عايز حاجة جديدة

لفت نظري عبارة حالة (status) لأحد أصدقائي الشباب على الفيس بوك تقول: “أحتاج إلى تجديد شيء في حياتي .. أي أفكار”.  اتصلت به وشجَّعته على ذلك، مؤكِّدًا أن الله يريد لنا حياة التغيير المستمر، وفي هذا بركتنا.  فنظرة سريعة على بضعة آيات من الكتاب المقدس تؤكد لنا ذلك: «تَتَجَدَّدُوا بِرُوحِ ذِهْنِكُمْ» (أفسس4: 23)؛ «تَغَيَّرُوا عَنْ شَكْلِكُمْ بِتَجْدِيدِ أَذْهَانِكُمْ» (رومية12: 2).

لماذا؟

لا عجب في ذلك؛ فالتغيير سمة الكائن الحي، فإن تركت حجرًا لسنوات وعدت، ستجده كما هو، ما لم تتدخل قوى خارجية لتغييره.  أما إن تركت طفلاً لشهور، فستعود لتجده قد تغيَّر.  لماذا؟  الإجابة ببساطة: لأنه كائن حي. 

فماذا عن أسمى حياة: الحياة الروحية التي يمنحها الله للذين آمنوا بالرب يسوع المسيح كالمخلِّص الشخصي لهم من خطاياهم؟!  إن أحد أدلة الحياة الجديدة هي التغيير في اتجاه مشابهة الله «خَلَعْتُمُ الإِنْسَانَ الْعَتِيقَ مَعَ أَعْمَالِهِ، وَلَبِسْتُمُ الْجَدِيدَ الَّذِي يَتَجَدَّدُ لِلْمَعْرِفَةِ حَسَبَ صُورَةِ خَالِقِهِ» (كولوسي3: 9، 10).

فلقد قَبِلَنا الله ونحن في حالة فساد وشر، وهو يريد أن نكون «مُشَابِهِينَ صُورَةَ ابْنِهِ» (رومية8: 29)، والفارق بين الحالتين كبير للغاية؛ فلا بد أن عملية تغييرنا من هذه الصورة إلى تلك تتطلب وقتًا كبيرًا لإتمامها، هذا الوقت طوله العمر كله.

كيف؟

وحتى يتم التغيير المرجو، لنا في الكتاب المقدس مفتاحان في غاية الأهمية لإتمام ذلك:

المفتاح الأول: «أَنْ تَخْلَعُوا مِنْ جِهَةِ التَّصَرُّفِ السَّابِقِ الإِنْسَانَ الْعَتِيقَ الْفَاسِدَ بِحَسَبِ شَهَوَاتِ الْغُرُورِ،  وَتَتَجَدَّدُوا بِرُوحِ ذِهْنِكُمْ» (أفسس4: 22، 23).  والآية في الترجمة التفسيرية تترجم هكذا: “أن تخلعوا ما يتعلق بسيرتكم الماضية: الإنسان العتيق الذي يفسد نفسه بالشهوات الخداعة”. 

إنه يدعونا للابتعاد عن تصرفات كثيرة، ليس فقط الخطايا الظاهرة أو الكبيرة أو المنبوذة من الناس، بل من الأساس يدعونا لنكفّ عن السير وراء رغبات خادعة لم تُشبع من سعوا ورائها، بل أفسدت حياتهم، مثل: رغبة الثراء، ورغبة مديح الناس وقبولهم، ورغبات المتعة الوقتية، ورغبات الشعور بالقوة والعظمة والجمال.  وغيرها من رغبات تتحكم في حياتنا، فتخرجها على الشكل التي هي عليه، الشكل البعيد عن رغبة الله أن نكون مشابهين ابنه. 

لذا يحرِّض الكتاب كل واحد منا أن «لاَ يَعِيشَ أَيْضًا الزَّمَانَ الْبَاقِيَ فِي الْجَسَدِ، لِشَهَوَاتِ النَّاسِ، بَلْ لإِرَادَةِ اللهِ.  لأَنَّ زَمَانَ الْحَيَاةِ الَّذِي مَضَى يَكْفِينَا لِنَكُونَ قَدْ عَمِلْنَا إِرَادَةَ الأُمَمِ، سَالِكِينَ فِي ... (قائمة من الشرور)» (1بطرس4: 2، 3).  فلنكف إذًا عن رغبات صبيانية سرنا خلفها كباقي الناس كثيرًا، ولم تشبعنا؛ فظللنا نلهث وراء المزيد دون جدوى، مختبرين أن «كُلُّ مَنْ يَشْرَبُ مِنْ هذَا الْمَاءِ يَعْطَشُ أَيْضًا» (يوحنا4: 13).  واسمح لي أن ألفت نظرك لتحريض رومية 12 السابق للتغيير عن الشكل، إذ يقول «ولا تشاكلوا هذا الدهر»، أي لا تلزم نفسك بالتشبه بهم، فما يريده الله بحياتك أسمى بكثير من أن تحياها محاولاً التشبه بالآخرين.

