كان الرب يسوع المسيح في أيام جسده يجول يصنع خيرًا ويشفي جميع المتسلط عليهم ابليس.
لقد ذهب يومًا إلى اقليم السامرة في فلسطين لأجل امرأة ساقطة غارقة في خطاياها. وعندما وصل إلى مدينة يُقال لها سوخار، وكانت هناك بئر تُسمَّى «بئر يعقوب»، نقرأ «فإذ كان يسوع قد تعب من السفر جلس هكذا على البئر» (يوحنا4: 6). والكلمة تعني أنه من فرط التعب والإعياء ألقى بنفسه على البئر حيث لم يستطع أن يخطو خطوة أخرى. فيالعظمة الحُب الذي قاده ليبحث عن النفوس الهالكة. فإن ابن الانسان قد جاء لكي يطلب ويخلِّص ما قد هلك.
وفي خدمته كان يسير في (كل) مدينة وقرية يكرز ويبشر بملكوت الله ومعه الاثنا عشر رسولاً (لوقا8: 1) وكان يطوف كل الجليل يعلِّم في المجامع ويكرز ويشفي كل مرض وكل ضعف في الشعب (متى4: 23). وكالنموذج الرائع للخادم الأمين، لم يكن يفرِّق بين الأماكن المُريحة والأماكن الوعرة، ولم تشغله النتائج من حيث قبول أو رفض الخدمة. كان يكفيه أن يكون منفذًا لمشيئة أبيه، وأن يؤدي الخدمة في المكان وبالأسلوب الذي يريده الآب.
وفي إنجيل مرقس الذي يحدثنا عن شخص الرب كالخادم الكامل، تَرِد كلمة «وللوقت» أي «وفي الحال» اثنين وأربعين مرة. حيث كان يعرف قيمة الوقت وينتهز كل فرصة، ولسان حاله «ينبغي أن أعمل أعمال الذي أرسلنى مادام نهار. يأتي ليل حين لا يستطيع أحد أن يعمل» (يوحنا9: 4). إن فترة خدمته الجهارية كانت حوالي ثلاث سنوات ونصف، ولكنها كانت غنية بالأعمال المباركة مشحونة بالخدمة المركزة والتعاليم والمعجزات الكثيرة.
لم يكن لديه وقت للراحة. فكان كل شخص يعمل ستة أيام ويستريح في السبت. أما هو فلم يتوقف عن الخدمة حتى في السبت. إن كلمة سبت معناها راحة. ولكن كيف كان يمكنه أن يستريح وحوله نفوس تئن متوجعة من نتائج الخطية، في أمراض وأعواز مختلفة. إنه قط لم يتأخر عن أي سائل أو محتاج. وعندما قاومه اليهود بسبب معجزاته في السبت كان جوابه «أبي يعمل حتى الآن وأنا أعمل» (يوحنا5: 17).
وفي زحمة الخدمة لم يكن لديه وقت للأكل. فبينما كان يعلم «اجتمع أيضًا جمع حتى لم يقدروا ولا على أكل خبز» (مرقس3: 20). مع أنه اهتم بإطعام الآلاف الكثيرة.
هذا الخادم العجيب لم يكن لديه وقت حتى للنوم. فبعد يوم من التعب والعناء نقرأ القول «ولما صار المساء إذ غربت الشمس»، وكان من حقه أن يذهب لكي يستريح، لكنهم، «قدموا إليه جميع السقماء والمجانين. وكانت المدينة كلها مُجتمعة على الباب. فشفى كثيرين كانوا مرضى بأمراض مختلفة وأخرج شياطين كثيرة». لقد باتت المدينة كلها مُستريحة في تلك الليلة فلم يوجد فيها شخص واحد يئن أو يشكو. أما هو تبارك اسمه فقد حمل أحزانهم وأوجاعهم على قلبه ومشاعره الحساسة. وبالتأكيد أنه لم يَنم في تلك الليلة. فنقرأ بعد ذلك مباشرة القول «وفي الصبح باكرًا جدًّا قام وخرج ومضى إلى موضع خلاء وكان يصلى هناك» (مرقس1: 35). وهكذا كان يفعل «كل صباح» (إشعياء50: 4). وفي خلوته مع الآب كان يأخذ القوة المتجددة لمواصلة الخدمة. فكان بالنهار يعلِّم فى الهيكل وبالليل يخرج إلى جبل الزيتون (لوقا12: 37).
المرة الوحيدة التي يسجلها الكتاب المقدس عن الرب صراحة أنه نام كانت في السفينة. حيث نقرأ القول «وكان هو في المؤخر على وسادة نائمًا» (مرقس4: 38). تلك كانت أوقات الراحة عنده. فبعد يوم من الخدمة الطويلة «لما صار المساء»، دخل السفينة. وحيث لا يوجد مجال للعمل، اقتطع وقتًا قصيرًا لينام، قبل أن يصل إلى العبر ويستأنف خدمته. ومع ذلك لم يتركه التلاميذ ليستمتع بنوم هاديء، بل أيقظوه وقالوا له «يا معلم، أما يهمك أننا نهلك»؟!
لقد كانت حياته نموذجًا رائعًا للمحبة التاعبة والعطاء المتواصل. إنه لم يُرَضِ نفسه قط ولم يطلب مجدًا لنفسه بل كان كل قصده أن يعمل مشيئة أبيه ويتمم عمله. وكان في ذلك أروع مثال للخادم الأمين.
فهـــل ليســـوع مــن مثيل؟ لا ليـــس مثــله..