يحكى عن أحد المبشرين والذي بقي يعملُ بجهد ليترجمَ إنجيل متى إلى لغة أحدى القبائل. وبعد جهدٍ جهيد انتهى من ترجمة السبعة عشر عددًا الأولى من الأصحاح الأول، والتي تتكلم عن سلسلة نسبِ المسيح. وفكر في نفسه ”يا له من وقتٍ طويل أنفقتُه في هذا الجزء. وأيُ شيءٍ في هذه السلسلة من الأسماء سيفيد هؤلاء الوثنيين؟“. وبينما هو يتفكر في هذه الأمور زاره أحد الأهالي وسأله عما يفعل فأخبره، وبدأ يقرأُ له بعضَ ما ترجم. كان الزائرُ يستمعُ إلى القراءة بشغفٍ شديد، بعكسِ ما كان المبشرُ يتوقع. وعندما انتهى من القراءة قال له الزائر ”والآن أريدُ أن أسمعَ منك أكثر عن يسوع هذا لأني أريد أن أؤمنَ به“.
يا للمفاجأة!
تُرى ما الذي جعل هذا الرجلَ الوثني يتأثر هكذا؟ الإجابةُ هي: طولُ سلسلةِ نسب المسيح جذب هذا الرجل الوثني إلى المسيح ليؤمن به! فلقد كان ذلك الرجل من قبيلة لها أصل عريق، وكان لديه قائمة طويلة بأسماء أسلافه الذين كانت تقاس عظمة أي قائد فيهم بطول سلسلة نسبه، ولكنه لاحظ أن سلسلة نسب الرب يسوع أطول من سلسلة نسب أهم رجلٍ في قبيلته؛ لذلك رأى أن الرب يسوع لا بد وأن يكون أهم وأعظم من جميع الناس الذين يوقّرُهم؛ لذلك كان شغوفًا بأن يسمعَ أكثر عنه وأن يؤمنَ به. نعم، هذا ما تفعلُه كلمةُ الله في حياة الأشخاص.
نعم صديقي القارئ. فالرب يسوع له كل المجد عظيمٌ بما لا يقاس. فلقد قال عنه الملاك جبرائيل للمطوبة مريم «هذَا يَكُونُ عَظِيمًا، وَابْنَ الْعَلِيِّ يُدْعَى، وَيُعْطِيهِ الرَّبُّ الإِلهُ كُرْسِيَّ دَاوُدَ أَبِيهِ، وَيَمْلِكُ عَلَى بَيْتِ يَعْقُوبَ إلى الأَبَدِ، وَلاَ يَكُونُ لِمُلْكِهِ نِهَايَةٌ» (لوقا1: 32،33).
على أننا نرى في سلسلة نسب الرب يسوع الواردة في إنجيل متى الأصحاح الأول بعضًا من مظاهر العظمة ومنها على سبيل المثال:
1. هي سلسلة الاتضاعأليس هو الاتضاع عينه أن نتكلم عن سلسلة نسب لمن لا بداءة أيام له ولا نهاية ومن لا يحده زمانٌ ولا مكان؟! ألم يقل الكتاب عنه «الذي إذ كان في صورة الله، لم يحسب خلسة أن يكون معادلا لله. لكنه أخلى نفسه، آخذًا صورة عبد، صائرًا في شبه الناس. وإذ وجد في الهيئة كإنسان، وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب» (فيلبي2: 5)؟ نعم، إنها بحق سلسلة الاتضاع التي تحكي عن تنازل الكبير وصيرورته جسدًا ليكون في وسطنا واحدًا منا مختبرًا همومنا ومشاكلنا ليأخذ بايدينا.
