كان شعب اسرائيل في أرض مصر مستعبَدين، أذلهم فرعون الذي أصدر أوامرة بأن كل ابن ذكر يولد يُطرح في النهر (خروج1: 22). وحدث أن عمران ويوكابد أنجبا موسى الطفل الجميل، فلم يخشيا أمر الملك، فأخفياه ثلاثة أشهر في البيت. ثم بعد ذلك أخذت له أمه سفطًا (سلة) من البردي، وطلته بالزفت، ووضعت الولد فيه، ووضعته على حافة النهر. وجعلت أخته مريم تقف من بعيد لتعرف ماذا يحدث له. وهذا السفط كان سبب نجاة موسى، ويمكن أن نرى فيه رمزًا للرب يسوع المسيح من عدة أمور:
1. السفط مصنوع من البردي
البردى نبات ينمو فى مستنقعات وبرك النيل (أيوب 8: 11)، وهو نبات طويل تمتد سيقانه إلى أعلى من خمسة أمتار، مقطعه مثلث الشكل. ولأن سيقانه في غاية المتانه والليونة ويمكن أن تنثني على بعضها بكل سهولة لذلك استخدمت فى صناعة السلال (خروج2: 3) والقوارب (إشعياء 18: 2)، وغيرها، وفي بناء الأكواخ. وأوراقه عريضة لذلك استُخدمت في الكتابة والتغليف، وأزهاره خيمية الشكل لذلك استخدمت فى الزينه.
وصنع السفط من نبات البردي صورة لتجسد المسيح، فسيقان البردى العالية صارت على الأرض ليصنع منها هذا السفط. وما أعجب ما قيل عن الرب يسوع الذي «إذ كان في صورة الله لم يحسب خلسة أن يكون معادلاً لله لكنه أخلى نفسه آخذًا صورة عبد صائرًا في شبه الناس» (فيلبي2: 6، 7)، وأيضا «وكان الكلمة الله... والكلمة صار جسدًا وحَّل بيننا» (يو1 : 1، 14).
2 . السفط بين الحلفاء
الحلفاء نبات ينمو على حافة نهر النيل والترع ومصارف المياه، يرتفع الى ما يقرب المتر والنصف، وأوراقه رفيعة وطويلة وكثيفة وأطرافها حادة ومدببة مثل المنشار، ويتحمل المناخ الحار وجذوره قوية وتمتد الى أعماق غائرة، لأنها تحتاج إلى مياه كثيرة. ونظرًا لأن أوراقه حاده ومدببة مثل المنشار، فهى تجرح من يلمسها. ولقد تألم الرب يسوع كثيرًا من الأشرار في حياته، سواء من كلماتهم القاسية وأتهاماتهم الباطلة، أو محاولات قتله المتعدده سواء بإلقائه من على حافة الجبل أو رجمه بالحجارة.
يا من تتألم من الأشرار ومن أشواكهم، تشجَّع وتأمل فى الرب يسوع مثالنا العظيم الذي - تبارك اسمه - كان كنعجه صامتة أمام جازيها، فلم يفتح فاه، لقد ظُلم أما هو فتذلل.
3. السفط مطلى بالحمر والزفت
وذلك لحماية من بداخله من أمواج النهر ومن دخول المياه إليه فيغرق. وأمواج النهر تتكلم عن الدينونة والقضاء، لذلك طلى السفط بالحُمر (القطران) والزفت ليغطيه. صورة لعمل المسيح الكفاري لأجلنا على الصليب لنجاتنا من غضب الله الديان والعادل ومن الدينونة الرهيبة التى كانت تنتظرنا. لقد كان دمه الذى سفك لأجلنا هو الغطاء لحمايتنا (1يوحنا2: 2).
