1993في كتابه الشهير “العادات السبع للناس الأكثر تأثيرًا”، يُقدّم “ستيفن كوفي” نظرية في سبع عادات لمن يريد أن يُصبح ناجحًا في عمله، وفي تأثيره على مَن حوله.
العادة الأولى: كن فعّالاً ومُبادرًا: تحكَّم في حياتك، وبرمج لها. وابذل قصارى جهدك للالتزام بوعودك بإخلاص، وحاول تذليل الصعاب التي تحول دون ذلك.
العادة الثانية: ابدأ بالنهاية: ابدأ والهدف في ذهنك. ضع النهاية التي تتمناها ليومك منذ الصباح، بل ضع نهاية حياتك التي ترجوها في عقلك منذ الآن. وركِّز على ما تريد أن تكون، وعلى الشخصية التي تحب أن تكونها.
العادة الثالثة: ضع الأهم أولاً: رتّب ما خططته حسب الأهمية والأولوية، ليأتي الأهم في المقدمة ويليه المهم، ثم الأقل أهمية. لا بد أن تعرف الأهم أولاً ثم تُعطيه الأولوية القصوى.
العادة الرابعة: النجاح للجميع: الحياة تصبح صعبة إذا نظرنا إليها بمنطق: إذا كسب الآخرون فسأخسر أنا. ولكن لماذا لا يكون النجاح للجميع؟ هناك اختيار ثالث دائمًا يُحاول إصلاح العلاقة وفوز الطرفين معًا.
العادة الخامسة: افهم أولاً: اسعَ لفهم الآخرين أولاً، لكي تتواصل معهم، لأن التواصل بمحبة واحترام هو من أهم مهارات الحياة، والفشل في التواصل هو من أهم أسباب الفشل.
العادة السادسة: التكاتف والتناغم مع الآخرين: فعندما تعمل جميع الأجزاء معًا بتناغم وتكاتف، فإن النتيجة تكون أفضل من عمل الجزء بمفرده. وباحترام الآخرين، وبالتعاون والثقة، يُمكنك الوصول إلى هذا التناغم والتكاتف.
العادة السابعة: تجديد الطاقة: كثرة العمل تؤدي إلى الإرهاق والتوتر وعدم التركيز، مما يستدعي أخذ راحة. فحاول أن تُجدد طاقتك، وأن تستعيد الطاقة التي لديك. لا تيأس، فاليأس ليس حياة، ولكن اعتبره دعوة إلى التجدد؛ دعوة لأن تخطو من جديد، دعوة لتتعلَّم من فشلك أو من نقطة نهايتك السابقة.
وأثناء حديثه عن العادة الثانية: ابدأ بالنهاية، وجَّه “ستيفن كوفي” دعوة لكل شخص: “احضر جنازتك!”. ماذا يعني؟! اسمح لي أن اشرح لك ما فهمته:
تخيَّل نفسك ذاهبًا إلى جنازة شخص تُحبه، وإذا بجمع غفير من الناس، يُحيط بمكان الاجتماع، ولا مكان لوطأة قدم؛ أناسٌ من جميع الأعمار، ومن مختلف أطياف وطوائف وخلفيات المجتمع، ومن جميع أنحاء البلاد، فضلاً عن الأهل والأصدقاء والجيران والزملاء، بل وأساتذتك في الجامعة وزملائك وزميلاتك!
وبينما أنت تشق طريقك إلى الداخل، بصعوبة بالغة، بسبب الزحام الشديد والأعداد الغفيرة، تلاحظ وجود عشرات من باقات الزهور، عليها بطاقات تعزية تحمل كلمات لم تُكتب بمداد بل بدماء نُزفت من قلوب أدماها الفراق، وتلاحظ عيون ألهبها بكاء استمر ساعات طوال، وعلى كل الوجوه آثار لوعة فراق الشخص الذي تمتعوا بمعرفته ورفقته.
وبينما تسير إلى قاعة الاجتماع لتلقي نظرة على التابوت والصور المُعلَّقة فوق منصة الاجتماع، تكتشف أنك تقف وجهًا لوجه أمام نفسك. حضرتك هو المتوفي! إنها جنازتك التي ستكون في المستقبل، بعد عمر طويل إن شاء الله!
إنها جنازتك! لقد حضر جميع الناس لتكريمك وللتعبير عن مشاعر حبهم وتقديرهم لك.
