من منا لا يعاني بسبب وجودنا وسط أجواء مملؤة بالتلوث؟!!
نعاني من التلوث البيئي بسبب الأدخنة والأتربة الرهيبة التي تحيط بنا، مما يؤثِّر سلبًا على صحتنا بشكل رهيب. ولا يقف التلوث عند هذا الحد، بل امتد إلى جوانب الحياة الأخرى؛ فأصبحنا نعاني من نوع آخر من التلوث أشد إيذاءً؛ ألا وهو التلوث الأخلاقي في المحيط الذي حولنا!! وبات هذا التلوث يفرض نفسه علينا! سواءً كان ما تسمعه آذاننا في كل مكان، أو ما تقع عليه أبصارنا من مناظر وسلوكيات تؤذي المشاعر وتجرح الأحاسيس. هذه الأمور، بكل أسف، تُفسد نقاء القلب وصفاء الذهن وهدوء الأعصاب.
وسأقتصر حديثي هنا عن كيفية مواجهتنا للنوع الثاني من التلوث، وأقصد الأدبي الأخلاقي، وكيف نعيش فضيلة يريدنا الله أن نأخذها منه، ونظهرها وسط هذا الجو الفاسد الخانق، ألا وهي فضيلة النقاوة والطهارة القلبية والسلوكية أيضًا؛ والتي مدح الرب يسوع أصحابها بالقول «طُوبَى لِلأَنْقِيَاءِ الْقَلْبِ» (متى5: 8).
ما هي النقاوة الأدبية؟النقاوة هي خلو قلب الإنسان من نجاسة الخطية، وبصمات العالم الفاسد الشرير، بل وهي أيضًا امتلاء الكيان الداخلي بنور سماوي وسمو أدبي؛ فلا يخرج منه إلا كل ما يمجِّد الله، وأيضًا ما هو بركة للمحيطين به. أو بلغة أخرى؛ النقاء هو قلب يسكنه الروح القدس، وفكر يسوده المسيح، وحياة تشبه ابن الله.
كيفية الحصول عليها؟هذا المستوى من النقاء الأدبي مستحيل على الإنسان الطبيعي أن يصله، حيث أن التقرير الإلهي عنه «أَنَّ كُلَّ تَصَوُّرِ أَفْكَارِ قَلْبِهِ إِنَّمَا هُوَ شِرِّيرٌ كُلَّ يَوْمٍ» (تكوين6: 5). وأيضًا «مَكْرُوهٌ وَفَاسِدٌ الإِنْسَانُ الشَّارِبُ الإِثْمَ كَالْمَاءِ» (أيوب15: 16).
لذلك يحتاج كيان الإنسان الداخلي إلى عمل إلهي لتنقيته وتطهيره، وهذا يعمله الله وحده فينا من خلال عدة وسائل إلهية:
أولاً: دم المسيح، «دَمُ الْمَسِيحِ... يُطَهِّرُ ضَمَائِرَكُمْ» (عبرانيين9: 14).
ثانيًا: كلمة الله «أَنْتُمُ الآنَ أَنْقِيَاءُ لِسَبَبِ الْكَلاَمِ الَّذِي كَلَّمْتُكُمْ بِهِ» (يوحنا15: 3).
ثالثًا: إمكانيات الله التي يهبها لنا عندما يسكن فينا «كَمَا أَنَّ قُدْرَتَهُ الإِلهِيَّةَ قَدْ وَهَبَتْ لَنَا كُلَّ مَا هُوَ لِلْحَيَاةِ وَالتَّقْوَى» (2بطرس1: 3).
نعم يمكنك عزيزي أن تحصل على هذا الكيان الداخلي النقي إن اغتسلت بدم المسيح وسكن فيك روحه القدوس. تعال إليه طالبًا منه بصدق «قَلْبًا نَقِيًّا اخْلُقْ فِيَّ يَا اَللهُ، وَرُوحًا مُسْتَقِيمًا جَدِّدْ فِي دَاخِلِي» (مزمور51: 10).
نتائج وروعة حياة النقاوة1.
رؤية الرب: «طُوبَى لِلأَنْقِيَاءِ الْقَلْبِ، لأَنَّهُمْ يُعَايِنُونَ اللهَ» (متى5: 8).
2.
الوجود في حضرة الرب: «مَنْ يَصْعَدُ إِلَى جَبَلِ الرَّبِّ؟ وَمَنْ يَقُومُ فِي مَوْضِعِ قُدْسِهِ؟ اَلطَّاهِرُ الْيَدَيْنِ، وَالنَّقِيُّ الْقَلْبِ» (مزمور24: 3، 4).
3.
الاستخدام الإلهي: «فَإِنْ طَهَّرَ أَحَدٌ نَفْسَهُ مِنْ هذِهِ، يَكُونُ إِنَاءً لِلْكَرَامَةِ، مُقَدَّسًا، نَافِعًا لِلسَّيِّدِ، مُسْتَعَدًّا لِكُلِّ عَمَل صَالِحٍ» (2تيموثاوس2: 21).
4.
