التقينا في العدد السابق مع الجزء الأول من هذه القصة الطريفة؛ والتي وقعت أحداثها في إحدى المدارس الأمريكية، حيث طلبت المعلمة من الأطفال أن يكتبوا رسائل موجهة إلى الله وقت الأحتفال بالكريسماس، وطلبت هذه المعلمة المبدعة منهم أن يكتبوا لله ما يطرأ على أذهانهم من أسئلة أو استفسارات، ورأينا في العدد السابق بعضًا من هذه الأسئلة التي تميزت بالبساطة والطرافة، لكنها لم تخلو من العمق والإبداع الحقيقي. ولنا في هذا العدد وقفة جديدة أمام بقية الأسئلة التي كتبها أولئك الأطفال لله، يعبرون فيها عما يجيش في صدورهم من استفسارات، وما يشغل بالهم من أسئلة.
كتب أحد الأطفال ويدعى توم سؤالاً يقول فيه: "عزيزي الله، لماذا "مدرسة الكنيسة" يوم الأحد؟ كنت أظنُّ أن الأحد هو يوم إجازتنا."
ربما نأخذ الأمر على أنه طُرفة جميلة، تدعو للضحك. بينما هذا السؤال يحتوي على أمرين غاية في الخطورة، لابد وأن ننتبه إليهما. فهذا الطفل الرائع أعتبر أن الكنيسة كما المدرسة، هي وقت للعمل، ولابد أن يأخذ راحة منه. كما أنه اعتبر أن الكنيسة والعبادة لا وقت لها إلا يوم الأحد؛ولا يختلف هذا الطفل عن الكثيرين منا في هذه الأيام؛ ألا يعتبر الكثيرون حضور الكنيسة والإجتماعات مجهودًا وتعبًا يستحق الراحة!! وبدلاً من أن يذهبوا للكنيسة للراحة فهم يعتبرونها نوعًا من الضغط الزائد عليهم، لهذا تجد الكثيرين ينفرون من العبادة والإجتماعات. هو يتخيل أن عليه عمل كذا وكذا حتى يقبله الله، ويرضى عنه، ولا يعلم أن المكان الوحيد الذي يرتاح فيه هو هناك بين يدي إلهه. ألم يقل المسيح كلماته الشهيره: "تَعَالَوْا إِلَيَّ يَا جَمِيعَ الْمُتْعَبِينَ وَالثَّقِيلِي الأَحْمَالِ، وَأَنَا أُرِيحُكُمْ." (متى11: 28).
كما أن توم بسؤاله هذا يعتبر أن الكنيسة والعبادة لا وقت لها إلا يوم الأحد!. فهو لم يتعلم بعد أن العبادة لله، وخوف الله، هو يملأ قلوبنا في كل وقت، والصلاة غير محدودة بمكان أو زمان. وفي وسط الزحام أستطيع أن أقدم صلاتي الهامسة لله، بل وأسمع همساته في قلبي بكل قوة. عبادتنا لله غير متوقفة على الوقت أو المكان الذي أوجد فيه؛ فقد صلى رجال الله في الكتاب المقدس في كل زمان ومكان؛ في الصحاري والسجون والبيوت والشوارع الحقول، كما صلوا مع مع أول لحظات شروق الشمس، وغروبها. صلوا في الهزيع الرابع من الليل، كما صلوا في وقت حر النهار. والرب يسوع المسيح نفسه مثالنا الأعظم صلى في النهار، وقضى ليالي كثيرة في الصلاة.
كتب طفل يُدعى لاري لله وقال له: عزيزي الله، قابيل وهابيل ربما ما كانا ليقتتلا لو أن أباهما أعطى كلاًّ منهما غرفة مستقلة. لقد جرَّبنا ذلك ونفع هذا الأمر مع شقيقي.