وها أنت تجلس في حفل تأبينك ووداعك، وتنظر إلى برنامج الجنازة في يدك. سوف يكون هناك أربعة متحدثين:
المتحدث الأول هو أحد أساتذتك الأجلاء الذي تولى تدريسك لسنوات في الجامعة.
المتحدث الثاني هو أحد زملاء الدراسة.
المتحدث الثالث هو صديقك الحميم الذي يُمكنه إلقاء الضوء على شخصك.
المتحدث الرابع هو أحد خدام الرب الذي يخدم في الاجتماع الذي تواظب على حضوره.
والآن فكِّر بعمق – قبل أن يبدأ الاجتماع – ما الذي تود أن يقوله كل واحد من هؤلاء عنك وعن حياتك؟ كيف تريد منهم وصفك كطالب أو صديق أو زميل أو ابن أو كمؤمن مسيحي؟
ما هي الشخصية التي تود أن يراك عليها الجميع؟ ما هي الصفات التي تُحب أن يصفوا بها حياتك؟ ما هي التأثيرات والإسهامات والإنجازات والانطباعات التي تركتها؟ ما هو الفرق الذي أحدثته في حياة مَن حولك؟ هل سيكتشفون أن هناك شيئًا هامًا وشخصًا غاليًا أصبح ينقص حياتهم؟ ثم ما هو تأثير خبر انتقالك على مَن حولك؟
عـزيـزي: دوِّن ملاحظـاتـك وانطباعاتك عن جنازتك؟ وتأكد أن ما تحب أن تراه أو تسمعه فيها، يجب أن تحياه من الآن. ضع نهاية حياتك التي ترجوها في عقلك منذ الآن. وركِّز على ما تريد أن تكون، وعلى الشخصية التي تحب أن تكونها.
كانت هذه بعض الأفكار التي راودتني في طريق عودتي من أسيوط، بعد حضوري هذه الجنازة المهيبة الرهيبة الغير المسبوقة: جنازة “ماركو محب نصيف”. ربما هو لم يقرأ كتاب “العادات السبع للناس الأكثر تأثيرًا”، ولكن الروح القدس علَّمه كل ما احتاجه لتكون جنازته بهذه الهيبة والتأثير الطاغي. ويا للشهادات التي تزاحمت على أفواه كل مَن تكلَّم؛ أساتذته، زميلاته، زملائه، رفقائه، المؤمنين، شركاء والده في خدمة الرب:
“الرب ميَّزه بكل الصفات الحلوة... كان يسعى لإسعاد الجميع... اجتهد أن يُريح كل من يتعامل معه... عاش حياة لا تعرف الأنانية... كان يُسَرّ بالعطاء وخدمة الآخرين... ترك لمسات حلوة فينا كلنا... كانت له علاقة حقيقية مع الله... علَّمنا إن الحياة يجب أن تُعاش بجدية واحترام... ترك أثرًا لا يُمحي في كل مَن تعامل معه... كان يعلم أن حياته قصيرة وكان يشعر بالغربة... رغم إحساسه بقرب يومه لكنه لم يقصِّر في مسؤولياته... عاش كما يحق للرب... كان كثير الأفعال وقليل الكلام... كان يُشيع جوًا من الفرح والبهجة والمرح في كل مكان يتواجد فيه... كان يتعامل معنا بكل إخلاص ونقاوة... عمل كل حاجة حلوة وعمره ما انتظر معاملة بالمثل أو مقابل... اتعلمنا منه أثناء حياته، لكن موته ترك لنا أهم درس... موته مثل القارورة التي كُسرت فامتلأت الدنيا برائحة الطيب الذكية... لو كان فرحه بدل جنازته ما كان يترك هذا الأثر في الآخرين، لاتخاذ قرارات للرجوع لله بالتوبة”.
وكانت المناحة العظيمة، والدموع السخينة، وصوت البكاء الذي فشل الكل في حبسه، وآلاف الأتقياء الذين حملوه، واجتماعات الصلاة في كل العالم من أجل أسرته؛ كلها شاهدة عن صدق ما قيل عنه، عن شاب لم يُكمل الحادية والعشرين!
ومسحت دموعي، وقلت لنفسي: هكذا تكون الحياة.. وهكذا يكون الموت.
وقرَّرتُ يا “ماركو” أن أحضر جنازتي!