مسحول الاتحادية وفادى البشرية

  بينما كان المؤمنون يتسابقون في تقديم الشكر لله من أجل عمل الفداء، تصوَّرت المصري الذي تعرض للضرب والسحل بالقرب من قصر الاتحادية، بطريقة بشعة غير آدمية ستلطخ حتمًا صفحة من تاريخ الأمة المصرية، بل هي جريمة ضد الحقوق الإنسانية.  فقلت للرب متأملاً و شاكرًا: آه يا سيدي إن كانت الدنيا  قامت ولم تقعد من أجل إنسان عرُّوه وسحلوه، فماذا نقول عن آلامك يا سيدي عندما كنت كشاة تساق إلى الذبح، وكنعجة صامتة أمام جازيها، فلم تفتح فاك (إشعياء53: 7).  

وإن كان مسحول الاتحادية ضعيفًا وعاجزًا لم يستطع أن يوقف بطشهم وشّرهم، لكن أنت يا سيدي كان في يدك أن تمحوهم وتلاشيهم من الوجود بل كما قلت: كان في إمكانك أن تطلب أكثر من اثني عشر جيشًا من الملائكة(متى26: 53).  أ لم تقل يا سيدي:«ليس أحد يأخذها مني، بل أضعها أنا من ذاتي.  لي سلطان أن أضعها، ولي سلطان آخذها أيضًا» (يوحنا18: 10).  لكن كان لا بد أن يتم المكتوب، كما خاطب بطرس جمهور اليهود قائلاً:«هَذَا أَخَذْتُمُوهُ مُسَلَّمًا بِمَشُورَةِ اللهِ الْمَحْتُومَةِ وَعِلْمِهِ السَّابِقِ وَبِأَيْدِي أَثَمَةٍ صَلَبْتُمُوهُ وَقَتَلْتُمُوهُ» (أعمال2: 23).  

لقد قاوم مسحول الاتحادية  هؤلاء الذين عرّوه وأهانوه، أما أنت يا سيدي فكان لسان حالك: «بذلت ظهري للضاربين، وخديَّ للناتفين، وجهي لم أستر عن العار والبصق» (إشعياء50: 60).  مسحول الاتحادية أسعفوه، وللمستشفى نقلوه، وألمه خففوه، وأهله احتضنوه.  أما أنت  يا سيدي فلسان حالك: «الْعَارُ قَدْ كَسَرَ قَلْبِي فَمَرِضْتُ.  انْتَظَرْتُ رِقَّةً فَلَمْ تَكُنْ وَمُعَزِّينَ فَلَمْ أَجِدْ» (مزمور20: 69).  وكأن الروح القدس كان يصور ويقرب لنا آلام  المسيح النفسية والبدنية الرهيبة وهو في الطريق بين جثسيماني والجلجثة، عندما نزعوا عنه الثياب وجلدوه جلدات بلا عدد، وعندما وضعوا عليه الصليب.  فألهبت الواقعة هذه  مشاعر الساجدين خاصة ونحن نصنع ذكرى موت المسيح  في أول الأسبوع.

القارئ العزيز: لاشك إن البون شاسع، والفرق كبير بين مسحول الإتحادية والمسيح فادي البشرية؛ في شخصه، وفي عمله.  فالمسيح هو الله وهو الإنسان في آن.  هو الله بكل ما تحمله الكلمة  من معاني الجلال والكمال والقدرة الإلهية.  وهو إنسان كامل لم يعرف خطية ولم يفعل الخطية، بل وليست فيه خطية.  المسيح هو أطهر وأقدس إنسان وطأت قدماه على الأرض، كان يجول يصنع خيرًا ويشفي جميع المتسلط عليهم إبليس.  أما مسحول الاتحادية فهو إنسان كبقية البشر، مولود بالخطية.  أما المسيح فهو العليم بكل شيء، وهو القدير على كل شيء.  تغنى عنه داود قائلاً: «الرب راعي فلا يعوزني شيء»، لكن هذا الراعي العظيم والقدير هو نفسه «الراعي الصالح الذي بذل نفسه عن الخراف»، لقد «حمل هو نفسه خطايانا في جسده على الخشبة، لكي نموت عن الخطايا فنحيا للبر، الذي بجلدته شفيتم» (1بطرس2: 24).  لكن كم تألم سيدنا وهو ذاهب لإتمام عمل الفداء.  وتصوِّر لنا كتب المزامير و الأنبياء وصفًا لمشاعر المسيح المتألم،  نذكر منها هذه الصور السبعة التي تصور لنا آلامه وأتعابه:

