كانت هذه العبارة ضمن أحد حوارات ألبوم من ترانيم الأطفال كُنَّا نسمعه في طفولتنا، بل وحفظناه تقريبًا عن ظهر قلب. كان الحوار يدور هكذا: “يا ترى لما نكبر، ها نبقى إيه؟” وكانت هناك أصوات أطفال مختلفين يُعَبِّر كلٌّ منهم عن أمنيته أن يُصبِح “مهندسًا” أو “طبيبًا” أو “مُعلمة” إلخ، ويختم كلٌّ أمنيته بالسؤال: “يا ترى دا ممكن ولا مش ممكن؟” فيأتي الرد جماعيًّا: “طبعًا ممكن!”
كانت هذه الكلمات تتردد في ذهني كثيرًا. وفي أوقات كنتُ أظن أن شيئًا ما من المستحيل أن يحدث، كنتُ أجدني أُرَدِّد: “طبعًا ممكن!”، وأُذَكِّر نفسي بأنه: «لَيْسَ شَيْءٌ غَيْرَ مُمْكِنٍ لَدَى اللهِ» (لوقا1: 37)، و«غَيْرُ الْمُسْتَطَاعِ عِنْدَ النَّاسِ مُسْتَطَاعٌ عِنْدَ اللهِ» (لوقا18: 27). وبقول الرب يسوع المُدهِش لأبي الولد المصروع الذي صرخ إلى الرب: «إِنْ كُنْتَ تَسْتَطِيعُ شَيْئًا فَتَحَنَّنْ عَلَيْنَا وَأَعِنَّا»، فأجابه: «إِنْ كُنْتَ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُؤْمِنَ فَكُلُّ شَيْءٍ مُسْتَطَاعٌ لِلْمُؤْمِنِ» (مرقس9: 22‑23).
صديقي، هل أنت مُحبَط؟ هل فقدتَ الأمل في أن تتغيَّر حياتك إلى الأفضل؟ هل حاولت كثيرًا في أمر ما أو عدة أمور وفشلت؟ لست أنوي أن نتحدث عن كل ما هو “ممكن” لدى الله ولا عن كل ما هو “مُستَطَاع” للمؤمن، لكن ما أريد أن أشاركك به هو أن التغيير ممكن... “طبعًا ممكن!” فالله يستطيع أن يُغيِّر حياتك.
1. لأنه يريد
إن كُنتَ، يا عزيزي، لا تزال في حالة الانفصال عن الله، وتبحث وسط “الخُرنوب الذي كانت الخنازير تأكله” عن شيء تسد به جوعك، فدعني أُذَكِّرك بمشهد الأب الذي كان ينتظر رجوع ابنه من “الكورة البعيدة” والذي ما أن رآه من بعيد حتى «تَحَنَّنَ وَرَكَضَ وَوَقَعَ عَلَى عُنُقِهِ وَقَبَّلَهُ» وتغَيَّرت من ذلك اليوم حال الابن الذي ضَلَّ وأضاع كل شيء ولكنه قَرَّر أن يرجع إلى بيت أبيه (لوقا15).
لقد أعلنت كلمة الله صَرَاحةً أن الله «يُرِيدُ أَنَّ جَمِيعَ النَّاسِ يَخْلُصُونَ وَإِلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ يُقْبِلُونَ» (1تيموثاوس2: 4)، بل إنه «يَأْمُرُ جَمِيعَ النَّاسِ فِي كُلِّ مَكَانٍ أَنْ يَتُوبُوا مُتَغَاضِيًا عَنْ أَزْمِنَةِ الْجَهْلِ» (أعمال17: 30).
وإن كُنتَ قد حصلتَ على الحياة الأبدية المُقَدَّمة مجانًا في المسيح يسوع، وما زلت تُعاني - مثلي - من بعض الأمور التي تحتاج إلى تغيير في حياتك، فدعني أُشَجِّع نفسي وأُشَجِّعَك بأنها وصية صريحة لنا جميعًا أن «لاَ تُشَاكِلُوا هَذَا الدَّهْرَ بَلْ تَغَيَّرُوا عَنْ شَكْلِكُمْ بِتَجْدِيدِ أَذْهَانِكُمْ لِتَخْتَبِرُوا مَا هِيَ إِرَادَةُ اللهِ الصَّالِحَةُ الْمَرْضِيَّةُ الْكَامِلَةُ» (رومية12: 2). بل إن الروح القدس يعد التغيير نتيجة تلقائية للتأمل المستمر في “مجد الرب”: «وَنَحْنُ جَمِيعًا نَاظِرِينَ مَجْدَ الرَّبِّ بِوَجْهٍ مَكْشُوفٍ، كَمَا فِي مِرْآةٍ، نَتَغَيَّرُ إِلَى تِلْكَ الصُّورَةِ عَيْنِهَا، مِنْ مَجْدٍ إِلَى مَجْدٍ، كَمَا مِنَ الرَّبِّ الرُّوحِ» (2كورنثوس3: 18). إن الله بكل تأكيد يريد أننا نتغيَّر إلى “صورة المسيح”.
