كان فشحور بن إمير كاهنًا للرب، وكان ناظرًا أول في بيت الرب، لكنه رفض كلمة الرب التي أرسلها على فم إرميا النبي، بل أكثر من ذلك ضرب إرميا النبي وجعله في المقطرة في السجن؛ لذلك غيّر الرب اسمه إلى مجور مسا بيب (إرميا20: 1-10).
لقد كان فشحور يتمتع بامتيازات كثيرة:
1- معنى اسمه: فشحور له عدة معان:
أ) مزدهر؛ أي مثل الشجرة أوراقها خضراء ولها ثمر وظل.
ب) حُر أي لا توجد عليه قيود.
ج) يتزايد مع الكتان الأبيض؛ رمزًا للقداسة والطهارة.
لكنه بالأسف كان اسمًا على غير مسمى.
2- كان كاهنَا للرب: من الفرقة السادسة عشر (1أخبار24: 14؛ إرميا20: 1) من عائلة إمير، وهي من العائلات الكهنوتية الكبيرة (عزرا 2: 37؛ نحميا7: 40). وهو امتياز عظيم له، لم يكن لأي واحد من الشعب أن يتمتع به إلا الذي من سبط لاوي ومن نسل هارون. لكن كان على الكاهن مسؤولية أن يحفظ الشريعة ويُعلِّم بها ويكون قريبًا من الرب فيعرف فكره ويعلنه للشعب «لأن شفتي الكاهن تحفظان معرفة ومن فمه يطلبون الشريعة لأنه رسول رب الجنود» (ملاخي3: 7).
3- كان ناظرًا أول في بيت الرب: أي كان في موقع القيادة، يقود بقية الكهنة، وبالتالي يقود كل شعب الله وهي مسؤولية عظيمة. لأنه عندما يتصرف القائد بطريقة صحيحة فإن كل الشعب يفعلون مثله، وعندما يتصرف بطريقة خاطئة فكل الشعب يسيرون وراءه في ذات الخطإ. وكانت هذه الوظيفة من المراكز الهامة، فكانت تلي رتبة رئيس الكهنة (2ملوك25: 18؛ إرميا52: 24).
وبالرغم من الإمتيازات الكثيرة التي كان يتمتع بها فشحور لكنه بالأسف:
1- رفض كلمة الرب: بعد رجوع إرميا من وادي ابن هنوم، حيث كسر إبريق الفخار تحت مرأى وبصر الشيوخ والكهنة، وقف إرميا في دار بيت الرب ليحذِّر الشعب حيث قال لهم: « هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ إِلهُ إِسْرَائِيلَ: هأَنَذَا جَالِبٌ عَلَى هذِهِ الْمَدِينَةِ وَعَلَى كُلِّ قُرَاهَا كُلَّ الشَّرِّ الَّذِي تَكَلَّمْتُ بِهِ عَلَيْهَا، لأَنَّهُمْ صَلَّبُوا رِقَابَهُمْ فَلَمْ يَسْمَعُوا لِكَلاَمِي» (إرميا19: 14، 15). لقد تكلم إرميا بالقضاء على مملكة يهوذا بسبب شرهم وتركهم للرب وعبادتهم لآلهة أخرى؛ لذلك جاء القضاء، فسيسقطون بالسيف أمام أعدائهم وتكون جثثهم أكلاً لطيور السماء ولوحوش الأرض، ويأكلون لحم بنيهم وبناتهم في الحصار والضيق وينكسر هذا الشعب كما يكسر وعاء الفخار ولا يمكن جبره بعد. إن هذا القضاء يعلن قداسة الله، ويستلزم التوبة والرجوع إلى الرب وترك العبادة الوثنية، ولكن فشحور رفض الإتضاع، وبالتالي رفض سماع كلمة الرب.
