«نهارًا وليلاً» كلمتان تتكرران كثيرًا في كلمة الله، تأتيان بالارتباط ببعض الأمور التي يجب أن يفعلها المؤمن الحقيقي نهارًا وليلاً، أي كل وقت وكل العمر، ولا يكف أو يمل من فعلها:
1- التأمل في كلمة الله
كلمة الله هى طعام المؤمن، ومن خلالها يشبع ويفرح بالرب. وهي تُقوِّم طريقه، لذلك صارت لذته وابتهاجه. قال المرنم: «لكِنْ فِي نَامُوسِ الرَّبِّ مَسَرَّتُهُ، وَفِي نَامُوسِهِ يَلْهَجُ نَهَارًا وَلَيْلاً. فَيَكُونُ كَشَجَرَةٍ مَغْرُوسَةٍ عِنْدَ مَجَارِي الْمِيَاهِ، الَّتِي تُعْطِي ثَمَرَهَا فِي أَوَانِهِ، وَوَرَقُهَا لاَ يَذْبُلُ. وَكُلُّ مَا يَصْنَعُهُ يَنْجَحُ» (مزمور1: 2، 3). وكلمة «يلهج» تعني “يتأمل”. والمؤمن ليس فقط يقرأ كلمة الله لكن يتأمل فيما يقرأه ويشبع به، ويفكِّر كيف يستفيد بها ويطبقها في حياته نهارًا وليلاً.
في أحد المؤتمرات كنت في حجرة واحدة مع أحد خدام الرب المباركين، وأثناء نومه كان يردِّد أجزاءً من كلمة الله، وذلك لأنه طول النهار كان يدرس الكتاب.
أوصى الرب يشوع قائلاَ: «لا يبرح سفر هذه الشريعة من فمك، بل تلهج فيه نهارًا وليلاً لكي تتحفظ للعمل حسب كل ما هو مكتوب فيه. لأنك حينئذ تٌصلح طريقك وحينئذ تٌفلح» (يشوع1: 8).
لقد كان داود رجل الله يحب كلمة الله فقال: «بوصاياك ألهج»، «كم أحببت شريعتك. اليوم كله هي لهجي»، «شهاداتك هي لهجي»، «ألهج بأقوالك» (مز119: 15، 97، 99، 148).
ليعطنا الرب أن نحب الكتاب؛ فنقرأه، ونفهمه، وندرسه، ونحفظه، ونطبِّقه على حياتنا، ونلهج فيه نهارًا وليلاً.
2- الصلاة
عندما يكون المؤمن في ضيق أو شدة فإنه يصرخ إلى الرب مصليًا وطالبًا بلجاجة، والرب يسمع ويستجيب في الوقت المناسب. ولقد قال الرب: «ينبغي أن يصلّى كل حين ولا يُمَل»، وأيضًا «أفلا ينصف الله مختاريه الصارخين إليه نهارَا وليلاً وهو متمهل عليهم. أقول لكم إنه ينصفهم سريعًا» (لوقا18: 1، 6، 7).
كان الرب يسوع هو رجل الصلاة الأعظم الذي صلّى في أوقات مختلفة: ففي الصبح باكرًا جدًا كان يصلي في موضع خلاء (مرقس1: 35)، وفي أثناء النهار كان يعتزل في البراري ويصلي (لوقا5: 16)، وعند المساء كان يصعد إلى الجبل منفردًا ليصلي (متى 14: 23، يوحنا 6: 16)، كما قضى الليل كله في الصلاة لله قبل اختياره لتلاميذه الاثنى عشر (لوقا6: 12).
ونجد فى الكتاب المقدس أمثلة كثيرة عن رجال ونساء كانوا يصلون للرب نهارًا وليلاً :
* نحميا، عندما سمع أن أسوار أورشليم منهدمة وأبوابها محروقة بالنار والشعب هناك فى شر عظيم وعار، جلس وبكى وناح أيامًا، وصام وصلى أمام إله السماء قائلاً: «لتكن أذنك مصغية وعيناك مفتوحتين لتسمع صلاة عبدك الذى يصلي إليك الآن نهارًا وليلاً لأجل بني إسرائيل عبيدك» (نحميا1: 6).
* حنة النبية، بنت فنوئيل من سبط أشير، وهي متقدمة في العمر، كانت لا تفارق الهيكل عابدة بأصوام وطلبات ليلاً ونهارًا (لوقا2: 36، 37).