والمفتاح الثاني: «وَنَحْنُ جَمِيعًا نَاظِرِينَ مَجْدَ الرَّبِّ بِوَجْهٍ مَكْشُوفٍ، كَمَا في مِرْآةٍ، نَتَغَيَّرُ إِلَى تِلْكَ الصُّورَةِ عَيْنِهَا، مِنْ مَجْدٍ إِلَى مَجْدٍ، كَمَا مِنَ الرَّبِّ الرُّوحِ» (2كورنثوس3: 18).  فببساطة، كلّما تأملنا في جمال الرب أكثر، وفي تميّزه، وتصرفه، وأقواله، وصمته، ونظراته، ولمساته؛ كلما ازداد إعجابنا به، وكلما عمل الروح القدس في دواخلنا لنتغير إلى تلك الصورة المجيدة.  ومن الطبيعي أن تتشبه بمن تعجب به، ومن الطبيعي أن تتطبع بصفات من تقضي معه الوقت الطويل. 

هيا اقرأ معي كلمة الله من جديد، باحثًا فيها عن الرب متأملاً في حياته في الأناجيل، وفي نبوات قيلت عنه في العهد القديم، وفي تعاليمه التي كتبها الرسل في العهد الجديد.  تأمل وازدد إعجابًا معي بهذا الشخص الفريد، ولتكن صلاتك مع ترنيمة مدارس الأحد: “نفسي أكون صورة صغيورة بالظبط زي المسيح”.

ماذا؟

يلفت النظر أن التحريضات على التغيير السابق ذكرها ترتبط بكلمة «الذهن»؛ فطريقة تفكيرنا هي التي تتحكم في سلوكياتنا، وتصرفاتنا، وشهادتنا، وخدمتنا؛ وتغييرها بالتالي هو الذي يغير فينا كلّيًا ويجعلنا نتغير عن شكلنا.  وسأكتفي بأن أترك معك بعض الأشياء القليلة التي تحتاج أن تتغير في طريقة تفكيرك: 

هدف الحياة

حياة بلا هدف هي حياة بلا معنى!  وهدف الحياة هو الذي يحدِّد قيمتها.  فإن كان هدف حياة أحدهم «نأكل ونشرب»، فقد انحط بها لأسفل درجة.  إنما إن كان للحياة هدف راقٍ، فسترتقي برقي هذا الهدف.  اطلب من الرب أن يلمِّع الهدف في حياتك، اطلب منه أن تختبر «مَا هِيَ إِرَادَةُ اللهِ: الصَّالِحَةُ الْمَرْضِيَّةُ الْكَامِلَةُ» في حياتك، إن له خطة رائعة، معرفتها ستجعل هدفًا ساميًا لحياتك يسمو بها ويسعدك أنت.

متعة الحياة

في أي شيء تجد متعتك؟  في بعض اللهو؟!  في وقت تقضيه على الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي تحديدًا؟!  في وقفات وكلمات وعلاقات صحيحة أو غير صحيحة؟!  في ملبسك؟!  في مأكلك؟!  في نزهاتك؟!  في كيف يراك الناس (روش cool)؟!  في أفلام ومسرحيات ومشاهدات ونكات؟!  في بعض الألعاب التي تعيّشك في الأوهام؟! ...

جرِّب أن تجد متعتك في رضا الله، في كلمته، في العشرة معه، في ربح نفس للمسيح، في أن تقدِّم الراحة لمتعَب.  جرِّب وحدد أنت الفارق بنفسك.

هناك الكثير من الأمور الأخرى التي كنت أود أن أتكلم معك عن تغيير طريقة التفكير فيها، وقد يأتي الوقت المناسب لها يومًا، مثل: اختياراتك، اتخاذك لقراراتك، مواقفك من الناس بقبولهم ورفضهم، أولوياتك، تنظيمك لوقتك.... لكن لحدود المساحة هنا أكتفي بهذا القدر، مصليًا أن يستخدم الرب هذه الأفكار البسيطة لتكون بداية تغيير حقيقي يتدرج بك في خطة الله لك لكي تكون مشابهًا لربنا يسوع المسيح.  هيا تغيَّر عن شكلك!