2- كان يتنبأ بالكذب: كان القضاء سيأتي على هذا الشعب بسب شرهم، لكن فشحور كان يعلن أنه لا قضاء بل سلام، وبذلك كان يتنبأ بالكذب وبرؤيا (تخيلات) قلبه لا عن فم الرب بل من نفسه (إرميا20: 6؛ 23: 15-17).
3- ضرب إرميا النبي: لقد مدَّ يده على إرميا النبي وضربه لأنه أعلن فكر الله، وبهذا خالف وصية الرب الذي قال: «لا تمسوا مسحائي ولا تسيئوا إلى أنبيائي» (مزمور105: 15). لقد كان هدف فشحور أن يضع حدًّا لكلام إرميا؛ فاستخدم القوة بمقتضى السلطة المُعطاة له كناظر أول في بيت الرب.
4- وضع إرميا في المقطرة: التي في باب بنيامين الأعلى الذي عند بيت الرب. والمقطرة كانت من أدوات التعذيب المستخدمة في ذلك الوقت، وهي إطار خشبي يثبَّت على القدمين أو اليدين أو العنق للشخص الذي يُعاقب. وهذا سبَّب ألمًا شديدًا لإرميا، ليس فقط جسديًا ولكن أيضًا نفسيًا، لأنه صار في موضع السخرية والعار حتى أنه قال: «صرت للضحك كل النهار كل واحد استهزأ بي» (إرميا20: 7).
وفي اليوم التالي أخرج فشحور إرميا من المقطرة فقال له إرميا: «لَمْ يَدْعُ الرَّبُّ اسْمَكَ فَشْحُورَ، بَلْ مَجُورَ مِسَّابِيبَ» ومعنى “مجور مسابيب”: غضب يأتي عليك وأيضًا رعبًا من كل جانب. وفي هذا إعلان عن القضاء الذي سيقع عليه بسبب شروره، ويشمل هذا القضاء عدة أمور (إرميا20: 4-6):
أ) يجعله الرب خائفًا ويكون مصدرًا للخوف، لنفسه ولكل محبيه.
ب) سقوط محبّيه بسيف الأعداء وعيناه تريان ذلك.
ج) يدفع الرب كل يهوذا ليد ملك بابل فيسبيهم إلى بابل ويضربهم بالسيف.
د) يدفع الرب كل ثروة هذه المدينة وكل تعبها وكل مثمَّناتها وكل خزائن ملوك يهوذا ليد أعدائهم، فيغنمونها ويأخذونها ويحضرونها إلى بابل.
هـ) فشحور وكل سكان بيته يذهبون في السبي إلى بابل.
و) يموت هناك في بابل حيث يدفن في أرض غريبة وليس مع آبائه في أرض عمانوئيل.
هذا قضاء من الله على فشحور لأنه رفض الرب وكلمته وقاوم عمل الله، وهكذا كل من يقاوم عمل الله فإنه يصبح مثل فشحور: فعندما قاوم فرعون ملك مصر الرب وأضطهد شعبه في أرض مصر، غرق هو وكل جنوده في بحر سوف (خروج14: 26-28). وعندما قاوم قورح وجماعته موسى رجل الله انشقت الأرض التي تحتهم وفتحت الأرض فاها وأبتلعتهم وبيوتهم وكل من كان لقورح مع كل الأموال، فنزلوا هم وكل من كان لهم أحياء إلى الهاوية وأنطبقت عليهم الأرض فبادوا من بين كل الجماعة (عدد16: 31-33). وعندما مد هيرودس الملك يديه ليسيء إلى أناس من الكنيسة فقتل يعقوب أخو يوحنا بالسيف وقبض على بطرس ووضعه في السجن، فإن الله أنزل عليه قضاءً إذ ضربه ملاك الرب فصار الدود يأكله ومات (أعمال12).
وفي هذا تحذير لكل من يقاوم الرب أو كلمته أو خدامه أو شعبه سواء كان في منصب ديني أو مدني.