بدأنا الحديث في العدد السابق عن ثلاثة أمور يفعله المؤمن نهارًا وليلاً، أي بمواظبة، ونكمل في عددنا هذا..
4- خدمة الربكان الرسول بولس يحب النفوس كثيرًا، فكان يبشِّر الخطاة ليأتوا إلى الرب، وبعد ذلك يعلّمهم كلمة الله حتى يعرفوا الحق ويعيشوا به. وكان كالراعي الذى يعتني بخرافه ويسهر على سلامتهم الروحية، وكالأب الذي يعظ أولاده ويشجِّعهم لكي يسلكوا كما يحِقّ لله، وكالأم المرضعة أولادها يتعامل معهم بحنان وشفقة، فكان ينذر المخطئ بدموع لكي يرجع عن خطئة. كان حارسًا أمينًا، ساهرًا على قطيع الرب، ليكونوا أصحاء روحيًا؛ فكان يحذِّر كل واحد على إنفراد، طبقًا لحالته، حتى يكون ثابتًا في الرب عائشًا حياة البر والقداسة.
كان كل مؤمن له مكان في عواطف الرسول بولس، لذلك عندما استدعى قسوس كنيسة أفسس قال لهم: «أني ثلاث سنين ليلاً ونهارًا لم أفتُر عن أن أنذر بدموع كل واحد» (أعمال20: 31).
ليعطنا الرب أن يكون لنا قلب الراعي الذى يحب الخراف و يسهر على سلامتها ليلآً ونهارًا ويتعب من أجلها كما هو مكتوب: «مكثرين في عمل الرب كل حين عالمين أن تعبكم ليس باطلاً في الرب» (1كورنثوس15: 58).
5- أتعاب الخادمطريق الخدمة ليس سهلاً بل به الكثير من الأتعاب والآلام. والرسول بولس كخادم أمين للمسيح احتمل الكثير من الأتعاب والآلام حتى قال عن نفسه إنه: في الأتعاب أكثر، في الضربات أوفر، في السجون أكثر، في الميتات مرارًا كثيرة. من اليهود خمس مرات قبلت أربعين جلدة إلا واحدة، ثلاث مرات ضُربت بالعصي، مرة رُجمت، ثلاث مرات انكسرت بي السفينة، ليلاً ونهارًا قضيت في العمق (في عرض البحر) بالإضافة إلى التعب والكد والسهر، الجوع والعطش، البرد والعري، والسفر مرات كثيرة، والتعرض لأخطار السيول واللصوص.
6- سهر ضد الأعداءعندما كان نحميا ومن معه يبنون سور أورشليم المنهدم، فسمع الأعداء: سنبلط الحوروني وطوبيا العبد العموني وجشم العربي، فهزأوا بهم واحتقروهم واغتاظوا كثيرًا، وبعد أن رُممت أسوار أورشليم والثغرات ابتدأت تُسد، غضبوا جدًا وتآمروا جميعهم معًا أن يأتوا ويحاربوا أورشليم ويعملوا بها ضررًا. فصلى نحميا وأقام حراسًا ضدهم نهارًا وليلاً، وأوقف الشعب وراء السور وعلى القمم بسيوفهم ورماحهم وقسيهم (نحميا4: 9-13). لقد سهر الحراس للدفاع عن المدينة من هجمات الأعداء.
ونحن لنا أعداء روحيين هم: العالم والشيطان والجسد، ولا بد أن نسهر ونتيقظ لكي لا ننهزم بل ننتصر.
فالعالم له مغرياته: شهوة الجسد وشهوة العيون وتعظم المعيشة، والتحريض لنا: «لا تحبوا العالم ولا الأشياء التي في العالم» (1يوحنا2: 15).
والشيطان له حيله ومكره وخداعه وشراسته، لذلك علينا أن نسهر كما هو مكتوب: «اصحوا واسهروا. لأن إبليس خصمكم كأسد زائر، يجول ملتمسًا من يبتلعه هو. فقاوموه، راسخين في الإيمان» (1بطرس5: 8، 9).
