أخرج الأستاذ من جيبه قلمًا قيِّمًا غاليًا ورفعه أمام تلاميذه وقال: “مَن يُريد أن يأخذ هذا القلم؟!” اندهش التلاميذ ولم يُصدِّقوا أنه فعلاً على استعداد أن يقدِّم قلمه المُمَيَّز هذا مجانًا لواحد منهم. سألهم الأستاذ مرة أخرى مؤكِّدًا أنه سيعطي القلم فعلاً لمن يتقدم ويأخذه، ثم وضعه على المكتب أمامه وانتظر أن يأتي أحد التلاميذ لينال الهدية. نظر التلاميذ بعضهم إلى بعض في شك ولم يتجاسر أحد منهم على التحرك من مكانه. أخيرًا قام من الصف الأخير تلميذ ليس من أذكى التلاميذ أو أفضلهم، وتقدم إلى الأمام ومدَّ يده وتناول القلم من على مكتب الأستاذ. ابتسم الأستاذ وقال له: “مبروك عليك!”
لقد صدَّق هذا الطالب أستاذه فنال الهدية. والإيمان هو أن تصدِّق الله. هو أن تأخذ الله على محمل الجد. هو أن تثق أنه يعني ما يقول وتتيقن أنه صادق تمامًا في كلامه. أما ما يمنحه الله لنا فليس مجرد قلم، بل هو الخلاص؛ أي الإنقاذ. إنه تدخُّل الله لإنقاذك مِن ورطة أو ضيقة أو مشكلة. أما الورطة الكُبرى فهي الخطية. لذلك فأعظم صُوَر الخلاص هو الإنقاذ من الخطية وعبوديتها ودينونتها.
صديقي، إن الإيمان ليس ثمنًا ندفعه لننال خلاص الله المُقَدَّم مجانًا في المسيح. لا إيماننا ولا توبتنا ولا أي شيء نعمله يمكن أن يكون ثمنًا لخلاص الله العظيم. صحيح أن الله يُقدَّمه لنا دون مقابل، لكنه لم يكن بلا ثمن! لقد كان الثمن غاليًا جدًّا؛ أغلى من أن يستطيع كائن مَن كان أن يسدِّده: «عَالِمِينَ أَنَّكُمُ
افْتُدِيتُمْ لاَ بِأَشْيَاءَ تَفْنَى، بِفِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ...
بَلْ بِدَمٍ كَرِيمٍ، كَمَا مِنْ حَمَلٍ بِلاَ عَيْبٍ وَلاَ دَنَسٍ،
دَمِ الْمَسِيحِ» (1بطرس1: 18‑19).
إن الإيمان هو اليد التي بها نتناول هذا الخلاص. لكن ليس كل إيمان ينال الخلاص؛ كما قال الوحي: «أَنْتَ تُؤْمِنُ أَنَّ اللَّهَ وَاحِدٌ. حَسَنًا تَفْعَلُ. وَالشَّيَاطِينُ يُؤْمِنُونَ وَيَقْشَعِرُّونَ!» (يعقوب2: 19). وسمعنا أن سيمون الساحر آمن، ولكن إيمانه لم يكن حقيقيًّا، لذلك سمع القضاء من الرسول بطرس: «لَيْسَ لَكَ نَصِيبٌ وَلاَ قُرْعَةٌ فِي هَذَا الأَمْرِ لأَنَّ قَلْبَكَ لَيْسَ مُسْتَقِيمًا أَمَامَ اللهِ. فَتُبْ مِنْ شَرِّكَ هَذَا وَاطْلُبْ إِلَى اللهِ عَسَى أَنْ يُغْفَرَ لَكَ فِكْرُ قَلْبِكَ لأَنِّي أَرَاكَ فِي مَرَارَةِ الْمُرِّ وَرِبَاطِ الظُّلْمِ» (اقرأ القصة في أعمال8). لذا دعنا نرى معًا صفات الإيمان الذي يُخَلِّص.
1. الإيمان المتواضعلقد قال الرب يسوع هذه العبارة:
«إِيمَانُكِ قَدْ خَلَّصَكِ!» لامرأة كانت خاطئة جاءته باكيةً تائبةً (لوقا7: 50). وإن كانت التوبة ليست ثمنًا لخلاصنا، لكننا لن نحصل على الخلاص ما لم نَتُب. وإن كانت التوبة ليست التواضع، لكنها بالتأكيد من ثمار الاتضاع أمام الرب والاعتراف بحالتي الحقيقية في نور محضره! فلا بُد أن يتغير فكري من نحو الله وعن نفسي، فأدرك محبته وقداسته، وأرى فسادي وعجزي، فآتي إليه كما أنا. لقد جاءت هذه المرأة إلى الرب يسوع
بثقة المُتَّضِعين فحصلت على الخلاص.
2. الإيمان المُطيعيرتبط الإيمان في العهد الجديد بالطاعة، فنقرأ مثلاً: «كَانَتْ كَلِمَةُ اللهِ تَنْمُو وَعَدَدُ التَّلاَمِيذِ يَتَكَاثَرُ جِدًّا فِي أُورُشَلِيمَ وَجُمْهُورٌ كَثِيرٌ مِنَ الْكَهَنَةِ يُطِيعُونَ الإِيمَانَ» (أعمال6: 7)، وكانت النعمة التي أخذها بولس ورسوليته هي «لإطاعة الإيمان في جميع الأمم» (رومية1: 5؛ اقرأ أيضًا 16: 26).
