في بلد ليست المسيحية على نطاق واسع من الانتشار فيها، لفت انتباه رجل ينتمي لديانة أخرى عبارةٌ مكتوبة على إحدى مكتبات الكنائس في عاصمة هذا البلد. كانت العبارة المُلصَقة على زجاج الواجهة الخارجية للمكتبة تقول: «تعالوا إليَّ... وأنا أُريحكم!». ما أَن قرأ الرجل هذه العبارة، حتى دخل إلى المكتبة يسأل مُتَلَهِّفًا: “من هذا الذي يُريح؟! من فضلك أريد أن أتعرَّف عليه!”. أخذه مدير المكتبة؛ وهو خادم للرب، إلى مكتبه، وبعد ربع الساعة كان هذا الرجل يصرخ إلى الرب يسوع الذي يُريح المتعَبين كي يُخَلِّصه ويُريحه من خطاياه وما جلبته له من متاعب ومشكلات!
إنها بلا شك من أشهر آيات الكتاب المقدس. تسمع عنها عظات في الكنائس وعلى شاشات الفضائيات المسيحية. إنها أروع دعوة يمكن أن تصل إليك. وتكتسب هذه الدعوة أهمية خاصة إذا علمنا أنها لم تَرِد إلا في إنجيل متى؛ أي إن الذي يُقَدِّم لك هذه الدعوة الكريمة هو المَلِك شخصِيًّا؛ الرب يسوع المَلِك! بل وتتعجب، يا صديقي، عندما تعرف أن هذا المَلِك لم يُقَدِّم دعوته هذه وهو محبوب من شعبه ومرغوب فيه منهم!
منذ ظهوره لشعبه علانيةً، ابتدأ الرب يسوع يُعلِن عن نفسه، ويُبَرهِن أنه حقًّا المسيا الذي ينتظرونه، صانعًا مُعجزات لا حصر لها، ومُعَلِّمًا بكلام لم يتكلَّم به أحد من الناس قط... لكن ماذا حدث؟ لم تَتُب المُدُن التي صنع فيها أكثر قُوَّاته (متى11: 20-24). وبعدها بقليل، قال عنه رؤساء الشعب: «هَذَا لاَ يُخْرِجُ الشَّيَاطِينَ إِلاَّ بِبَعْلَزَبُولَ رَئِيسِ الشَّيَاطِينِ» (متى12: 24). لكن ماذا فعل أمام هذا الرفض السافر؟ ما أروع هذا الشخص الكريم! لم يستسلم للرثاء لنفسه ولم يطلب الانتقام، لكنه تحوَّل إلى أبيه بالشكر والحمد والثناء وتحوَّل إلى الجميع بهذه الدعوة العظيمة!
اسمع ماذا يقول الوحي: «فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ (أي في وقت رفضه من الأُمَّة) قَالَ يَسُوعُ: أَحْمَدُكَ أَيُّهَا الآبُ؛ رَبُّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، لأَنَّكَ أَخْفَيْتَ هَذِهِ عَنِ الْحُكَمَاءِ وَالْفُهَمَاءِ وَأَعْلَنْتَهَا لِلأَطْفَالِ. نَعَمْ أَيُّهَا الآبُ، لأَنْ هَكَذَا صَارَتِ الْمَسَرَّةُ أَمَامَكَ...» وبعدها مباشرةً قدَّم دعوته العظيمة: «تَعَالَوْا إِلَيَّ يَا جَمِيعَ الْمُتْعَبِينَ وَالثَّقِيلِي الأَحْمَالِ وَأَنَا أُرِيحُكُمْ. اِحْمِلُوا نِيرِي عَلَيْكُمْ وَتَعَلَّمُوا مِنِّي لأَنِّي وَدِيعٌ وَمُتَوَاضِعُ الْقَلْبِ فَتَجِدُوا رَاحَةً لِنُفُوسِكُمْ، لأَنَّ نِيرِي هَيِّنٌ وَحِمْلِي خَفِيفٌ» (متى11: 25-30).
1. إليَّ
أحلى وأروع كلمة في هذه الدعوة هي أنها دعوة للمجيء إلى شخص، وليس إلى عقيدة أو إلى أي شيء آخر مهما سَمَا! وهذا مِن أهم ما يميِّز المسيحية: أنها ليست ديانة تُضاف إلى سائر ديانات العالم، لكنها ارتباط حقيقي حيٌّ بشخص الرب يسوع المسيح نفسه.
2. جميع
ولأن الرب يسوع هو الذي دفع الثمن، فهو يدعو جميع المُتعَبين. وجميع لا تعني “مُعظَم” ولا تعني أي شيء آخر. إنها ببساطة تعني “جميع”! كل المُتعَبين في كل العصور، ومن كل الأجناس والشعوب واللغات، ومن كل الديانات والعقائد، ومن كل المستويات الاجتماعية والثقافية والتعليمية والمادية، ومن كل الأعمار، المُتعَبين بكل أنواع التعب؛ الروحي والنفسي والجسدي. إن الرب يسوع - له المجد - يُقَدِّم دعوته إلى الإنسانية كلها لأنه أفضل مَن يعلم ماذا فعلت الخطية بالإنسان، وكيف تَشَوَّه كيانه كله بسبب هذه الجرثومة الخطيرة. إن الرب يسوع يدعوك، يا صديقي المُتعَب، أن تأتي إليه كما أنت!
