أخر فرصة أم ضاعت كل فرصة


من سلسلة: قصة
“تُرى أهي آخر فرصة أم ضاعت كل فرصة؟”  عبارة قالها مجدي، الطالب بالسنة الثالثة بكلية التجارة “إنجليزي”، وكان ذلك بعد أن ألقَتْ به السيارة “الميكروباص” على جانب الطريق تجاه الترعة الإبراهيمية، وذلك إثْر تصادم مروِّع بين سيارتين إحداهما من الأمام والأخرى من الخلف

تُرى أهي الأخيرة..  أم ضاعت؟
كان مجدي قد حضر اجتماعًا في إحدى الكنائس بأسيوط، وكان المبشِّر يشرح طريق الخلاص بدم المسيح، الذي قدَّمه فدية نيابة عنا على عود الصليب، لكي يغفر خطايانا ويطهرنا من كل إثم.  وبناء على ذلك فإن أي شخص بعيد، مهما كانت خطاياه، ومهما كثرت ذنوبُه، ومهما كانت أعماله الردية، إذا أتى بإيمانٍ قلبي، وبتوبة حقيقية، وندم صادق على ما فعله ضد الله وضد أخيه الإنسان؛ فإن الرب يقبله ويعطيه حياة جديدة، حياة أبدية، بل ويصير ابنًا لله كما هو مكتوب «وأما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطانًا أن يصيروا أولاد الله؛ أي المؤمنون باسمه» (يوحنا1: 12).

بعد هذا رنم الجميع الترنيمة التي تقول:
“دِِِلوقتِِ عندك فرصة.. يمكن آخر فرصة”
ثم نزل المبشِّر من على المنبر، وسار وسط الصفوف وهو يرنِّم، ثم وقف أمام مجدي، وعيناه في عينيّ الشاب، وهو يقول:
“دلوقت عندك فرصة.. يمكن آخر فرصة
الباب مفتوح قدامك.. ما تأجلش لبكرة”

يقول مجدي:
تأثّرتُ كثيرًا بكلام المبشر، وأدرتُ وجهي بعيدًا للأنني لم أستطع أن أقاوم تأثير الروح القدس.  ولكنني قلت: “غدًا إنشاء الله سوف أذهب إلى قريتي، وبعدها أسلِّم حياتي للرب.   أنا خلاص اقتنعت”.

 في ظهر اليوم التالي ذهبتُ إلى موقف السيارات، وكانت سيارة المتجهة إلى قريتنا منتظرة شخصًا واحدًا فقط.   ناداني السائق قائلاً “اركب يا أستاذ مجدي لكي نتحرك”.  ركبت وكان مقعدي بجانب باب السيارة.

أثناء سير الميكروباص في الطريق العام، وفي أحد المنحنيات، توقفتْ أمامنا فجأة سيارة محمّلة بالحجارة، فاصطدمتْ بالميكروباص في الجانب الأيمن الأمامي.  وفي خلال لحظات، اصطدمتْ بنا سيارة أخرى من الخلف في الجهة اليسرى.  وفي الحال، فُتحَ الباب وقذفتني السيارة إلى جانب الطريق.  وعندها، تذكَّرتُ كلمات المبشِّر؛ فصرخت “يارب أعطني فرصة..  أعطني آخر فرصة”.  وظللتُ أتوسل بصراخٍ شديد إلى الرب أن يمنحني آخر فرصة، بينما أنا أتقلَّب على الأرض في اتجاه الترعة، والدم ينزف من كتفي الأيمن بغزارة، حتى غشى الظلامُ عينيّ...  ولا أدري ماذا حدث بعد ذلك، لكنني فقط أتذكَّر المرارة الرهيبة التي كُنتُ أعانيها وأنا أصرخ “آه، لقد ضاعتْ الفرصة إلى الأبد..  من فضلك يارب أعطني فرصة أخيرة.  فرصة واحدة أخيرة”.

يقول السائق:
تعاون الأهالي، الذين تصادف وجودهم في ذلك الوقت، وطلبوا الإسعاف والنجدة، وقاموا بنقلنا جميعًا إلى المستشفى الجامعي بأسيوط، وأُجرِيتْ جميع الإسعافات اللازمة.  وبعد أخذ بياناتي كاملة، تم استجوابي كالآتي:
-كم عدد الركاب الذين كانوا معك؟
أجبت: أحد عشر راكبًا، وأنا.   أي أننا جميعًا إثنا عشر.

