البوصة هي نبتة من نبات البوص، وهي تشبه عصا جوفاء يمكن استخدامها في بعض الاستخدامات الخفيفة، لكنها لا تحتمل كثيرًا، وليس لها شكل جمالي.
وهذا المثل المصري الشعبي يُقصَد به أنه عن طريق الملابس، أو التجميل الخارجي للشيء، أو للشخص، يمكن أن يظهر كالعروسة، دلالة على الجمال والبهاء.
وما أكثر من يتبنون هذا المثل في حياتهم؛ فيهتمون بما يُرى خارجيًا فقط، ظانين أنه يعطيهم جمالاً في عيون الناس. فتجدهم يهتمون بملابسهم وماركاتها، والموبايل الذي يحملونه، والنظارة الشمسية التي يرتدونها، والعطر الذي يستخدمونه... الخ، كل ذلك ليداروا شعورًا عميقًا بالنقص. كما تجدهم يتجملون في تصرفاتهم أمام الناس لينالوا المدح؛ فواحد يظهر بمظهر مَن يُحسن الكلام ويفهم في كل الأمور، وآخر يتصنَّع اللطف؛ والسبب هو الشعور بعيوب داخليه لا يستطيعون تغييرها. والأدهى في المجال الروحي أن يدّعي الشخص الروحانية والإدراك الكتابي والخدمة والصلاة؛ وللأسف كل هذا يحجب خلفه الكثير من الخطايا المستترة عن عيون الناس، وليس عن عين الله بالطبع.
والغريب أن مثل هؤلاء يجيدون أن يظهروا لكل مجتمع بالمظهر الذي يناسبه. وهكذا يقضون العمر يرتدون هذا القناع تارة وذلك القناع تارة أخرى. وما أقل ما يعيشون في الحقيقة. حتى تختفي الحقيقة من حياتهم، ولا يبقى إلا الوهم والضلال. وما أردأ النهاية!
اسمع ما قاله الرب لمن يفعل مثل هذا: «وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ! لأَنَّكُمْ تُنَقُّونَ خَارِجَ الْكَأْسِ (الكوب) وَالصَّحْفَةِ (الصحن)، وَهُمَا مِنْ دَاخِل مَمْلُوآنِ اخْتِطَافًا وَدَعَارَةً. أَيُّهَا الْفَرِّيسِيُّ الأَعْمَى! نَقِّ أَوَّلاً دَاخِلَ الْكَأْسِ وَالصَّحْفَةِ (أي القلب) لِكَيْ يَكُونَ خَارِجُهُمَا (الحياة كلها) أَيْضًا نَقِيًّا (نقاءً حقيقيًا وليس اصطناعيًا). وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ! لأَنَّكُمْ تُشْبِهُونَ قُبُورًا مُبَيَّضَةً تَظْهَرُ مِنْ خَارِجٍ جَمِيلَةً (هذا ما يراه الناس)، وَهِيَ مِنْ دَاخِل مَمْلُوءَةٌ عِظَامَ أَمْوَاتٍ وَكُلَّ نَجَاسَةٍ (وهذا ما يراه الله، وهو الأهم). هكَذَا أَنْتُمْ أَيْضًا: مِنْ خَارِجٍ تَظْهَرُونَ لِلنَّاسِ أَبْرَارًا، وَلكِنَّكُمْ مِنْ دَاخِل مَشْحُونُونَ رِيَاءً وَإِثْمًا» (متى23: 25-28).
فدعني أسألك: لماذا تتصنع ويمكنك أن تعيش الحقيقة؟! لماذا تتظاهر بما ليس فيك، والرب على استعداد اليوم أن يأخذ “البوصة” ويجعلها بالحقيقة أحلى “عروسة” قلبًا وقالبًا؟ إنه يستطيع، ويريد، أن يغيِّرك تغييرًا شاملاً يبدأ من القلب، ليكون القلب نقيًا، ومن ثَمَّ كل الحياة رائعة. فهل تُقبل إليه الآن طالبًا «قَلْبًا نَقِيًّا اخْلُقْ فِيَّ يَا اَللهُ» (مزمور51: 10).