والجسد الفاسد الذى فينا يشتهي ضد الروح، لكن شكرًا للرب لأن الروح ضد الجسد، لذلك علينا أن ننتصر عليه بقوة الروح القدس كما هو مكتوب: «بالروح تميتون أعمال الجسد» (رومية8: 13).
ليعطِنا الرب أن نسهر ونقاوم هؤلاء الأعداء ونعيش حياة النصرة فنهتف قائلين «يعظم انتصارنا بالذي أحبنا» (رومية8: 37).
7- إحتمال الضيققال الرب يسوع لتلاميذه: «في العالم سيكون لكم ضيق، ولكن ثقوا: أنا قد غلبت العالم» (يوحنا16: 33)، إن من يتبع الرب يسوع لا بد أن يحتمل الضيق، ومن يعيش بالتقوى لا بد أن يُضطهد «وجميع الذين يريدون أن يعيشوا بالتقوى في المسيح يسوع يُضطهدون» (2تيموثاوس3: 12). لقد أبغضوا الرب يسوع الذي قال: «إن كان العالم يبغضكم فاعلموا أنه قد أبغضنى قبلكم... إن كانوا قد اضطهدوني فسيضطهدونكم» (يوحنا15: 18،20).
قال مرنم مزمور42 «صارت لي دموعي خبزًا نهارًا وليلاً إذ قيل لي كل يوم: أين إلهك؟» أي كان يبكي نهارًا وليلاً بسبب مضايقة وتعيير الأشرار. لكن علينا أن نتشجع بالرغم من الضيق والألم، ناظرين إلى مثالنا العظيم ربنا يسوع المسيح الذي إذ شُتم لم يكن يشتم عوضًا، وإذ تألم لم يكن يهدد بل كان يُسلم لمن يقضي بعدل (1بطرس2: 23).
8- العمل الزمنيأوصى الرب الإله آدم قبل دخول الخطية أن يعمل في الجنة ويحفظها، وبعد دخولها قال له: «بعرق وجهك تأكل خبزًا» (تكوين2: 15؛ 3: 19). وهذا يرينا أهمية العمل الزمني لكي يوفر الإنسان إحتياجاته اليومية، والكتاب أوصى بأهمية العمل والنشاط؛ فعلى سبيل المثال قال: «الرخاوة لا تمسك صيدًا. أما ثروة الإنسان الكريمة فهي الإجتهاد»، «نفس الكسلان تشتهي ولا شيء لها ونفس المجتهدين تسمن»، «أرأيت رجلاً مجتهدًا في عمله. أمام الملوك يقف لا يقف أمام الرعاع» (أمثال12: 27؛ 13: 4؛ 22: 29، اقرأ أيضًا أمثال10: 4؛ 12: 24؛20: 13؛ جامعة11: 6).
كما يحذِّرنا من الكسل والتراخي بالقول: «اذهب إلى النملة أيها الكسلان. تأمل طرقها وكن حكيمًا. التي ليس لها قائد أو عريف أو متسلط. وتُعِد في الصيف طعامها وتجمع في الحصاد أكلها. إلى متى تنام أيها الكسلان؟ متى تنهض من نومك؟ قليل نوم بعد قليل نعاس وطي اليدين قليلاً للرقود. فيأتي فقرك كساعٍ وعوزك كغازٍ» (أمثال6: 6-10).
والرسول بولس كان يعمل في صناعة الخيام وكان يشتغل بتعب وكَدٍّ ليلاً ونهارًا لكي لا يُثقل على أحد من المؤمنين (1تسالونيكي2: 9؛ 2تسالونيكي3: 8). وأوصى المؤمنين أن يشتغلوا بهدوء ويأكلوا خبز أنفسهم، وإن كان أحد لا يريد أن يشتغل فلا يأكل أيضًا.
* * * * *
ليعطِنا الرب أن نلهج في كلمته نهارًا وليلاً، ونصلي كل حين، ونسير وراء الرب باستمرار، ونخدمه على الدوام، ونتعب، ونسهر على حياتنا الروحية، ونحتمل الضيق طوال الرحلة، ونعمل بنشاط دون كسل.