نداء أو دعوة من الرب لبطرس (يوحنا21: 22)، وما زال حتى اليوم يقولها لكل مؤمن ولكل قارئ؛ خاصة الشباب منهم. وللأسف الكثيرون لا يستمعون إليها بسبب معطلات كثيرة في أيامنا الأخيرة:
1– معطلات عالمية
لو نظرنا لعالم القرن الحادي والعشرين لوجدناه مليئًا بمعطيات ومتطلبات كثيرة، انهمك فيها الناس، وانشغل بسببها المؤمنون، وأصبح أمر اتِّبَاع الرب وتكريس الحياة له عُملة نادرة.
2– معطلات كنسية
لو نظرنا للكنيسة في هذه الأيام لرأينا العالم وقد دخلها، بمناظره وملابسه وعاداته وحتى تَدَيُّنه. ننظر فلا نجد إلا صورة التقوى وتقليدًا لثمر الروح. وعندما نبحث: أين إكرام الرب، والاجتماع الحقيقي إلى اسمه، والعبادة بالروح، والتكريس الذي نترنم عنه كثيرًا؟ أمور كثيرة نسمع عنها ولكن لا نعيشها. هنا نري الكنيسة التي قال عنها الرب: «فيما أبطأ العريس نعِسن جميعهن ونِمْن» (متى25: 5).
3– معطلات فردية
والشيء المؤسف هو أننا لو نظرنا إلى حقل الخدمة والذين يخدمون، فكثيرًا ما نسمع كلامًا ووعظًا وتعليمًا عن المحبة والانفصال والقداسة ومجيء الرب. ونقارن بين المتكلم وكلامه، بين الأقوال والأعمال، بين التعليم في الكنيسة والحياة خارجها؛ فنجد فارقًا كبيرًا. والنتيجة هي عدم الخضوع لكلمة الله، أو ترك الاجتماع من الكثيرين وخاصة الشباب المتعثرين.
علاج سماوي
هذه صورة أيام نعيشها وأفراد وجماعات نعيش بينهم؛ فما العمل؟ هل نستسلم للواقع، ونكتفي بأننا مؤمنين وسنذهب للسماء عند مجيء الرب، ونأخذ من الحالة العامة والأيام الأخيرة شماعة نعلِّق عليها ضعفنا وتقصيرنا؟ أنا أعلم أن هذا هو الحادث مع الكثيرين، وقد يكون معك عزيزي القارئ. ولكن أليس من الأجدر بنا، وسط هذا الجو، أن نلتفت لنسمع صوت الذي يتكلم معنا: «اتبعني أنت»؟ نداء قاله لبطرس عندما نظر إلى يوحنا وسأل: «وهذا ما له؟» فلا تشغل نفسك وتضيع وقتك، عزيزي القارئ، وتنظر حولك إلى هذا وذاك وهذه وتلك، ومَن ذهب ومَن أتى، ومَن فعل ومَن سيفعل، حتى لا تتعثر أو تتعطل في حال عدم وجود قدوة تتبعها، بل أعطِ ظهرك للكل والتفت للرب واسمعه يقول لك: «اتبعني أنت!».
اتبعني “أنا”، وليس “آخر”
فلا تتبع طائفة أو كنيسة أو شخصًا مهما كان اسمه. فالله دعانا للمجد، وقصد من وجودنا على الأرض أثناء غياب المسيح عن العالم لا أن نأكل ونشرب وغدًا نموت، بل أن يكون المسيح مكتوبًا في قلوبنا وظاهرًا في حياتنا، وهذه مسؤوليتنا: أن نُظهِر صفات المسيح للعالم الذي رفضه. ولكن كيف نفعل هذا؟ كيف نكون رسالته المعروفة والمقروءة من جميع الناس؟ كيف نتشبَّه به؟ لن نفعل هذا إن لم نتبعه: «تاركًا لنا مثالاً لكي تتبعوا خطواته» (1بطرس2: 21).
هل عندك أشواق لخدمة الرب؟ لا تتبع مدارس أو مناهج لتتعلم الخدمة، أو خُدَّامًا تتعلم منهم، بل اتبع أعظم خادم قال عنه الله: «هوذا عبدي الذي أعضده، مُختاري الذي سُرَّت به نفسي...» (إشعياء42: 1–4). وقال المسيح عن منهج حياته: «طعامي أن أعمل مشيئة الذي أرسلني وأتمِّم عمله» (يوحنا4: 34).
