أشرف وأكرم من جاء إلى الأرض
عند ولادته لم يكن له مكان في المنزل، لكن ظهر له نجم في السماء.
وُلِد في مذود بسيط، ورغم ذلك هَزَّ عرش هيرودس هزًّا.
اجتمع حول مَهدِهِ رعاة الأغنام البسطاء، وكذلك أيضًا علماء المجوس الحكماء.
لم يحمل معه زادًا لكنه صار خبز الحياة،
ولم يحمل معه مصباحًا لكنه أضحى نور العالم.
هكذا وُلِد المسيح فَوُلِد معه الحُب.
لقد كان المسيح عجيبًا وفريدًا في ميلاده، فلم يأتِ شخص مثله، لا قَبلَه ولا بعده. وهاك الأسباب:
(1) وُلِد من عذراء
لقد دخل المسيح إلى عالمنا من بوابة مختلفة وطريقة مختلفة؛ فآدم خُلِق من تراب، وحواء أُخِذَت منه؛ باب واحد دخل منه كل البشر على السواء.
أما المسيح فقد دخل بطريقة فريدة، وهي ولادته من عذراء. لقد ظَلَّت نبوة إشعياء النبي (قبل ميلاد المسيح بـ700 سنة) نبوة غامضة وعويصة، حتى جاء المسيح وتَمَّت فيه النبوة وهي: «هَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْنًا وَتَدْعُو اسْمَهُ عِمَّانُوئِيلَ» (إشعياء7: 14).
(2) وُلِد قدوسًا
البشر جميعًا وُلدوا من آدم، الذي بواسطته دخلت الخطية إلى العالم؛ لذلك يقول النبي: «هَئَنَذَا بِالإِثْمِ صُوِّرْتُ وَبِالْخَطِيَّةِ حَبِلَتْ بِي أُمِّي» (مزمور51: 5).
أما المسيح فيقول الملاك عنه لمريم: «اَلرُّوحُ الْقُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ وَقُوَّةُ الْعَلِيِّ تُظَلِّلُكِ، فَلِذَلِكَ أيضًا الْقُدُّوسُ الْمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ابْنَ اللهِ» (لوقا1: 35).
فكل إنسان يُقال عنه بحق: «من البطن سميت عاصيًا»، أما المسيح فمن البطن كان قدوسًا، وهو الوحيد من البشر الذي لم يعرف، ولم يفعل، ولم يكن فيه خطية؛ له كل المجد.
(3) وُلِد ملكًا
لم يُولد أميرًا، أو وليًّا للعهد، كما هو سائد في عائلات الملوك، إذ يحلّ ولي العهد محل الملك إذا ذهب. أما المسيح فقد وُلد ملكًا: «لَمَّا وُلِدَ يَسُوعُ فِي بَيْتِ لَحْمِ الْيَهُودِيَّةِ، فِي أَيَّامِ هِيرُودُسَ الْمَلِكِ، إِذَا مَجُوسٌ مِنَ الْمَشْرِقِ قَدْ جَاءُوا إِلَى أُورُشَلِيمَ قَائِلِينَ: أَيْنَ هُوَ الْمَوْلُودُ مَلِكُ الْيَهُودِ؟» (متى2: 1-2).
(4) احتفلت بولادته السماء
«إِذَا مَجُوسٌ مِنَ الْمَشْرِقِ قَدْ جَاءُوا إِلَى أُورُشَلِيمَ قَائِلِينَ: أَيْنَ هُوَ الْمَوْلُودُ مَلِكُ الْيَهُودِ؟ فَإِنَّنَا رَأَيْنَا نَجْمَهُ فِي الْمَشْرِقِ وَأَتَيْنَا لِنَسْجُدَ لَهُ». عندما وُلِد البعض مِنَّا، ربما أوقد أهله الشموع، أو أضاؤوا المصابيح والأنوار، ودعوا الأهل والجيران احتفالاً بالمولود الجديد، أما المسيح فقد ظهر له نجم في العلاء وترنَّمت له ملائكة السماء: «ظَهَرَ بَغْتَةً مَعَ الْمَلاَكِ جُمْهُورٌ مِنَ الْجُنْدِ السَّمَاوِيِّ مُسَبِّحِينَ اللهَ وَقَائِلِينَ: ﭐلْمَجْدُ لِلَّهِ فِي الأَعَالِي وَعَلَى الأَرْضِ السَّلاَمُ وَبِالنَّاسِ الْمَسَرَّةُ» (لوقا2: 13-14).
