آه من خطايا اللسان! لو أُطلق له العنان دون أن يُلجم أو يُصان! وما أدراك إذا اجتمعت تلك الخطايا معًا في إنسان؟ الألسنة الفالتة أخطر من الأسلحة القاتلة. اللسان له قوته وتأثيره الجبار. لا أجد وصفًا يكشف خطورته أصدق وأبلغ مما جاء في الأصحاح الثالث من رسالة يعقوب. «هوعُضْوٌ صَغِيرٌ وَيَفْتَخِرُ مُتَعَظِّمًا. هُوَذَا نَارٌ قَلِيلَةٌ، أَيَّ وُقُودٍ تُحْرِقُ؟ فَاللِّسَانُ نَارٌ! عَالَمُ الإِثْمِ... يُدَنِّسُ الْجِسْمَ كُلَّهُ، وَيُضْرِمُ دَائِرَةَ الْكَوْنِ، وَيُضْرَمُ مِنْ جَهَنَّمَ... هُوَ شَرٌّ لاَ يُضْبَطُ، مَمْلُوٌّ سُمًّا مُمِيتًا» (يعقوب 3: 5-8).
لكن الطامة الكبرى عندما يغلِّف البعض هذه الخطايا في أغلفة تبدو مقبولة إجتماعيًا، فلا يسمونها بأسمائها ليبرِّروا تورّطهم فيها. أما أنت عزيزي الشاب أدعوك أن تقف وقفة جريئة وصادقة إزاء هذه القضية الفاصلة؛ لننزع معًا هذه الأغلفة الزائفة ونفضح خطايا اللسان المستترة وراء الأقنعة المصطنعة. سأستعرض أمامك تلك “التشكيلة الجهنمية” لنفحصها في ضوء كلمة الله، راجين من الرب أن يحفظ شفاهنا، ويجعل حارسًا لأفواهنا، فنضبط كلماتنا كي لا نعثر في سبلنا.
1- دردشة أصحاب: يدرج البعض “الثرثرة وكثرة الكلام” تحت مُسمى “دردشة”. هذه الثرثرة لا تكون عقيمة أبدًا لكنها أُمًّا تلد خطايا كثيرة، وقد وصفها الكتاب أنها «لاَ تَخْلُو مِنْ مَعْصِيَةٍ» (أمثال10: 19). أما عن وسائل الدردشة فحدِّث ولا حَرَج؛ سواء بالتليفونات أو اللقاءات أو وسائل التواصل الإجتماعي.
2- صفات وألقاب: عندما يزل اللسان بكلمات “الشتيمة والسباب” يصفونها بأنها “صفات وألقاب” تصف الحقيقة، إنما في قلوبهم يقصدون التهكم والسخرية والتحقير. وكم من ألفاظ فظّة وجائرة تركت في أصحابها جروحًا غائرة.
3- فرفشة شباب: من الأحاديث المحبَّبة للناس التي تصنَّف تحت بند “التسالي والفرفشة” ما يصفه الكتاب أنه «كلام السفاهة والهزل» (أفسس5: 4)؛ مثل النكت القذرة والقفشات التي لا تخلو من وقاحة الكلام. قد يسمونه “هزار”، وهو وخز يجرح بل يطعن كالسيف.
4- مناقشة أسباب: يتدخل البعض في شؤون الغير، الأمر الذي يقود إلى “النميمة البغيضة”، تحت شعار إبداء الرأي وإسداء النصيحة، أو تقييم مواقف الآخرين، أو تحليل شخصياتهم. إن النميمة هي وسيلة نشر الإشاعات، وإثارة الشكوك، وإفشاء الأسرار، وتشويه سير الناس، بل قتل سمعتهم؛ فلنجتنبها.
5- همسات عتاب: تنمو النميمة وتتطور تحت غطاء العتاب، ويتمخض العتاب فيلد أتعاب “زرع خصومات وصُنع انشقاقات”. آه لو علم الذين يسرعون في توجيه الإتهامات وإصدار الأحكام بعواقب كلامهم! كم من عائلات ومجتمعات تمزقت! كم من علاقات تشوهت، بسبب آراء ظالمة خرجت من قلوب حاقدة.
