ذهب طالب في المرحلة الثانوية إلى امتحان مادة الهندسة، وعندما وصل إلى مقر لجنة الامتحانات، اكتشف هناك أنه نسى أن يضع المسطرة مع باقي الأدوات اللازمة. ماذا يفعل الآن؟ من أين يحصل على مسطرة؟ فكل طالب يستعمل الأدوات الخاصة به. وضع رأسه بين كفيه برهة، ثم راودته فكرة، وقال في نفسه: ما المشكلة أن أصنع مسطرة بنفسي؟ الأمر ليس في غاية الصعوبة.
أخرج في الحال ورقة بيضاء، وطبَّقها عدة طبقات، حتى أخذت شكل المسطرة، وأخذ يرسم شرطة وراء الأخرى باعتبار أن كل منها تمثل 1 ملليمتر وكل 10 درجات يعمل شرطة أكبر لتمثل سنتيمترًا. ابتسم في قرارة نفسه على الفكرة التي أنقذته من هذا الموقف الحرج. بدأ في رسم الخطوط بالأطوال المطلوبة في المسألة وعلى أساسها أخذ يقيس النتائج والزوايا.
السؤال الذي يطرح نفسه: هل ستكون قياساته دقيقة يا تُرى؟ بالطبع لا. كل النتائج المبنية عليها، بالتبعية، ستكون خاطئة. والسبب بمنتهى البساطة لأنه لم يستعمل مسطرة حقيقية بل استعمل مسطرة من ورق!
مغزى هذه القصة البسيطة يلقي ضوءًا على آية كتابية في غاية الأهمية لكل شاب مسيحي يريد أن يسلك باستقامة وطهارة في هذا العالم الممتلئ بالشر والدنس: «بِمَ يُزَكِّي الشَّابُّ طَرِيقَهُ؟ بِحِفْظِهِ إِيَّاهُ حَسَبَ كَلاَمِكَ» (مزمور119: 9).
في هذه الآية القصيرة نجد سؤالاً عظيمًا، وجوابًا وافيًا موجزًا. السؤال معناه: كيف يستطيع الشاب أن يسلك سبيل الطهارة القويم؟ كيف يحفظ نفسه طاهرًا في عالم استفحلت فيه صناعة الإباحية والنجاسة وطفحت الشرور في كل مجال من مجالات الحياة؟
الجواب: طاعة كلام الرب هي التي تمكن الشاب من حفظ نفسه طاهرًا. دعونا ندرس معًا هذا الأمر بشيء من التفصيل من خلال النقاط التالية:
1. تساؤل جميل
سؤال خطير يشغل ذهن كل شاب حكيم، نعم. الشاب الواعي الذي يدرك أن الخطية محيطة به؛ فمؤثِّرات الشر تزداد في عالم شرير غارق في الدنس والشر.
سؤال جدير بالاهتمام لأن مرحلة الشباب فترة حرجة من العمر، يستهدف الشيطان أن يغزو خلالها كيان الشاب ليفتح عليه النار ساعيًا أن يزيحه عن الطريق الصحيح بكل وسيلة، مستخدمًا شهوات العالم ومحركًا الخطية الساكنة فينا.
عزيزي الشاب.. ليت هذا السؤال يشغل فكرك وقلبك دائمًا. وثق أن الرب يرى ما يدور في أعماق نفسك ويُسَرّ بكل من يشتهي أن يعمل مرضاته.
2. هدف نبيل
ما أعظمها رغبة تشغل قلب الشاب الأمين الذي يريد أن يرتِّب أولويات حياته بفطنة. الشاب التقي الذي يدرك ما معنى أن الله قدوس وأن إرادة الله للمؤمن هي قداسته. جيد للشاب، وهو في سن مبكِّرة، أن يتأمل في هذا الهدف الراقي، قبل أن يشغل تفكيره بالنجاح الزمني والتفوق الدراسي أو المكسب المادي... كل ما سبق أمور جيدة، لكن يوجد ما هو أفضل وأهم، وهو كيف يصلح طرقه وينجح حياته بالمنظور الإلهي والأبدي. الأمثلة الكتابية والواقع العملي أثبتوا أن الشاب الذي يسلك باستقامة أمام الرب هو شخص ناجح ومتفوق في المجالات الأخرى للحياة. ليت هذه الرغبة الجليلة أن تستحوذ على تفكيرك ومشاعرك. إن أهملت هذا الأمر وتهاونت فيه ستحصد مر الشقاء ويكون الإصلاح مكلِّفًا جدًا. اسمع ما قاله حكيم الدهور «فَلْنَسْمَعْ خِتَامَ الأَمْرِ كُلِّهِ: اتَّقِ اللهَ وَاحْفَظْ وَصَايَاهُ، لأَنَّ هذَا هُوَ الإِنْسَانُ كُلُّهُ» (جامعة12: 13).
