يهوذا هو الابن الرابع ليعقوب من ليئة، ومِن نسله جاء الملك داود، والذي منه جاء المسيح حسب الجسد. ومع أن حياة يهوذا بها الكثير من الأخطاء والضعفات التي لا مجال لذكرها، لكن بمعونة الرب أركِّز على الجوانب المضيئة والتي تشير إلى ربنا يسوع المسيح.
(1) ولادة يهوذا
كانت ليئة مكروهة من يعقوب رجلها؛ لأنه كان يحبّ راحيل، وكانت تفكِّر في نفسها وفي مشاكلها وكانت تشتاق لمحبة رجلها واهتمامه بها، لكن خاب أملها. لذلك عندما ولدت الابن الرابع دعت اسمه يهوذا وقالت: «هذه المَرَّة أحمد الرب». لقد نسيت نفسها ومشاكلها وتوجهت إلى الرب بالشكر والحمد (تكوين29: 31‑35). صورة لما حدث عند ولادة ربنا يسوع المسيح. كان الرعاة مشغولين برعاية الغنم وبمشاكلهم الخاصة، وإذا ملاك الرب وقف بهم، ومجد الرب أضاء حولهم، وبَشَّرهم بولادة المُخَلِّص، فذهبوا مُسرِعِين إلى بيت لحم، ورأوا الطفل يسوع مُضجَعًا في مذود، ثم رجعوا وهم يمجِّدون الله ويسبِّحونه على كل ما سمعوه ورأوه كما قيل لهم. يا ليتنا ننسى أنفسنا ومشاكلنا واحتياجاتنا ونفكِّر في الرب يسوع فقط فيمتلئ القلب بالفرح ونشعر بالشبع والاكتفاء!
(2) معنى اسم يهوذا
“حمد وتسبيح”؛ فلقد ارتبط مجيء يهوذا بالحمد والتسبيح والفرح. وفي مجيء ربنا يسوع المسيح، ظهر جمهور من الجند السماوي مُسَبِّحِين الله: «المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وبالناس المَسَرَّة». وعندما صعد به أبواه إلى أورشليم ليقدِّموه للرب في الهيكل، وقفت حَنَّة النبيَّة في تلك الساعة تسبح الرب (لوقا2: 13‑38). والمجوس الذين أتوا من المشرق إلى أورشليم باحثين عن المولود ملك اليهود، ذهبوا إلى بيت لحم، فلما رأوا النجم فرحوا فرحًا عظيمًا جدًّا (متى2: 1‑10).
(3) يهوذا ينقذ يوسف من الموت
عندما جاء يوسف إلى إخوته ليسأل عن سلامتهم، احتالوا له ليُميتوه، فطرحوه في البئر لكي يموت. لكن يهوذا اقترح أن يبيعه كعبد لكي ينقذه من الموت، فسمع له إخوته. فأصعدوه من البئر وباعوه (تكوين37: 18‑28). ويهوذا في هذا صورة باهتة للرب يسوع الذي أنقذنا من الموت الأبدي. لقد كُنَّا في وحل الخطية والنجاسة، لكن الرب يسوع أصعدنا وحرَّرنا وأعطى لنا الحياة الأبدية، ويستطيع كل مؤمن حقيقي أن يقول الذي: «أصعدني من جُبّ الهلاك، من طين الحمأة، وأقام على صخرة رجليَّ» (مزمور40: 2).
(4) يهوذا يأخذ مركز القيادة
عندما كان يوسف في البئر في طريقه إلى الموت، تكلم يهوذا مع إخوته واقترح أن يُصعِده من البئر ويبيعه، فسمع له إخوته؛ ومن هذه اللحظة بدأ يأخذ مكان القيادة بين إخوته. وعندما حدثت مجاعة في أرض كنعان، أرسل يعقوب بنيه العشرة إلى مصر ليشتروا قمحًا ولم يرسل معهم بنيامين (تكوين42: 1‑4). ولقد طلب الرجل سيد الأرض أنهم في المرة القادمة لا يروا وجهه بدون أن يكون أخوهم الصغير معهم. ولما فرغوا من أكل القمح، قال يعقوب لبنيه: ارجعوا اشتروا لنا قليلاً من الطعام، فكلَّم رأوبين أباه لكي يأخذ معه بنيامين، لكن يعقوب رفض طلبه، ولكن عندما كلَّمه يهوذا رضي أن يذهب بنيامين معه (تكوين42: 37‑38؛ 43: 1‑14). وعندما وُجد الطاس في عِدل (كيس) بنيامين، تكلم يهوذا نيابة عن إخوته. وبذلك ثبت للجميع أن يهوذا في موضع ثقة أبيه ويتحمل المسؤولية؛ وهذه مِن صفات القائد. لقد أصبح يهوذا في مركز مُتَمَيِّز، قائدًا ومُمَثِّلاً لإخوته، صورة للمسيح الذي هو المُتَقَدِّم في كل شيء (كورنثوس1: 18)، وهو الذي يُمَثِّلنا أمام الله (عبرانيين9: 24)، وهو رأس الجسد (أفسس1: 22‑23)، ورأس الكنيسة (أفسس5: 23). لذلك يجب أن نخضع له في كل شيء.