هنا انزعج المحقق وهتف: إن عدد الركاب الذين وصلوا هنا عشرة أفراد فقط.   تأكد من فضلك!
أجبته: أنا متأكد، وآخر شخص ركب معي كان الأستاذ مجدي.
أخذ المحقِّق يراجع أسماء المصابين، ثم هتف بانزعاج: لا يوجد أحد اسمه مجدي هنا.
وأخذني لأرى المصابين، فلم أجد مجدي بينهم.  اتصل المحقِّق على الفوْر برجال الشرطة المتواجدون كحرس على الميكروباص، وأمرهم بضرورة البحث عن شاب كان ضمن الركاب ولم يصل إلى المستشفى.  بعد حوالي عشرين دقيقة، أفادتْ الإشارة القادمة من الحرس بأنهم عثروا على شاب مصاب ومُلقى على حافة الترعة خلف جذع نخلة.
ويقول قائد سيارة الإسعاف:
في الحال انطلقت سيارة الإسعاف من قسم الاستقبال، متّجهة إلى مكان الحادث، ولكننا تشككنا في كون الشاب حيُّ بعد.  ولكن أثناء حمله، شعرنا بنبض ضعيف في رسغه؛ فقمنا بنقله بسرعة إلى سيارة الإسعاف المجهزة بالمحاليل اللازمة.  ثم وصلنا إلى المستشفى، حيث قام الأطباء على الفور بنقل الدم الذي كان في شديد الاحتياج إليه.
ولنستمع إلى مجدي الآن:
سمعتَُ صوتَ أمي تبكي وتناديني باسمي “آه يا مجدي..  آه يا حبيبي”.  وسمعتُ صوت أبي يتأوه بصوت متحشرج وهو يردد القول “يا رب.. يا رب”.  بعد فترة، لا أدري مداها، فتحت عينيّ، وتطلّعتُ بالغرفة، وأومأتُ إلى أمي بأنني بخير.
جاء طاقم الأطباء، وأخذوا يتكلمون مع بعضهم قليلاً، ثم طمأنوا أبي وأمي بأنني في حالة مطمئنة جدًا، وأنني سوف أقضي بالمستشفى يومين تحت الملاحظة.  وسمعت أبي وأمي يقدمون كلمات الشكر لطاقم الأطباء.
ما إن بدأتُ أسترد وعيي وأتذكر ما حدث، حتى أخذتُ أردد بصوتٍ عالٍ: “أشكرك يا رب لأنك أعطيتني فرصة أخرى، بعد أن ضيَّعت كل الفرصْ.  أنا الآن حي..  بل إنني أشعر إنني كنت ميتًا والآن حي.  كم أنت عظيم يا إلهي!  إن العمر الذي وهبته لي هو هدية النعمة، وسوف أكرسه لك”.
كانت الساعة تقترب من التاسعة مساء، وأتذكَّر أنني كنت قد ركبتُ الميكروباص الساعة الثانية عشر ظهرًا.  
سمعتُ الممرض يقول لي: “اشكر الله، فبعد أن كنتَ على حافة الموت وأُسعِفتَ بنقل الدم رجعتَ للحياة من جديد”.  قلت في نفسي: “بل إنني أشكرُ الله لأنه بعد أن كنتُ ميتًا روحيًا؛ بفضل دمُ المسيح وُهبت حياة أبدية”.
ومن تلك اللحظة وأنا أعيش تلك الفرصة الأخيرة لمجد الرب.
ليت الرب يستخدم قصتي هذه لتوقظ شخصًا يقوم بتأجيل أمر خلاصِه ولينتهز الفرصة، فربما تكون آخر فرصة.

بينما المجلة في طريقها للطباعة، وصلنا نبأ رقاد الأخ الحبيب/ صدقي فهمي، كاتب هذه المقالة.  وقد عاش بيننا أخًا محبًا ومحبوبًا من الجميع، برقته ووداعته؛ فرأى فيه كل من عاملوه انعكاسًا جميلاً لسمات الرب يسوع.  وإذ أكمل خدمته بأمانة، انطلق ليكون مع المسيح، فيالغبطته!  
وأسرة المجلة تصلّي أن يجزل الرب التعزية لأسرته ولكل من تألم في فراقه.  كما ترجو أن يلتفت القارئ العزيز إلى قوة هذه الرسالة الأخيرة التي تركها لنا الأخ الفاضل، الذي اغتنم الفرصة وأكرم سيده، فليتنا نفعل جميعًا كذلك.