سؤال سهل ... إحذر من أجابته

كتب أحد أصدقائي على حسابه الخاص بالفيس بوك هذه القصة الجميلة، وما أن قرأتها حتى جلست أكتبها على الفور لأصدقائي الأعزاء قراء مجلة نحو الهدف:

“سأل محرِّر جريدة أمريكية قرَّاءه سؤالين، قد تبدو الإجابة عليهما بديهية وسهلة، لكنك سرعان ما تكتشف ما وراء السؤالين من حكمة رائعة.

- السؤال الأول: يجرى انتخاب زعيم عالمي من بين ثلاثة مرشحين فقط، وتخيل أن صوتك هو الذى سيؤكِّد فرصة نجاح أحدهم، فـلمن منهم ستعطي صوتك، علما بأن بياناتهم كالتالي: المرشح الأول: مدمن كحول وتدخين يخالط سياسيين غير شرفاء.  المرشح الثاني: ينام حتى الظهيرة، ومدمن كحول، وقد تعاطى الأفيون فى المدرسة، وفُصل من العمل مرتين.  المرشح الثالث: نباتي، وبطل حرب حائز على أرفع الأوسمة، لا يدخن مطلقًا، ولم يَخُن زوجته قَطّ.

- السؤال الثاني: اذا كنت تعرف أمًّا لثمانية أطفال، ثلاثة منهم صُم، وأثنين عمي، وواحد متخلف عقليًا، وهي نفسها مصابة بمرض الزهري، لكنها حبلى للمرة التاسعة؛ فهل تنصحها بالإستمرار في هذا الحمل؟!

بالنسبة للسؤال الأول فمن الطبيعي اختيار المرشح الثالث دون تردد، وبالطبع كانت الإجابات البديهية والمتوقعة للسؤال الثاني أن ينصح البعض السيدة صاحبة السؤال بالتخلص من الجنين، أو على الأقل يلومونها على قرارها بأن تفكر في الحمل من الأساس.  لكن الجريدة، في عددها التالي، حملت مفاجأة من العيار الثقيل لقرّائها؛ فقد كتب المحرر هذه الكلمات الصادمة وقال:


بالنسبة للسؤال الأول، المرشح الأول هو فرانكلين روزفلت، وهو الرئيس الذي صُنف كواحد من أعظم ثلاثة رؤساء حكموا الولايات المتحدة الأمريكية، وقد عاصر الحرب العالمية الثانية وقاد الحلفاء إلى النصر على الرغم من إصابته بالشلل.  والمرشح الثاني هو ونستون تشرشل، الذي شغل منصب رئيس وزراء بريطانيا ويُعتبر أحد أهم الزعماء في التاريخِ البريطاني والعالميِ الحديث.  أما المرشح الثالث فهو أدولف هتلر الزعيم الألماني الشهير الذي صار رمزًا للديكتاتورية والشراسة في الكثير من كتب التاريخ.  أما بالنسبة للسؤال الثاني فإذا كانت نصيحتك لتلك السيدة أن تتخلص من الجنين، فأعلم أنك بهذه النصيحة قد قتلت بيتهوفن (الموسيقار العالمي الشهير)؛ فقد كان هو الطفل الذي ولدته تلك السيدة.

القارئ العزيز، كثيرًا ما نحكم على الأشخاص من خلال نظرتنا الضيقة المحدودة.  فنصف هذا بأنه ضيق الأفق، وذلك بأنه لا يفهم، وهذه لن تنفع في زواجها، وأولئك لن ينجحوا في خدمتهم...