التمتع بمعية الرب: قديمًا، عندما أخذ واحد من الشعب شيئًا من الأشياء التي حرَّم الرب أخذها، وطمرها في خيمته، وبسببه أنكسر وأنهزم الشعب، قال الرب ليشوع «لاَ أَعُودُ أَكُونُ مَعَكُمْ إِنْ لَمْ تُبِيدُوا الْحَرَامَ مِنْ وَسَطِكُمْ» (القصة في يشوع أصحاح7).
5.
السكنى في الأبدية مع الله: «وَلَنْ يَدْخُلَهَا شَيْءٌ دَنِسٌ وَلاَ مَا يَصْنَعُ رَجِسًا وَكَذِبًا، إِّلاَّ الْمَكْتُوبِينَ فِي سِفْرِ حَيَاةِ الْخَرُوفِ» (رؤيا21: 27).
المظاهر السلوكية لحياة النقاوة 1. رفض كل ما يدنِّس القلب: هكذا أعلن الأنقياء الأتقياء: قال أيوب «عَهْدًا قَطَعْتُ لِعَيْنَيَّ، فَكَيْفَ أَتَطَلَّعُ فِي عَذْرَاءَ؟» (أيوب31: 1)، وكان يقصد الامتناع عن النظرات الشهوانية. وقال يوسف «فَكَيْفَ أَصْنَعُ هذَا الشَّرَّ الْعَظِيمَ وَأُخْطِئُ إِلَى اللهِ؟» (تكوين39: 10)، وكان يقصد عدم الوقوع في الخطية.
2. الكلمات والألفاظ النقية: ما أروع هذا المستوى الأدبي النقي «فَاضَ قَلْبِي بِكَلاَمٍ صَالِحٍ» (مزمور45: 1). وأيضًا صلى داود قائلاً «لِتَكُنْ أَقْوَالُ فَمِي وَفِكْرُ قَلْبِي مَرْضِيَّةً أَمَامَكَ يَا رَبُّ، صَخْرَتِي وَوَلِيِّي» (مزمور19: 14).
3. الشركة مع الأنقياء: يا ترى من هم أصحاب المؤمن النقي؟! «وَاتْبَعِ الْبِرَّ وَالإِيمَانَ وَالْمَحَبَّةَ وَالسَّلاَمَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ الرَّبَّ مِنْ قَلْبٍ نَقِيٍّ» (2تيموثاوس2: 22)، وأيضًا «فِي طَرِيقِ الْخُطَاةِ لَمْ يَقِفْ، وَفِي مَجْلِسِ الْمُسْتَهْزِئِينَ لَمْ يَجْلِسْ» (مزمور1: 1).
4. انشغال الذهن بما هو محترم وراقي: «كُلُّ مَا هُوَ جَلِيلٌ... كُلُّ مَا هُوَ طَاهِرٌ، كُلُّ مَا هُوَ مُسِرٌّ، كُلُّ مَا صِيتُهُ حَسَنٌ، إِنْ كَانَتْ فَضِيلَةٌ وَإِنْ كَانَ مَدْحٌ، فَفِي هذِهِ افْتَكِرُوا» (فيلبي4: 8).
5. التغذي روحيًا بما هو نقي: قديمًا طلب الرب من شعبه أن لا يأكلوا إلا ما هو طاهر في أصحاح كامل (لاويين11)، وكان الهدف ليس فقط الحفاظ على صحتهم، بل هي رسالة روحية لكيفية اهتمامنا بما نتغذى عليه أدبيًا، فلا ينفع المسيحي النقي أن يملأ نفسه من برامج وكلمات وصور خليعة، تُعرض هنا وهناك ليأكلها؛ لكنه يتغذى ويشبع بكلمات وأفكار الله الطاهره «وُجِدَ كَلاَمُكَ فَأَكَلْتُهُ، فَكَانَ كَلاَمُكَ لِي لِلْفَرَحِ وَلِبَهْجَةِ قَلْبِي» (إرميا15: 16).
أحبائي؛ لقد أدرك القديسين على مر العصور أهمية هذه الفضيلة، بل وخطورة نتائجها أيضًا، سواء في علاقتهم بالله أو في حياتهم الشخصية؛ فكانت هي طلبتهم اليومية وصلاتهم الشخصية... فهل هي صلاتي وصلاتك أيضًا؟!
«وَدَعَا يَعْبِيصُ إِلهَ إِسْرَائِيلَ قَائِلاً: لَيْتَكَ تُبَارِكُنِي، وَتُوَسِّعُ تُخُومِي، وَتَكُونُ يَدُكَ مَعِي، وَتَحْفَظُنِي مِنَ الشَّرِّ حَتَّى لاَ يُتْعِبُنِي. فَآتَاهُ اللهُ بِمَا سَأَلَ» (1أخبار4: 10)، وصلى أيضًا داود قائلاً «حَوِّلْ عَيْنَيَّ عَنِ النَّظَرِ إِلَى الْبَاطِلِ. فِي طَرِيقِكَ أَحْيِنِي» (مزمور119: 37).
نعم... ولكل من يطلب من الرب نقاوة القلب وطهارة الحياة، لا بد وأن يختبر الاستجابة الإلهية «فَآتَاهُ اللهُ بِمَا سَأَلَ».