6- مجاملة وآداب: تمتلئ أوساط العمل بالمداهنة في الكلام. ما يسمونه مجاملة رقيقة ودواعي آداب الحديث، إنما في الحقيقة ليس سوى “تملق”. والتملق هو الإفراط في الإطراء والمديح بصورة مبالغ فيها. ويكون في الغالب ورائها مصلحة شخصية، لذا يسمونها وسيلة التسلق الاجتماعي. يستخدمها بعض الوصوليون مع رؤسائهم. أولئك الذين يجيدون الابتسامات الصفراء ويتقنون العزف بلسانهم، ليخرِجوا اللحن الذي تطرب له آذان سامعيهم.
7- دبلوماسية الجواب: أحيانًا يصف الناس الشخص الصريح في كلامه بأنه ساذج أو “مدَّب في الكلام” وغير دبلوماسي، لأنهم يرون أن مصالحهم تقتضي في أغلب الأحيان أن يجاوبوا بأنصاف الحقائق، أو بإخفاء الحقائق؛ كي يبلغوا مرادهم، وهذا ما يسميه الكتاب “كذب وإلتواء”. وغالبًا ما يلد الكذب الكثير من الخطايا لإخفاء الدوافع الرديئة في القلب.
8- دراية واستيعاب: “المبالغة في الكلام” صارت وسيلة رخيصة من وسائل إقناع الآخرين في الحديث. تجد شخصًا يقول لك مثلاً: “عائلة فلان كلهم كذابون”، أو “لم أرَ في حياتي أبشع من فلان” أو بعد “دراسة متأنية ودقيقة استغرقت مني سنوات..” (رغم أنه لم يقضِ فيها شهرًا كاملاً) وهكذا. المبالغة هي صورة من صور الكذب المُغرض.
9- إيش جاب لجاب: كلمات الغرور صارت تعبيرًا عن الثقة في النفس، و“مدح الذات” أصبح في منظور الناس دليل الصحة النفسية، وإيمانًا بالقدرات الشخصية. بينما يعلمنا الكتاب «لِيَمْدَحْكَ الْغَرِيبُ لاَ فَمُكَ، الأَجْنَبِيُّ لاَ شَفَتَاكَ» (أمثال27: 2).
10- مجرد إعجاب: كلمات التودُّد والأحاديث المعسولة من الوسائل الدنيئة التي توقع الشباب والبنات في شباك الغرام وفخاخ النجاسة. كم من علاقات عاطفية بائسة بدأت بهذا الأسلوب الشيطاني. استخدام عبارات الغزل تحت مسمّى “تعبير عن الإعجاب” هو في الواقع شر لا يُضبط؛ فما أخطر التلاعب بمشاعر الآخرين. همسات الاستلطاف تجعل صوت الرغبة يصرخ في الأعماق، وتهيئ للسقوط في خطايا فاحشة، وتفتح الباب للشهوة الطائشة.
عزيزي الشاب.. ربما كنت تستهين بما تتفوه به ولا تبالي عواقبه. أرجوك تذكَّر ما قاله الوحي المقدس عن كلام اللسان «هُوَذَا نَارٌ قَلِيلَةٌ، أَيَّ وُقُودٍ تُحْرِقُ؟» (يعقوب3: 5).
إن كنت قد وقعت ضحية لأحد أو بعض من هذه “التشكيلة الجهنمية”، فتعالَ للربِّ معترفًا مع ذاك الذي قال «وَيْلٌ لِي! ... لأَنِّي إِنْسَانٌ نَجِسُ الشَّفَتَيْنِ» (إشعياء6: 5). واعلم قول الكتاب «إِنَّهُ مِنْ فَضْلَةِ الْقَلْب يَتَكَلَّمُ الْفَمُ» (متى12: 34)؛ فبيت الداء هو القلب، فاطلب من الرب أن يطهر قلبك الآن، فستحظى بالقلب النقي واللسان العفيف.