* الرسول بولس كان يصلى كثيرًا من أجل المؤمنين والكنائس، فعلى سبيل المثال كان يقول لتيموثاوس: «كما أذكرك بلا انقطاع في طلباتي ليلاً ونهارًا» (2تيموثاوس1: 3).
* أبفراس، وهو من مؤمني كولوسي، كان مجاهدًا كل حين بالصلوات لأجلهم لكي يثبتوا كاملين وممتلئين في كل مشيئة الله (كولوسي4: 12).
* الأرملة التي تعولها الكنيسة يجب أن تواظب على الطلبات والصلوات ليلاً ونهارًا (1تيموثاوس5: 5).
* كما كان الحراس على أسوار أورشليم لا يسكتون كل النهار وكل الليل على الدوام، لذلك يقول الرب للأتقياء: «يا ذاكري الرب لاتسكتوا ولا تدعوه يسكت» (إشعياء62: 6، 7).
وهذا يجعلنا لا نكفّ عن الصلاة والصراخ للرب نهارًا وليلاً لأجل شعبه وعمله، لأجل خلاص النفوس البعيدة وبنيان المؤمنين، لأجل الخدَّام والمخدومين، المرسلين والإرساليات، إنتشار الإنجيل في أماكن لم تصلها رسالة الإنجيل، وتأسيس اجتماعات جديدة في هذه الأماكن المحرومة والتي تصرخ: «اعبر إلينا وأعنا»، وأن يرسل الرب فعلة للحصاد الكثير؛ ولنا الوعد من الرب: «اِسْأَلُوا تُعْطَوْا. اُطْلُبُوا تَجِدُوا. اِقْرَعُوا يُفْتَحْ لَكُمْ. لأَنَّ كُلَّ مَنْ يَسْأَلُ يَأْخُذُ، وَمَنْ يَطْلُبُ يَجِدُ، وَمَنْ يَقْرَعُ يُفْتَحُ لَهُ» (متى7: 7، 8). وقال الرب لشعبه قديمًا: «هَلُمَّ يَا شَعْبِي ادْخُلْ مَخَادِعَكَ، وَأَغْلِقْ أَبْوَابَكَ خَلْفَكَ. اخْتَبِئْ نَحْوَ لُحَيْظَةٍ حَتَّى يَعْبُرَ الْغَضَبُ» (إشعياء 26: 20). وقال الرب يسوع: «وَأَمَّا أَنْتَ فَمَتَى صَلَّيْتَ فَادْخُلْ إِلَى مِخْدَعِكَ وَأَغْلِقْ بَابَكَ، وَصَلِّ إِلَى أَبِيكَ الَّذِي فِي الْخَفَاءِ. فَأَبُوكَ الَّذِي يَرَى فِي الْخَفَاءِ يُجَازِيكَ عَلاَنِيَةً» (متى6: 6).
3- السير وراء الرب
بعد خروج بنى إسرائيل من أرض مصر ساروا فى البرية أربعين سنة، وكان الرب يسير أمامهم نهارًا في عمود سحاب ليهديهم في الطريق، وليلاً في عمود نار ليضيء لهم. لكي يمشوا نهارًا وليلاً. لم يبرح عمود السحاب نهارًا وعمود النار ليلاً من أمام الشعب (خروج13: 21، 22).
كان الرب قائدهم، وكان عليهم أن يسيروا وراءه، دون توقف، سواء في النهار أو في الليل، لا عودة إلى الوراء بل إلى الأمام. ونحن الذين آمنا بالرب يسوع المسيح، صار هو قائدنا، ويجب أن نتبعه ونسير وراءه؛ فهو الذي قال: «إن أراد أحد أن يأتي ورائي فلينكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعني» (متى16: 24). فهو الذي ترك لنا مثالاً لكي نتبع خطواته (1بطرس2: 21). ويجب أن نجعله في كل حين أمامنا (مزمور16: 8). وننظر إليه باستمرار (عبرانيين12: 2). وقال الرسول بولس: «أنسى ما هو وراء وأمتد إلى ما هو قدام، أسعى نحو الغرض» (فيلبي3: 13، 14). فالمسيح هو الغرض، وعلينا أن نسير وراءه نهارًا وليلاً متمثلين به في كل شيء.
ولحديثنا بقية العدد القادم بمشيئة الرب عن باقي الأمور التي يجب أن نفعلها نهارًا وليلاً.