لقد كان السفط يتعرض لموجات المياه، فيهتز يمينًا ويسارًا ويرتفع لأعلى ويهبط لأسفلِ، صورة لموجات الغضب والدينونة التى نزلت على المسيح فى ساعات الظلمه الرهيبه، إذ قال بروح النبوة: «غمر ينادى غمر عند صوت ميازيبك. كل تيارتك ولججك قد طمت علي» (مزمور42: 7). لكن الطفل موسى وهو بداخل السفط كان فى أمان، وكل من صار فى المسيح هو فى أمان ويستطيع أن يهتف: «إذًا لا شيء من الدينونه الآن على الذين هم في المسيح يسوع» (رومية 8: 1).
4. السفط فى المياه على حافة النهر
النزول إلى النهر يشير إلى الموت، لأن النهر دائمًا يكون فى مستوى أقل من سطح الأرض، رمزًا لموت المسيح على الصليب، ولقد نزل إلى أقسام الأرض السفلى (أي القبر) (أفسس4: 9).
لقد دخل الموت نتيجة خطية الإنسان (تكوين2: 17؛ رومية6: 23)، ونحن كأولاد آدم وُلدنا بالخطيه، وفعلنا خطايا كثيرة، وبالتالي الموت هو أجرة خطايانا. لكن لأن الله يحبّنا؛ بذل ابنه لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحية الابدية.
5. السفط يرتفع من المياه إلى أعلى
عندما نزلت ابنة فرعون إلى النهر لتغتسل، رأت السفط بين الحلفاء؛ فأرسلت أَمَتِها وأخذته وخرجت به من المياه (خروج2: 5). وإن كان نزول السفط الى مياه النهر صوره للموت، فإن خروج السفط من النهر وارتفاعه لأعلى صوره لقيامة المسيح من الأموات في اليوم الثالث.
لقد كان موسى فى السفط، فعند ارتفاع السفط من النهر إلى أعلى، ارتفع موسى معه، صوره لقيامتنا مع المسيح كما هو مكتوب: «وأقامنا معه وأجلسنا معه فى السماويات فى المسيح يسوع» (أفسس2: 6).
6. السفط يفتح
فتحت ابنة فرعون السفط ورأت الولد ورقَّت له (خروج2: 6)، صورة لفتح جنب المسيح عندما طُعن بالحربة بعد موته، لقد تمزق جسد المسيح، وعند موته انشق حجاب الهيكل من الوسط، من أعلى إلى أسفل وصار الطريق إلى قدس الاقداس مفتوحًا.
عندما فُتح السفط فُتح الباب لموسى لكى يدخل إلى قصر فرعون، وبموت المسيح صار الطريق إلى الأقداس السماوية مفتوحًا لكل من آمن بالمسيح «فإذ لنا أيها الإخوة ثقة بالدخول إلى الأقداس بدم يسوع طريقًا كرّسه لنا حديثًا حيًا بالحجاب أى جسده» (عبرانيين10: 19، 20).
وعندما يدخل المؤمن إلى عرش النعمة ينال رحمة، ويجد نعمة عونًا فى حينه.
7. السفط أنقذ موسى من الموت
كلمتا “سفط” و“فلك” هما فى اللغه العربيه كلمه واحده، هى “طيبو” ومعناها تابوت. ولقد كان الفلك هو الوسيله الوحيده لنجاه نوح وعائلته من الطوفان، وكان السفط وسيلة خلاص موسى، وهما صورة للمسيح الوسيلة الوحيدة لنجاة الخاطيء من الهلاك الأبدي، إذ ليس بأحد غيره الخلاص، لأن ليس اسم آخر تحت السماء قد أُعطى بين الناس به ينبغى أن نخلص (أعمال4 :12).
أخي .. أختي .. لقد نجا موسى من الموت لأنه كان فى السفط الذى هو رمز للرب يسوع المسيح المخلِّص الوحيد الذى يحبك ومات من أجلك على الصليب.
فهل تمتعت بالخلاص من الدينونة، والنجاة من الهلاك الأبدي؟ وهل أنت فعًلا فى المسيح يسوع؟