وكثيرًا ما نحكم على الأمور قبل أن تكتمل أو تتضح، فإذا قابلتنا مشكلة في حياتنا، نسارع بإلقاء اللوم على الآخرين، بل قد نلقي باللوم على الله نفسه!  ونغفل أن الكتاب المقدس يقول إن «كُلَّ الأَشْيَاءِ تَعْمَلُ مَعًا لِلْخَيْرِ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَ اللهَ»، والحياة العملية والتاريخ يؤكِّدان هذه الحقيقة مرارًا وتكرارًا.  فكثير من الأمور تعرضنا لها، وشعرنا وقتها بالضغط الشديد، وتسارعت الأسئلة والاستفسارات، وتتشابكت الأفكار والتحليلات، وشعرنا بتيهان وعدم اتزان، وبدأ الشك والحيرة في التسلل إلى أعماقنا.  ونجد أنفسنا أنه صار لنا وقت طويل لم نجلس فيه للصلاة أو حتى قراءة الكتاب المقدس.  كل هذا بسبب سوء فهمنا لمعاملات الله معنا.  لكننا بعد وقت، قصر أو طال، نكتشف أنها معاملات غاية في العظمة والدقة، وأنها كانت لمجد الله في حياتنا، وكانت سببًا في تشكيل الله لأوانينا لتصبح أكثر صلابة ومتانة وقوة.

ويمكننا أن نخرج من القصة التي أمامنا بدرسين على الأقل فيهما فائدة عظيمة لنا:

أولاً: لا تحكم سريعًا على ما تراه، ولا تتسرع في تكوين رأي قد يكون واقعيًا في ظاهره لكنه مدمِّر في باطنه.  ففي السؤال الأول الذي طرحه ذلك الصحفي قد نراه من الواقعية أن نختار المرشح الثالث، لكن النتيجة النهائية تؤكد لنا أن الذهن البشري في أفضل حالاته قد يصدر أحكامًا خاطئة؛ لأنه في النهاية هو ذهن محدود وغير مُلِمّ بكل الأمور؛ لأن المرشح الثالث صار في النهاية واحد من أشرس الزعماء وأكثرهم سفكًا للدماء، رغم أن بداياته ربما لم تكن تُنبئ بذلك.  وكذلك في السؤال الثاني قد يكون من الواقعية أن نحكم بالتخلص من الجنين، لكن بعد أن عرفنا أن ذلك الجنين صار هو بيتهوفن، فإننا حتمًا سنحكم على أنفسنا بالتسرع في إصدار الأحكام حتى ولو كانت واقعية في مظهرها.  كذلك لا تحكم على الآخرين حكمًا سريعًا من خلال ما تراه بعينيك، فالله يعمل في الخفاء وبشكل لا تتوقعه في حياة أولاده، ومن تراه اليوم غير نافع قد تراه فيما بعد نافعًا جدًا، ومن تحسبه اليوم صغيرًا ضعيفًا قد تكتشف مع الأيام مقدار حبه لله وتتعجب لما تراه يحمل كنزًا روحيًا داخله نتيجة معاملات الله معه في الخفاء.

ثانيًا: في حياتنا وظروفنا الشخصية، ليتنا لا نحكم سريعًا على ما نمر به أو نتعرض له من أمور، قد تبدو في وقتها صعبة لا تُحتمَل، لكن الكتاب يعلِّمنا أن نهايتها حتمًا ستكون لخيرنا ولمجد الله في حياتنا «أَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ: لَسْتَ تَعْلَمُ أَنْتَ الآنَ مَا أَنَا أَصْنَعُ، وَلكِنَّكَ سَتَفْهَمُ فِيمَا بَعْدُ» (يوحنا13: 7).  إذًا ليكن لنا الإيمان الواثق في إلهنا الصالح، رغم ما يحيط بنا من أمور قد تبدو عكس ما نتمناه أو نتوقعه.  فإن كنا بالإيمان وثقنا في الله أنه يخلصنا من مشكلة خطيتنا العويصة، فعلينا أن نمارس هذا الإيمان في كل أمور حياتنا ونثق أن الله يرتب كل أمورنا لخيرنا ولمجده في حياتنا.  لا تحكم على ظروفك كما تراها الآن، أو كما يراها الآخرون بعقولهم المحدودة؛ بل ثق أن الخير في النهاية من نصيبك وأن الظروف التي تمر بها سيتمجد الله من خلالها بصورة قد لا تبدو واضحة أمامك الآن لكنه ستتضح فيما بعد.