2. لأنه قال
في مَعرِض حديثه عن نفسه بوصفه “راعي الخِرَاف” و“باب الخِرَاف”، قال الرب يسوع، في مُبَايَنة بينه وبين “السارق” الذي «لاَ يَأْتِي إِلاَّ لِيَسْرِقَ وَيَذْبَحَ وَيُهْلِكَ»: «أَمَّا أَنَا فَقَدْ أَتَيْتُ لِتَكُونَ لَهُمْ حَيَاةٌ وَلِيَكُونَ لَهُمْ أَفْضَلُ» (يوحنا10: 10). إن “الراعي الصالح” لا يبذل نفسه عن الخراف فقط، لكنه أيضًا يُعطِيها “حياة” ويعطيها هذه الحياة بغنى ووفرة وسخاء كما تعني كلمة “أفضل”؛ أي إنه يُعطِي الحياة ويُعطِي معها ما يجعلنا نحياها في أفضل صورة. لذلك، تشجَّع يا صديقي! لقد أتى الرب يسوع وبذل نفسه لكي يمنحك حياة، ومن حقك أن تحياها في صورتها “الأفضل”، فلِمَ تكتفي بالفُتات؟!
3. لأنه فعل ويفعل وسيفعل
منذ دخلت الخطية إلى العالم وتَشَوَّه كيان الإنسان، والله لم يَكُف عن تغيير حَيَوَات أولئك الذين سَلَّموا نفوسهم بين يديه؛ فقصة الكتاب المقدس وتاريخ الأتقياء عبر العصور - من وجهةٍ ما - هي في الحقيقة قصة تغيير: من الهلاك إلى الخلاص، ومن الموت إلى الحياة، ومن الفوضى والانزعاج إلى السلام والهدوء، ومن ضياع المعنى إلى وضوح الهدف، ومن الانحطاط إلى السمو...
ولا يتسع المجال حتى لذكر أمثلة؛ لأنها ببساطة قصة حياة كل قديسي الله في كل الأزمان. فهناك ما لا يُحصَى مِن الخطاة الآثمين الذين تغيَّرت حياتهم أبديًّا وروحيًّا وأدبيًّا وإنسانيًّا وصاروا قديسين في المسيح، مُثمِرين في خدمة الرب ونافعين لغيرهم.
وإلى اليوم ما زال الرب يُغَيِّر مَن يأتون إليه بخطاياهم تائبين مؤمنين فيُخَلِّصهم، ومَن يأتون بضعفاتهم مُحتاجِين إلى التغيير المُستَمِر فيعمل فيهم وبهم ومعهم وتصير حياتهم من أروع ما يكون، رغم كل ما يعترضها من صعوبات واضهادات وضيقات ورغم هجمات الأعداء الشرسة ورغم ضعفهم الإنساني.
وقريبًا جدًّا سيأتي يوم فيه نصير على صورة المسيح، لا في أرواحنا فقط بل في أجسادنا أيضًا. إننا نعيش هنا والآن على الأرض، ولكن لأن جنسيتنا سماوية فإننا ننتظر من “السماوات” «مُخَلِّصًا هُوَ الرَّبُّ يَسُوعُ الْمَسِيحُ، الَّذِي سَيُغَيِّرُ شَكْلَ جَسَدِ تَوَاضُعِنَا لِيَكُونَ عَلَى صُورَةِ جَسَدِ مَجْدِهِ، بِحَسَبِ عَمَلِ اسْتِطَاعَتِهِ أَنْ يُخْضِعَ لِنَفْسِهِ كُلَّ شَيْءٍ» (فيلبي3: 20‑21). يومها سنلبس «صُورَةَ السَّمَاوِيِّ»، وهذا هو السر الذي أعلنه الوحي بفم الرسول بولس: «هُوَذَا سِرٌّ أَقُولُهُ لَكُمْ: لاَ نَرْقُدُ كُلُّنَا وَلَكِنَّنَا كُلَّنَا نَتَغَيَّرُ، فِي لَحْظَةٍ فِي طَرْفَةِ عَيْنٍ، عِنْدَ الْبُوقِ الأَخِيرِ. فَإِنَّهُ سَيُبَوَّقُ فَيُقَامُ الأَمْوَاتُ عَدِيمِي فَسَادٍ وَنَحْنُ نَتَغَيَّرُ» (1كورنثوس15: 49‑52)، وهكذا سيحدث التغيير النهائي الذي بعده سنعيش إلى أبد الآبدين في بيت الآب ونكون «كُلَّ حِينٍ مَعَ الرَّبِّ» (1تسالونيكي4: 17).
4. هل تريد؟
هل التغيير ممكن؟! “طبعًا ممكن!” لكن أود أن أؤكد لك يا صديقي أن الله لن يُجبِرَك عليه. إنه يحترم إرادتك ولا يقتحمها، ولن يجعلك تعمل أشياء لا تريدها. إن كنت لا أستطيع، فهو عنده من القُدرة ما يكفي ليُمَكِّنني، لكن إن كنت لا أُريد، فلن يُجبِرَني؛ لأنه يحترمني ويحترم حرية إرادتي التي وهبني إياها. لذلك، يا عزيزي، ينبغي أن تريد أن تتغيَّر، وأن يكون لديك الاستعداد الدائم أن تعمل مع الله وأن تستمع لصوته وتَقبَل توجيهاته وتُنَفِّذ وصاياه وتتَّبِع إرشادات كلمته وتكون حسَّاسًا لقيادة روحه. فإن كان عند الله إمكانية التغيير؛ أي أن يُغَيِّر حياتك، فلا بُد أن يكون عندك قابلية التغيُّر!