(1) يقول المسيح بروح النبوة:«ما أنا فدودة لا إنسان، عار عند البشر ومحتقر الشعب» (مزمور22: 6).  لقد تحدّثوا كثيرًا عن العار نتيجة لسحل إنسان، ونسي العالم العار الذي كسر قلب المسيح عندما عروه وجلدوه.  والدودة هنا تصوّر لنا انسحاق المسيح الشديد.

(2) «كالماء انسكبت، انفصلت كل عظامي»  (مزمور22: 14).  والماء المسكوب يصوِّر لنا  الإعياء التام.

(3) «صار قلبي كالشمع، قد ذاب في وسط أمعائي» (مزمور22: 14).  لقد انصهر قلب المسيح من شدة النيران وقسوة الغضب الإلهي على الخطية التيكان يحملها.  والقلب الذائب يصور لنا الضعف الشديد.

(4) «يبست مثل شقفة (قطعة فخار اليابسة) قوتي، ولصق لساني بحنكي، وإلى تراب الموت تضعني» (مزمور22: 15).  فيا له من جفاف نتيجة لعطش المسيح الشديد!

(5) «خلصني يا الله لأن المياه قد دخلت إلى نفسي، غرقت في حمأة عميقة وليس مقر، دخلت إلى أعماق المياه والسيل غمرني» (مزمور69: 1).  لقدعانى المسيح  كما يعاني الغريق، وهو يموت  لأجلنا.

(6) «سهدت وصرت كعصفور منفرد على السطح» (مزمور102: 7).  وهنا نرى المسيح في وحدته ومعاناته وحزنه الشديد.

 

(7) «ظلم، أما هو فتذلل، ولم يفتح فاه، كشاة تساق إلى الذبح، وكنعجة صامتة أمام جازيها فلم يفتح فاه» (إشعياء53: 7).  إن مسحول الاتحادية لم يصمت، بل تكلم وعبَّر عن معاناته، أما سيدنا فلم يفتح فاه كالشاة.  لقد قابل الإهانات والآلامات  بهدوء وبصبر وصمت شديد.  

إن المسيح اليوم  ينادي: «أَمَا إِلَيْكُمْ يَا جَمِيعَ عَابِرِي الطَّرِيقِ؟  تَطَلَّعُوا وَانْظُرُوا إِنْ كَانَ حُزْنٌ مِثْلُ حُزْنِي الَّذِي صُنِعَ بِي الَّذِي أَذَلَّنِي بِهِ الرَّبُّ يَوْمَ حُمُوِّ غَضَبِهِ.  مِنَ الْعَلاَءِ أَرْسَلَ نَارًا إِلَى عِظَامِي فَسَرَتْ فِيهَا» (مراثي 1: 12-13).  

 صديقي وصديقتي:كان في إمكان المسيح أن لا يتألم، وكان في إمكانه أن لا يحمل الصليب، وكان في استطاعته أن يمنع اليد التي تمتد إليه، بل وتيبسفي الحال.  ورغم كل ذلك أحبنا ووضع نفسه لأجلنا، وصنع بنفسه تطهيرًا لخطايانا، و تحمَّل عار الخطية، لكي يمنحنا الغفران والسلام.  لقد مات لأجلي ولأجلك، كما مات من أجل الجميع، لكي يمنحنا الحياة.  

فهل تقدِّر آلام وأتعاب الحبيب؟  لقد جُرح لأجل معاصينا، وسُحق لأجل آثامنا، فهل من مجيب؟!