وإن أردتَ أن تتعلم كيف تتعامل مع الآخرين - مؤمنين أو أشرار - دون مشاجرات أو مخاصمات، وكيف تجتاز التجربة وتحتمل الألم دون شكوى أو تذمّر، وكيف تُحِبّ الذين يبغضونك، وكيف تعطي بِغِبْطَة دون أن تأخذ، وكيف وكيف... فاتبع خطوات الرب يسوع المُدَوَّنة في البشائر الأربعة. سترى شخصًا فريدًا، فاق الكل في كل شيء.
ومع كل خطوة وراءه، سترى أنه يستحق أن تتبعه، ولا يوجد شيء في الحياة يستحق أن تجري وتلهث وراءه، ولا شيء له نتائج مضمونة في نهاية طريقه، ولا شخص يُؤَمِّن لنا الحياة ويضمن لنا المكافأة سواه.
اتبعني “أنت”، وليس “أنتم”
اتِّبَاع الرب شيء فردي، في أيام قَلَّت فيها الأمانة الجماعية. وفي رسالة الأيام الأخيرة (تيموثاوس الثانية) لنا دروس مفيدة في هذا الشأن.
1- يُخاطِب الرسول بولس ابنه تيموثاوس - ونحن معه - كثيرًا بصيغة المفرد: «فتَقَوَّ أنت... فاشترك أنت... وأما أنت فقد تَبِعتَ تعليمي... وأما أنت فاثبت على ما تَعَلَّمتَ... وأما أنت فاصحُ في كل شيء».
2- هذا لكي لا يفشل أو يترك خدمته عندما ينظر: إلى الذين ارتدوا عن الرسول بولس (1: 15)، وإلى اللذين زاغا عن الحق (2: 17، 18)، وإلى الذين لهم صورة التقوى ولكنهم مُنكِرون قُوَّتها (3: 5)، وإلى الذين يجمعون لهم مُعَلِّمين مُستَحِكَّة مسامعهم (4: 4).
3- بل هو: يُضرِم موهبة الله التي فيه (1: 6)، ويجتهد أن يقيم نفسه لله مُزَكًّى عاملاً لا يُخزَى (2: 15)، وأن يثبت على ما تَعَلَّم وأيقن (3: 14)، وأن يحتمل المَشَقَّات ويعمل عمل المبشر ويتمم خدمته (4: 5).
4– وقد تقول: كيف له ولي فعل هذا؟ فالرسالة تجيب بمعطيات ومُشَجِّعات للشخص الأمين الذي وضع في قلبه أن يتبع الرب، نذكر منها: «روح القوة والمحبة» (1: 7)، «اذكر يسوع المسيح المقام من الأموات» (2: 8)، «كل الكتاب هو مُوحًى به من الله ونافع» لكل شيء (3: 16)، «وأخيرًا قد وُضِع لي إكليل البر» (4: 8). فماذا تحتاج بعد هذا؟ فالروح فيك، والمسيح المُقَام في السماء لأجلك، وكتاب الله دستور الحياة بين يديك، والمكافأة تنتظرك!
عزيزي القارئ، هذه مقدمة لموضوع رأيتُ أننا نحتاج إليه في هذه الأيام. وبمعونة الرب سنأخذه بشيء من التفصيل - إن شاء الرب وعِشنا - في الأعداد القادمة. فسنرى أشخاصًا دعاهم الرب ليتبعوه، وأشخاصًا طلبوا من الرب أن يتبعوه. ومن التابعين هناك مَن تبعوه لأغراض خاصة، ومَن تبعوه لأنهم أحبوه، ومَن تبعوه مِن بعيد، ومَن تبعوه تمامًا. وفي طريق اتِّبَاعنا هناك أشياء نتبعها وأشياء لا نتبعها، وكُلفة اتِّبَاعنا الرب، وأيضًا مكافأتنا في نهاية الطريق.
ولكن قبل أن تتابع هذه السلسلة وتتبع الرب، أخاف أن تكون من المخدوعين، سائرًا وسط موكب بلا هدف. لذا أسألك: هل تبعته وهو حامل الصليب لأجلك، وهو ينادي لك: «تعالوا إليَّ يا جميع المتعبين»؟! هل تبعته وركعت أمامه وقبلته بالإيمان ونِلتَ الطبيعة الجديدة التي تؤهلك لاتِّبَاعه في الطريق؟ وإن كنت من المؤمنين فهل تلبي النداء بالقول: «أتبعك يا سيد»؟!