل أنت مستعد لذلك؟
8. العبد يُكرم سيده: سعيد المؤمن الذي يحسب نفسه عبدًا للرب، والعبد يُحِب سيده ويدرك ماذا يريد ويسعى جاهدًا لإرضائه وإكرامه. فهل أدركت، أخي القارئ، لماذا يتركنا الرب على الأرض الآن؟ ليس لنأكل ونشرب وغدا نموت، ولا للمضايقات والآلام والتجارب. بل تركنا للشهادة له، لأننا نور العالم وملح الأرض ورسالة المسيح المعروفة والمقروءة من جميع الناس، وكسفراء عن المسيح ننادي للناس: «تصالحوا مع الله!»، ورائحته الذكية للجميع. فهل أنت كذلك؟
9. الأمانة أهم من الإنتاج: أخي القارئ، لا تَقُل إني ولد، وتنظر لإمكاناتك القليلة وتقول: ما هذا لمثل هؤلاء؟ ولا تُقارِن نفسك بأصحاب المواهب الكبيرة وتَغِير منهم وتحسدهم. فليس مطلوبًا منك - الآن - أنهار ماء، بل كأس ماء بارد، ولا خدمة رنَّانة أمام حشد كبير، بل كلمة في أذن صديقك أو نبذة في يده. فإن فعلتَ هذا فأنت قد تاجرت ورَبِحت بنسبة 100 %. فقط كُن أمينًا فيما بين يديك! فالرب لا ينظر إلى كمية الإنتاج، بل للأمانة في الخدمة والدافع لها. عندما جلس الرب أمام صندوق العطاء في الهيكل ليراقب مَن يقدمون عطاياهم، لم يهتم بِكَم أعطوا، بل كيف أعطوا، ومدح الأرملة الفقيرة رغم قِلَّة عطائها، وقال إنها أعطت أكثر من الجميع (مرقس12: 41‑44).
10. حياة لها مجازاة: «وهو (المسيح) مات لأجل الجميع كي يعيش الأحياء فيما بعد لا لأنفسهم بل للذي مات لأجلهم وقام» (2كورنثوس5: 15). هذا ما يجب أن نكون عليه، فحياتنا ليست لنا بل لِمَن أعطاها لنا، ونحن وكلاء عليها، وفي نعمته سيكافئ كل واحد: سنسمع المدح والنعمة وسننال الأكاليل.
11. الشرير والكسلان: الشر والكسل شيئان بسببهما يضع الإنسان كلمة الله (الفضة) الحَيَّة والفَعَّالة في الأرض، والنتيجة أنه لا يفهم ولا يعرف مَن هو الرب، فقد قال العبد البَطَّال للرب:
* عرفتُ أنك: بالتأكيد عرف عن الرب من الآخرين لأنه أخفى الفضة (كلمة الله) في الأرض. ولأمثال هذا قال الرب: «تَضِلُّون إذ لا تعرفون الكتب ولا قوة الله» (متى22: 29).
* أنك إنسان: لم يعرف أنه الرب أو ابن الله أو الله الظاهر في الجسد كما يعلنه لنا الكتاب المقدس.
* قاسٍ: لو كان قد جلس أمام الكتاب المقدس وتقابل مع الرب لعرف أنه مملوء حُبًّا وحنانًا وعطفًا ورحمة ونعمة.
* تحصد حيث لم تزرع: هذا ما يَعلَمه الناس والديانات البشرية عن الله؛ أنه إله يطالب وينتظر ويأخذ مِنَّا. أما الرب يسوع فيُعَلِّمنا في الكتاب أنه هو الزارع الذي خرج ليزرع، وهو الذي ذهب بالبكاء حاملاً مِبذَر الزرع، وهو حبة الحنطة التي وقعت في الأرض وماتت لتأتي بثمر كثير.
* فخفتُ ومضيتُ: وهذه هي النتيجة؛ خوف من الرب وبُعد عنه.
أخي المؤمن، ماذا أنت فاعل بوزناتك؟ تاجرت وربحت؟ أم استخدمتها استخدامًا سَيِّئًا؟ أم أنت مِن الكَسَالَى؟ ألا يستحق الرب أن تتاجر وتربح له؟!
أخي القارئ العزيز، يا مَن لم تعرف الرب حتى الآن، اجلس أمام الكتاب المقدس لترى عجائبه ولتتعرف على المسيح فتعرفه مَن هو!