(5) وُلِد ليُخَلِّص
عندما كان يوسف مرتبكًا بسبب خطيبته التي كانت حُبْلَى دون أن يعرفها، ظهر له ملاك الرب في حُلم قائلاً: «يَا يُوسُفُ ابْنَ دَاوُدَ لاَ تَخَفْ أَنْ تَأْخُذَ مَرْيَمَ امْرَأَتَكَ لأَنَّ الَّذِي حُبِلَ بِهِ فِيهَا هُوَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ. فَسَتَلِدُ ابْنًا وَتَدْعُو اسْمَهُ يَسُوعَ لأَنَّهُ يُخَلِّصُ شَعْبَهُ مِنْ خَطَايَاهُمْ» (متى1: 21).
هناك ملوك خَلَّصوا شعوبهم من الفقر والمجاعات، أو من الحروب والكروب، وربما حرروهم من المحتلين الغاشمين. أما المسيح فهو فريد في خلاصه؛ إذ جاء ليخلِّص الإنسان من هَمِّه وغَمِّه، من ذنبه وشره، فيصبح مغفور الخطايا، ومرتاح الضمير.
(6) في ولادته ظهر اللاهوت والناسوت في انسجام واتحاد بديع
فقد كان “ابن الله” بحق، و“ابن الإنسان” بحقٍّ؛ فالمسيح شخص عجيب. وتَمَّت فيه النبوة القائلة: «يُولَدُ لَنَا وَلَدٌ وَنُعْطَى ابْنًا وَتَكُونُ الرِّيَاسَةُ عَلَى كَتِفِهِ، وَيُدْعَى اسْمُهُ: عَجِيبًا مُشِيرًا إِلَهًا قَدِيرًا أَبًا أَبَدِيًّا رَئِيسَ السَّلاَمِ» (إشعياء9: 6). وهكذا شهد جبرائيل: «هَذَا يَكُونُ عَظِيمًا وَابْنَ الْعَلِيِّ يُدعَى». ومكتوب: «بِالإِجْمَاعِ عَظِيمٌ هُوَ سِرُّ التَّقْوَى: اللهُ ظَهَرَ فِي الْجَسَدِ، تَبَرَّرَ فِي الرُّوحِ، تَرَاءَى لِمَلاَئِكَةٍ، كُرِزَ بِهِ بَيْنَ الأُمَمِ، أُومِنَ بِهِ فِي الْعَالَمِ، رُفِعَ فِي الْمَجْدِ» (1تيموثاوس3: 16).
(7) في ميلاد المسيح التقى الأزل مع الزمن
المسيح الأزلي الذي قال مرة لليهود: «أَبُوكُمْ إِبْرَاهِيمُ تَهَلَّلَ بِأَنْ يَرَى يَوْمِي، فَرَأَى وَفَرِحَ. فَقَالَ لَهُ الْيَهُودُ: لَيْسَ لَكَ خَمْسُونَ سَنَةً بَعْدُ أَفَرَأَيْتَ إِبْرَاهِيمَ؟ قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: ﭐلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: قَبْلَ أَنْ يَكُونَ إِبْرَاهِيمُ أَنَا كَائِنٌ» (يوحنا8: 56‑58).
هذا هو مولود بيت لحم الذي قال عنه الآب: «أنت ابني (في الأزل) أنا اليوم ولدتك (في الزمن)» (مزمور2).
* * *
ويعوزنا الوقت إن كتبنا عن المسيح وأسمائه، وأعماله، وصفاته، وفضائله، وأمجاده. فرغم أنه لم يكتب عن نفسه كتابًا واحدًا، لكن ملايين الكتب تتكلم عنه.
القارئ العزيز، لقد قصد الوحي المبارك أن لا يكتب لنا عن أي يوم وُلِد فيه المسيح؛ هل هو يوم السبت أم يوم الأحد، وكأنَّ الروح القدس يريدنا أن نبتهج وننتفع بمجد ميلاده كل يوم، وكل الأيام.
أتمنى من كل قلبي أن تتعرف شخصيًا عن قرب بهذا الشخص المجيد؛ فتوُلَد من جديد.
مع أمنياتي بعام سعيد، ولك محبتي.