والدعوة ليست فقط للمُتعَبين، لكنها أيضًا للثقيلي الأحمال. إن الأحمال التي تُثقِل كاهل البشرية كلها بسبب الخطية لا حصر لها، لكن هناك ثقل آخر هو الناموس والتقليد (وكل أشكال التديُّن). قال الرب يسوع عن الفريسيين إنهم «يَحْزِمُونَ أَحْمَالاً ثَقِيلَةً عَسِرَةَ الْحَمْلِ وَيَضَعُونَهَا عَلَى أَكْتَافِ النَّاسِ وَهُمْ لاَ يُرِيدُونَ أَنْ يُحَرِّكُوهَا بِإِصْبِعِهِمْ» (متى23: 4؛ انظر أيضًا أعمال15: 10).
3. أُريحكم
يا له من وعد عظيم! لو تَجَرَّأ أي شخص آخر - إن استطاع - ووَعَد مثل هذا الوعد، لاعتبرناه كذَّابًا أو مجنونًا. فمَن يمكنه أن يُقَدِّم الراحة إلى الإنسانية التعسة؟! إنها ببساطة ليست في مُتَنَاوَل أي شخص مهما كان شأنه. ولم تقدِّم أي ديانة من ديانات العالم وعدًا رائعًا كهذا، وليس بمقدورها أن تفعل! إن الرب يسوع هو وحده الذي يستطيع أن يُقدِّم وعدًا بالراحة الحقيقية، فهو وحده الذي استطاع أن يدفع ثمنها على الصليب. عندما وَعَد كان يعلم تمامًا أنه بعد قليل سيذهب طواعيةً إلى موت الصليب ليُوَفِّي كل ما تتطلبه هذه الراحة من حساب.
4. احملوا وتعلَّموا
لكن الدعوة لا تنتهي بالراحة من التعب بكل أنواعه والأحمال الثقيلة على اختلاف أشكالها، بل تمتد لتشمل دعوة لنا أن نحمل شيئًا آخر. كان الرب يسوع قبل خروجه للخدمة الجهارية يعمل نجَّارًا في الناصرة، وربما كان يعرف تمامًا كيف يُصنَع النير، ولا أستبعد أنه قام بالفعل بعمل أنيار للمزارعين من مواطنيه. والنير هو خشبة معترضة توضع على عنق الثور أو الحمار الذي يحرث الأرض. ومعنى أن نحمل النير هنا هو أن نخضع تمامًا للرب يسوع. فالحرية الحقيقية هي أن أخضع لأعظم سيِّد. لقد جربت العبودية للشيطان وللخطية ولم أجد إلا الإهانة والضرر والجراح، أما في الخضوع لسيدي العظيم كل الراحة والسعادة والإشباع. لذلك يقول الرب: «نيري هَيِّن»؛ أي مناسب و“على المقاس” تمامًا، فهو لن يجرح رقبة من يحمله ولن يجعلني أشعر بالذل.
أما الجانب الآخر فهو دعوة للالتحاق بمدرسة مستمرة طول العُمر، المعلِّم فيها هو الرب يسوع نفسه. وهو مُعلِّم «وديع ومتواضع القلب»؛ لن يقهرني ولن يتعامل معي بقسوة وهو يعلمني ويدربني. أما الدرس فهو المسيح نفسه؛ أي أن أصير يومًا فيومًا أكثر شبهًا به.
5. فتجدوا راحة
إن كان الوعد الأكيد لكل المُتعَبين والثقيلي الأحمال الذين يأتون للرب يسوع بحالتهم هو «أنا أُريحكم»، فإن النتيجة الطبيعية للخضوع اليومي له والتعلُّم المستمر منه هي «فتجدوا راحة لنفوسكم». الراحة الأولى راحة الخلاص من تَعَب الخطية وأحمال التديُّن الفارغ والراحة الثانية راحة الانسجام معه في كل رحلة الحياة. كما أنه لا رجاء في الحصول على الراحة الأولى إن لم تأتِ إلى المسيح، كذلك لا أمل في أن تعيش في مشيئة الله وتحقق أسمى ما يمكن أن تحققه بعيدًا عن الخضوع لهذا السيد العظيم والتعلُّم في مدرسته كل يوم.
صديقي العزيز، ليس لديَّ ما أضيفه إلا أن أُرَدِّد صدى هذه الكلمات التي قالها أعظم شخص في الوجود: “تعالوا إليَّ... فأُريحكم! احملوا وتعلَّموا... فتجدوا راحة لنفوسكم!”