2. هي سلسلة الحياةوردت كلمة كتاب ميلاد أو كتاب مواليد مرتان: في متى1 عن سلسلة نسب الرب يسوع حسب الجسد، و في تكوين5 عن آدم. وإن كان كتاب مواليد آدم يذخر بالأسماء، لكنه أيضًا يذخر برائحة الموت والعفونة. فلقد ورّث آدم الخطية والموت إلى كل الجنس البشرى، وتم الحكم على جميع من هم من نسل أدم بالموت الأبدي في الجحيم «من أجل ذلك كأنما بإنسان واحد دخلت الخطية إلى العالم، وبالخطية الموت، وهكذا اجتاز الموت إلى جميع الناس، إذ أخطأ الجميع» (رومية5: 12). لكن المفارقة المبارَكة أن كتاب مواليد المسيح يهب حياة أبدية لكل من ينتسب له. فإن كان آدم أورث نسله الموت إلا أن المسيح يهب للمنتسبين له عطية الحياة الأبدية.
3. هي سلسلة النعمةتسطع أشعة النعمة من بين سطور هذه السلسلة، ومن أبرز أشعة النعمة المتلألئة هنا هو ظهور المسيح في الجسد في هيئة متضعة «فإنكم تعرفون نعمة ربنا يسوع المسيح أنه من أجلكم افتقر وهو غني لكي تستغنوا أنتم بفقره» (2كورنثوس8: 9). لكن أيضًا خيوط النعمة الذهبية ترسم لنا أربعة شعاعات نورانية تحكي لنا قصة النعمة الغنية كما ظهرت في 4 شخصيات نسائية هن: ثامار وراحاب وراعوث وبثشبع.
4. هي سلسلة المجدفإن كنا رأينا بزوغ نجم مجد مملكة داود، لكن للأسف لقد انحسر هذا المجد في الأجيال اللاحقة لداود؛ حتى اختفى وراء ثياب نجار في الناصرة هو يوسف ابن يعقوب زوج مريم. فبدل أن يخلف داود على كرسي الملك اشتغل بمهنة النجارة واختفى المجد. لكن ها المجد قد عاد من جديد إذ وُلد رب المجد يسوع حتى أن الملائكة هتفت قائلةً: «المجد...»
5. هي سلسلة البركةخُتم العهد القديم بالقول «لئلا آتي وأضرب الأرض بلعن» (ملاخي4: 6)، وما اللعنة إلا نتيجة مباشرة للخطية. لكن ها هو قد وُلد المسيح مستودع البركة؛ لذلك قال عنه متى «كتاب ميلاد يسوع المسيح ابن داود ابن إبراهيم». وبإرجاع سلسلة النسب لإبراهيم فإنما يؤكِّد على أن المسيح هو النسل الموعود بالبركة كما قال الرب لإبراهيم «وأما المواعيد فقيلت في إبراهيم وفي نسله. لا يقول وفي الأنسال كأنه عن كثيرين بل كأنه عن واحد وفي نسلك الذي هو المسيح» (غلاطية3: 16).
6. هي سلسلة الُملكلقد فشل المُلك ولم يعُد هناك مَلكًا بحسب قلب الله يملك على كرسي داوود. بل كان الجالس على كرسي الحكم هو هيرودس الأدومي الدموي. لكن ها هو المسيح يأتي وتقول سجلات النسب أنه كتاب ميلاد يسوع المسيح ابن داود. نعم فكما أتى المسيح من نسل ابراهيم ليكون هو مستودع البركة، أتى من نسل داود ليكون هو الوريث الشرعي لكرسي داود.
7. هي سلسلة الخلاصفافتتاحيتها تقول «كتاب ميلاد يسوع المسيح». نعم إنه يسوع المسيح. ويسوع هو الاسم العبري ”يشوع“ والذي يعني ”الرب خلاصٌ“، والمسيح تعني الممسوح (المسيا). فهو المخلِّص الذي أتى في الجسد لا لكي يخلِّص شعبه من سلطة الرومان، بل ليخلصهم من سلطة الخطية (متى1: 21).
نعم يا صديقي فإن كانت سلسلة نسب المسيح، بحسب الجسد، طويلة. لكن السلسة قد طالت جدًا إذ حوت كل اسماء المولودين من الله ولادة ثانية بالإيمان القلبي بالرب يسوع.
تُرى إلى أي قائمة نسب تنتمي؟ هل إلى مواليد آدم والذي أتي بالموت للبشر؟
أم لقائمة أولاد الله بالإيمان بشخص المسيح وعمله؟
أرجو أن تحسم انتماءك وموقفك.