* قد تقولها شكرًا “لصنايعي” ماهر عندما ينجز عملاً في منزلك: الله ينوَّر يا ريّس!!
* قد تسمعها دعاءً من والدتك بعد طاعتك لها: الله ينوَّر سِكتك يا بني!!
* أو تسمعها مدحًا من مدرِّسك وقت ظهور نباغتك: برافو الله ينوَّر عليك!!
* أو تسمعها سخرية من مديرك عند تأخرك عن العمل كعادتك: الله ينوَّر يا بشمهندس ما لسه بدري!!
“الله ينوَّر” والمعرفة
في “إعداديتنا” كان مدرس الرياضيات يضع أمامنا مسألة هندسة؛ عبارة عن شكل هندسي واثبات مطلوب منها، ويطلب منا حلها، وعلى الرغم من أن جميع الطلبة تعرف جيدًا نظريات المسألة وطريقة حلها، إلا أن الحل يبقى غائبًا عن معظمهم، حتى يقفز به طالب بصير ويصل إلى هـ.ط.ث (!!) فيرد عليه المدرس بحماس: “الله ينوَّر” عليك يا بني!! فيما يتحسر باقي الطلبة متسائلين عن سبب عجزهم عن الحل مثل زميلهم، رغم أنهم يعرفونه وعلى دراية بنظرياته! فأين المشكلة إذن؟!
المشكلة باختصار أن هؤلاء الطلبة المخلصين، كانوا يحتاجون إلى أكثر من مجرد معرفة النظريات وطريقة الحل، فهم يحتاجون لمن “ينوَّر” ذهنهم للحل، فالمعرفة بدون إنارة ذهنية تبقى مجرد معلومات متراكمة لا جدوى منها، ولا تؤدي إلى أي حل.
وتظهر هذه المشكلة في الحياة الروحية للناس بشكل أضخم؛ فرغم أننا نعيش في عصر كثافة المعرفة الدينية عن الله، من خلال الكتب والنهضات والقنوات الفضائية ووسائل المعرفة الأخرى، فمع ذلك لا تنطبع هذه المعرفة في تغيير حقيقي للسلوكيات والأخلاقيات، وأصبحت هذه المعرفة مجرد معلومات دينية لا أكثر، ونظريات حياتية تسكن فقط في الدماغ ولا تغير الحياة.
وهنا تم كلام الكتاب المقدس «لما عرفوا الله لم يمجدوه أو يشكروه كإله، بل حمقوا في أفكارهم وأظلم (was darkened) قلبهم الغبي» (رومية 1: 21)، فبدل أن الناس تقودهم معرفة الله ونظرياته وقوانينه (تذكر مسألة الهندسة) لتقوى الله وشكره، قادتهم إلى مزيد من العصيان والزيغان عنه، بل وأظلموا ذهنهم بعيدًا عن نوره، وأصبحت معرفتهم عن الله معرفة جوفاء فارغة من أي معنى أو تطبيق، ولكن ما الأسباب التي دعتهم لذلك؟!! دعنا نعرف...
“الله ينوَّر” والأسباب
الحقيقة، هناك سببان رئيسيان لهذه المعضلة البشرية، تكلم الرسول بولس عن واحد منها، حين أعلن أن «إله هذا الدهر قد أعمى أذهان غير المؤمنين لئلا تضيء لهم إنارة أنجيل مجد المسيح» (2كورنثوس4:4)، فللشيطان الخدَّاع تكتيك مع البشر في قمة الدهاء، فهو لا يمنع عنهم أن يعرفوا الله أو يسمعوا عنه، أو حتى يتناولوه في أقوالهم المتداولة (راجع: على باب الله، البقاء لله، الله اعلم...)، ولا يضيره كثرة النهضات والمؤتمرات والكتابات، ولكنه يعمل على “إعماء” ذهنهم، فيمنع النور الإلهي أن يخترق البقع المظلمة في حياتهم، فالشيطان يقبل أي شيء غير أن “الله ينور” ذهن الإنسان!!
السبب الثاني كان في الإنسان نفسه، فهو يعلم جيدًا أن الله يرى الخطية في أي مكان وفي أي وضع (مزمور139: 12)، وهو يغضب بسببها لأنها ضد طبيعته (1يوحنا1: 5)، ولكن في نفس الوقت يحلو للإنسان فِعل الخطية والتمتع بلذتها الموسمية بعيدًا عن الله؛ ولذلك اختار بإرادته أن يبقي ذهنه مظلمًا، بل أن يتوحد ويتكيف مع هذه الظلمة «أحب الناس الظلمة أكثر من النور لأن أعمالهم كانت شريرة» (يوحنا3: 19)، فالإنسان الطبيعي يقبل أي شيء من الله غير أن “الله ينوَّر” ذهنه، لأنه وقتها سيكتشف مدى ظلامه وخرابه.