لاري هنا يفعل أمران نفعلهما طوال الوقت، الأمر الأول أنه يشير على الله بالحل الأمثل، وكأن الله فاتته هذه الفكرة العظيمة، والأمر الثاني أنه يعتبر شقيقه هو الطرف المُخطئ دائمًا!!. مثلنا تمامًا فكثيرًا ما نشير على الله بحلول نراها أنها الأصح والأفضل دائمًا رغم ان الكتاب يعلمنا عكس ذلك تمامًا؛ كلمة الله تعلمنا دائمًا أن نضع المشكلة أمام الله دون حلول، واثقين في قدرته على الحل، وأفكاره الصالحة من نحونا دائمًا. نقرأ مثلاً في إنجيل مرقس عن قصة توضح لنا ذلك؛ فالجموع يومًا أتوا للمسيح بالمشكلة، وقدموا له الحل الذي يرونه الأنسب والأفضل: "فَقَدَّمُوا إِلَيْهِ أَعْمَى وَطَلَبُوا إِلَيْهِ أَنْ يَلْمِسَهُ" (مرقس8: 22). لكن المسيح لم يفعلما قالوه له، ليعلمهم هذا الدرس الهام جدًا. وكما قالت القديسة المطوبة مريم:«مَهْمَا قَالَ لَكُمْ فَافْعَلُوهُ». (يوحنا2: 5).متى نعرف أن الله يعلم ما لا نعلمه، ويفعلما لا نقدر نحن على فعله، ويحب أن يتمم دائمًا في حياتنا مشيئته الصالحة والكاملة من نحونا.
الأمر الثاني أنه لا ينظر لأخطائه أبدًا، هو دائمًا على يقين أنه في جانب الصواب بينما شقيقه هو الذي يُخطئ دائمًا! ليته يسمع قول المسيح: "لِمَاذَا تَنْظُرُ الْقَذَى الَّذِي فِي عَيْنِ أَخِيكَ، وَأَمَّا الْخَشَبَةُ الَّتِي فِي عَيْنِكَ فَلاَ تَفْطَنُ لَهَا؟" (متى7: 3). وليتنا نعمل نحن أيضًا بهذا التعليم السامي الجليل، فلا ننظر دائمًا للآخرين على أنهم على خطأ طوال الوقت بينما نحن على صواب. فهذا خير دليل على أن الخطأ وكل الخطأ هو من نصيبنا.
طفلة جميلة أعتقد أنه صار لها شأنًا في الفنون تُدعى يوجين كتبت تقول: عزيزي الله، لم أكن أصدق أن اللون البرتقالي يمكن أن يتماشى جماليًّا مع اللون الأرجواني، حتى شاهدت غروب الشمس الذي صنعتَه يوم الثلاثاء. كم كان ذلك جميلاً.
يا لها من طفلة جميلة، ترى الله في خليقته، وتعظم قدرته في كل ما يصنعه. لما رأت جمالاً في الخليقة، ذهبت لله لتشكره وتعظمه وتمجده على أعماله، لسان حالها "لأَنَّكَ فَرَّحْتَنِي يَا رَبُّ بِصَنَائِعِكَ. بِأَعْمَالِ يَدَيْكَ أَبْتَهِجُ. مَا أَعْظَمَ أَعْمَالَكَ يَا رَبُّ!" (مزمور92: 4، 5). حقًا ما أعظم أعماله، وما أروع خليقته التي تشهد وتخبر عن قدرته الفائقة، وعظمته الغير محدودة.
دع خليقته وأعماله تنشيء فيك سجودًا وتسبيحًا وحمدًا وإكرامًا لإسمه. دع عينيك تراه في كل ما أبدع، ودع أحاسيسك تتفاعل دومًا مع عظمته. أملأ قلبك وعينيك بجماله من خلال ما تراه دائمًا في الخليقة. وقتها ستشعر كم هو عظيم جدًا هذا الإله الذي يستحق كل السجود والإكرام.
نختم أصدقائي معًا هذه القصة الطريفة الرائعة بكلمات رائعة كتبتها طفلة تُدعى إليوت، قالت لله: عزيزي الله، أفكر فيك أحيانًا، حتى حين لا أكون في الصلاة.
طفلة صغيرة، لكنها تعلمت درسًا عظيمًا نحتاجه جميعًا. فالحديث مع الله ليس فقط مقصور على أوقات الصلاة والعبادة، إنما هو معي طوال الوقت، يبتغي دومًا أن يسمع صوتي، وأشاركه بما في قلبي، أوجه له كلماتي، وأشاركه بأنيني، وحيرتي. يري دموعي ويمسحها بيديه. فمن غيره يستطيع أن يفهمني ويعرف ما بقلبي!
ليتنا أصدقائي الأعزاء نتعلم هذا الدرس الرائع من هذه الطفلة، ونفكر في إلهنا كثيرًا، حتى حين لا نكون فقي أوقات الصلاة.