(5) يهوذا يضمن بنيامين
لقد ضمن يهوذا بنيامين إذ قال لإسرائيل أبيه: «أرسل الغلام معي... أنا أضمنه، من يدي تطلبه» (تكوين43: 8‑9). كان يعقوب خائفًا جدًّا على بنيامين ابنه الصغير، لكن كان كلام يهوذا له مُشَجِّعًا ومُقنِعًا. وسمح يعقوب بذهاب بنيامين معه لأنه لمس فيه طابع الثبات والوفاء بالضمانة، الأمر الذي برهنت عليه الأحداث. ولقد تحمَّل يهوذا المسؤولية وأخذ بنيامين معه ونزل به إلى مصر وأحضره سالمًا إلى أبيه، صورة للرب يسوع الذي ضمن سلامة كل المؤمنين به، فَهُم عطية الآب له (يوحنا17: 6). وضمن عدم هلاكهم فلقد قال للآب: «الذين أعطيتني حفظتهم، ولم يهلك منهم أحد» (يوحنا17: 12). وأيضًا: «خرافي تسمع صوتي، وأنا أعرفها فتتبعني. وأنا أعطيها حياة أبدية، ولن تهلك إلى الأبد، ولا يخطفها أحد من يدي» (يوحنا10: 27‑28).
(6) يهوذا يُعلن عن استعداده للتضحية
عندما وُجد الطاس في عِدل بنيامين، حكم يوسف بأن يصير عبدًا له، فتكلم يهوذا معه لكي يُطلِق بنيامين ويصبح هو عبدًا عوضًا عنه (تكوين44: 33). لقد قَبِلَ يهوذا أن يصير عبدًا في أرض غريبة لكي يأخذ بنيامين حريته. إنها فعلاً تضحية عظيمة؛ صورة لتضحية المسيح الأعظم من أجلنا، فلقد «أخلى نفسه، آخذًا صورة عبد، صائرًا في شبه الناس. وإذ وُجد في الهيئة كإنسان، وضع نفسه، وأطاع حتى الموت، موت الصليب» (فيلبي2: 7‑8).
(7) يهوذا المُرسَل من أبيه
عندما وصل يعقوب وبنيه إلى مصر، أرسل يهوذا أمامه إلى يوسف ليُرِي الطريق أمامه إلى جاسان (تك46: 28)، ولقد أطاع يهوذا الإرسالية من أبيه، صورة لإرسالية المسيح من الآب كما هو مكتوب: «ونحن قد نظرنا ونشهد أن الآب قد أرسل الابن مُخَلِّصًا للعالم» (1يوحنا4: 14). وقال الرب يسوع: «لأني قد نزلت من السماء، ليس لأعمل مشيئتي، بل مشيئة الذي أرسلني» (يوحنا6: 38).
(8) نبوة يعقوب عن يهوذا
لا نجد فيها أي كلمة نقد أو توبيخ (تكوين49: 8‑12)، لأننا نرى فيها من هو أعظم من يهوذا؛ شخص ربنا يسوع المسيح. ونجد فيها يهوذا المُكَرَّم من إخوته والمنتصر على أعدائه وأنه جرو أسد، صورة للرب يسوع الذي له مكان السمو والتفوق والتقدير من المؤمنين، والذي انتصر على الشيطان وسيسحق كل أعدائه قريبًا، وهو الأسد الذي من سبط يهوذا، ملك الملوك ورب الأرباب. لنكرمه ولنحبه كثيرًا لأنه أحبنًا أولاً!