3. دليل أصيل
نجد تطويبًا مزدوجًا في أول آيتين يبدأ بهما هذا المزمور العظيم: «طُوبَى لِلْكَامِلِينَ طَرِيقًا، السَّالِكِينَ فِي شَرِيعَةِ الرَّبِّ. طُوبَى لِحَافِظِي شَهَادَاتِهِ. مِنْ كُلِّ قُلُوبِهِمْ يَطْلُبُونَهُ»، يطوِّب فيها الذين طرقهم كاملة لأنهم سالكين في شريعة الرب. فالذي يقترب إلى الكلمة المباركة هو في الحقيقة يقترب من الرب، لذلك لا نتعجب إن كنا نجد الذي يحفظ شهاداته تتولد في قلبه أشواق صادقة لطلب شخص الرب، وهو يظهر لهم ذاته ويُسَرّ بأن يعلن لهم صفاته. الوسيلة الوحيدة التي يمكن من خلالها أن نعرف مقاييس القداسة التي يجب أن نسلك بمقتضاها والتي تتوافق مع طبيعة الله هي «كلمة الله». إن لم نتجاوب مع الكلمة المقدسة باستعداد صادق لطاعة كل ما تقره كلمة الله ومصحوبة بترك الشر والنجاسة لن نختبر تغييرا في حياتنا. «لِذلِكَ اطْرَحُوا كُلَّ نَجَاسَةٍ وَكَثْرَةَ شَرّ، فَاقْبَلُوا بِوَدَاعَةٍ الْكَلِمَةَ الْمَغْرُوسَةَ الْقَادِرَةَ أَنْ تُخَلِّصَ نُفُوسَكُمْ. وَلكِنْ كُونُوا عَامِلِينَ بِالْكَلِمَةِ، لاَ سَامِعِينَ فَقَطْ خَادِعِينَ نُفُوسَكُمْ» (يعقوب1: 21، 22).
4. مقياس عليل
الأمر المؤسف أن بعض من الشباب المؤمنين يعلمون ما سبق نظريًا، لكن في الواقع العملي غالبًا ما يستخدمون مساطر من ورق لتقييم سلوكياتهم وتوجهاتهم ومظهرهم...
قد يقيس الواحد نفسه على العُرف السائد في مدينته أو حتى عائلته، بينما الآخر يعتبر أن شباب كنيسته المحلية وسيلة للقياس متذرعًا بالقول: أليس الكل يفعل هكذا! يريد البعض أن يرتقي في أدائه فيجعل المقياس الفاصل هو ما يشير به أحد المؤمنين المتقدّمين مقرَّب لقلبه.
عزيزي الشاب: كل هذه المقاييس ليست سوى أنواعًا مختلفة من «مساطر الورق». المقياس الدقيق هو ما يقوله الكتاب، والكتاب فقط لأنه يعتبر «المسطرة الإلهية» الوافية والكافية أن تقيس لا الأشياء الظاهرة فقط لكن يمكنها أن تخترق خفايا القلب وتكشف دوافعه وتنير خباياه.
5. ربح جزيل
الشاب الذي اعتاد أن يرجع الى الكتاب ليفحص نفسه ويمتحن كل شيء في نوره، ليس فقط شابًا أمينًا يخشى أن يخطئ إلى الرب وأمام الناس، بل هو شاب حكيم يعرف الفوائد الجزيلة التي سيجتنيها من كلمة الله فضلاً على حياة الطهارة والاستقامة.
أ) يميز الحق و سبل الصلاح: «... حِينَئِذٍ تَفْهَمُ الْعَدْلَ وَالْحَقَّ وَالاسْتِقَامَةَ، كُلَّ سَبِيل صَالِحٍ» (أمثال2: 9).
ب) يختبر أن الكلمة سلاح: «إِذَا دَخَلَتِ الْحِكْمَةُ قَلْبَكَ... فَالْعَقْلُ يَحْفَظُكَ، وَالْفَهْمُ يَنْصُرُكَ» (أمثال2: 10).
ج) ينجز خدمته بنجاح: «فِي نَامُوسِ الرَّبِّ مَسَرَّتُهُ... وَكُلُّ مَا يَصْنَعُهُ يَنْجَحُ» (مزمور1: 2، 3).
د) يتلذذ بأطيب الأفراح: «مَا أَحْلَى قَوْلَكَ لِحَنَكِي! أَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ لِفَمِي» (مزمور119: 103).
عزيزي الشاب... أدعوك أن تمزق مساطر الورق التي اعتدت أن تستخدمها، وتمسك بالمسطرة الحقيقية الإلهية وهي أقوال الله الحية. مدرسة الله التي تعلم فيها الشباب الأمناء أمثال دانيآل وتيموثاوس، ما تزال ترحب بطلاب الحق الذين يبتغون من القلب عمل مرضاة الله والسلوك حسب مقاييس قداسته.