إن الإيمان ليس مجرد معرفة الحق، لكنه طاعة الحق. لذلك، فإن كثيرين من المسيحيين المعترفين بالمسيح الذين يعرفون معرفة عقلية فقط معظم الحقائق الكتابية عن لاهوت المسيح والكفارة إلخ، سيكون مصيرهم - مع كل أسف - الدينونة الأبدية في بحيرة النار. يا صديقي، لن يُخَلِّصك أن تعرف بعض الحقائق أو حتى أن تردِّدها وتعظ بها الآخرين. ما مدى طاعتك لما تعرفه؟! هذا هو المَحَكّ الحقيقي!
3. الإيمان القلبيقال فيلبس للوزير الحبشي عندما سأله أن يعتمد بالماء: «إِنْ كُنْتَ تُؤْمِنُ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ يَجُوزُ» (أعمال8: 37). ويُصَرِّح الرسول بولس: «لأَنَّكَ إِنِ اعْتَرَفْتَ بِفَمِكَ بِالرَّبِّ يَسُوعَ وَآمَنْتَ بِقَلْبِكَ أَنَّ اللهَ أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ خَلَصْتَ. لأَنَّ الْقَلْبَ يُؤْمَنُ بِهِ لِلْبِرِّ وَالْفَمَ يُعْتَرَفُ بِهِ لِلْخَلاَصِ. لأَنَّ الْكِتَابَ يَقُولُ: كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ لاَ يُخْزَى» (رومية10: 9‑11). وهذا ليس معناه أنه إيمان عاطفي، لكن القلب في الكتاب المقدس يُعَبِّر عن إرادة الإنسان الداخلية وتوجهاته ودوافعه. ليس الإيمان إذًا مجرد الاقتناع العقلي بعقيدة ما، ولا هو التأثُّر العاطفي بممارسات مُعَيَّنة؛ لكنه قرار واعٍ نابع من الإرادة التي عمل فيها الروح القدس وأقنعها بالاحتياج إلى الرب يسوع المُخَلِّص.
4. الإيمان الشخصي
أولاً: إنه إيمان بشخص الرب يسوع المسيح وليس بعقيدة أو مجموعة من الحقائق، وهذا ما سَبَقت الإشارة إليه (اقرأ مثلاً: يوحنا1: 12؛ 3: 18)، وأُضيف هنا أن الذي يؤمن إيمانًا قلبيًّا بهذا الشخص العظيم الفريد الجليل فيَخلُص، يدخل معه فورًا في علاقة روحية شخصية مباشرة وحيَّة ومستمرة وأبدية.
ثانيًا: إنه إيمان فردي يَخُصُّك أنت شخصيًّا. لقد كانت معظم لقاءات الرب يسوع التي أدَّت لتغيير حقيقي في حياة الأشخاص لقاءات فردية. إنها قائمة طويلة جدًّا؛ نذكر منها: يوحنا وأندراوس وبطرس وفيلبس ونثنائيل ونيقوديموس والمرأة السامرية (يوحنا1‑4)، ومتى (مرقس2: 14)، وزكا (لوقا19)، والرجل الأبرص (متى8)، إلخ.
إن دعوة الرب يسوع لي ولك، يا صديقي القارئ، كانت وما تزال حتى الآن: «تَعَالَوْا إِلَيَّ يَا جَمِيعَ الْمُتْعَبِينَ وَالثَّقِيلِي الأَحْمَالِ وَأَنَا أُرِيحُكُمْ» (متى11: 28)؛ لاحظ «إليَّ»، وليس إلى أي شيء آخر!
5. الإيمان المُثمِرإنه الإيمان الذي يأتي بثمر. قال الرب يسوع في مَثَل الزارع (متى13) عن أربعة أنواع من التربة: الطريق والأرض المُحجِرة والأرض التي بها أشواك والأرض الجيدة. إن ما يُمَيِّز الأرض الجيِّدة هو أنها تأتي بثمر مستمر ومتضاعف، مع أن كل أنواع التربة الأخرى قَبِلَت البذار نفسها وكان الزارع واحدًا، وبعضها أثمر ولكن «إلى حين». قال يعقوب عن الإيمان الحقيقي أنه «إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَعْمَالٌ، مَيِّتٌ فِي ذَاتِهِ»، وأيضًا: «أَرِنِي إِيمَانَكَ بِدُونِ أَعْمَالِكَ، وَأَنَا أُرِيكَ بِأَعْمَالِي إِيمَانِي» (يعقوب2: 17‑18). لقد اتفقنا، يا صديقي، أن أعمالنا لا يمكن أن تكون ثمنًا لأي شيء، لكننا، كما يقول الكتاب، «مَخْلُوقِينَ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ لأَعْمَالٍ صَالِحَةٍ، قَدْ سَبَقَ اللهُ فَأَعَدَّهَا لِكَيْ نَسْلُكَ فِيهَا» (أفسس2: 10).