ونتيجة لهذين السببين، أصبح الجزء الأكبر من البشر - وخاصة المسيحيين - عارفين دارسين، حاضرين مواظبين، حافظين “مسمَّعين”، ولكنهم - مع إبليس- مانعين أن “الله ينوَّر” الذهن والقلب والحياة، وأصبحوا في ظلمتهم العقلية ماكثين مستريحين مظلمين!!
“الله ينوَّر” والحل
لكن أبدًا لم ييأس الله المحب، وقد أعَدَّ للبشرية حلاً عظيمًا، حين أرسل لهم ابنه الحبيب؛ المسيح يسوع الذي هو «النور الحقيقي الذي ينير كل إنسان» (يوحنا1: 9)، والذي استطاع بنوره الدائم والساطع والمبهر، أن يغلب أي ظلمة روحية وذهنية مهما كانت قوتها، لأنه «فِيهِ كَانَتِ الْحَيَاةُ، وَالْحَيَاةُ كَانَتْ نُورَ النَّاسِ، وَالنُّورُ يُضِيءُ فِي الظُّلْمَةِ» (يوحنا1: 4، 5)، وبالتالي فهو الوحيد الجدير أن “الله ينوَّر” به الإنسان.
ولم يتوقف الحل عند هذا، فالمسيح لم يكن مجرَّد نورٍ مؤقت يظهر قليلاً ثم يختفي، ولم يكن مثل أنبياء العهد القديم الذين كانوا مثل “البطاريات” التي تضيء بعض الوقت، لكن المسيح هو قوة ونبض ومصدر لنور دائم ومستمر ومبهر، فهو يمكن كل من يقبله ويؤمن به ويوصل “كَابل” حياته به أن تسري في حياته طاقة هائلة من النور، فيصبح من «أولاد نور» (أفسس5: 8)، ووظيفته «نور العالم» (متى5: 14)، وعلاقاته عنوانها «من يحب أخاه يثبت في النور» (1يوحنا2: 10).
وليس هذا فقط، لكن أكبر مهام هذا النور الحقيقي، هو أن يزيل عملية “إعماء الذهن” التي صنعها إبليس للبشر، بعملية “إنارة الذهن” «لأَنَّ اللهَ الَّذِي قَالَ: أَنْ يُشْرِقَ نُورٌ مِنْ ظُلْمَة، هُوَ الَّذِي أشْرَقَ فِي قُلُوبِنَا، لإِنَارَةِ مَعْرِفَةِ مَجْدِ اللهِ فِي وَجْهِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ» (2كورنثوس4: 6)، وبالتالي حل المسيح المشكلة التي كان يعاني منها البشر- والتي كنا نتناولها في هذا المقال - وأنار معرفة الله عند البشر، وبالتالي تتغير حياتهم وأخلاقهم وأبديتهم.
عزيزي القارئ العارف، أثق كثيرًا في كم معرفتك الدينية والكتابية الضخم عن الله، واثق أن هذه المقالة ربما لن تضيف كثيرًا لمعلوماتك المخزونة منذ الصغر، ولكن صدقني أنت تحتاج - مثلي - لا لمزيد من المعرفة، ولكن لأن “الله ينوَّر” ذهننا لهذه المعرفة، فتغيِّر حياتنا وأخلاقياتنا. هيا نُعيد معًا توصيل “كابل” حياتنا به بشكل يومي ولحظي، هيا نطلب منه هذه الإنارة، فنحن بدونه وفي أفضل حالاتنا، معتمين ومظلمين ومحرومين من روعة حقيقة أن “الله ينوّر”.
ياللي انت نور في طبيعتك،
من قبل حتى ما تقول: ليكن نور
وانت اللي عرَّفتنا مين شخصك،
وبمعرفتك كان الكل مسرور
لكن إبليس بدهائه،
عمى الذهن ومنع الإنارة
وساق الناس بطريقته،
وسرق منهم الإدارة
وحوًّل معرفتك لمعلومات في كنايس دوَّارة!!
جايلك توصل “كَابل” حياتي بيك،
بعد ما صابه العمى والضمور
وتشرق على ذهني بأشعتك،
لما أسمعك كل يوم تقوللي: صباح النور!!