تحيَّر ولدٌ صغير أثناء توزيع الهدايا صبيحة عيد الميلاد، لأنه تعلَّم في مدرسة الأحد أن عيد الميلاد احتفال بولادة الرب يسوع المسيح. وأخيرًا، بعد صمتٍ طويل، سأل أُمَّه: “ماما، متى نُعطي الرب يسوع هديته؟ أَليس هذا عيد ميلاده؟!”
أَليس غريبًا أن معظمنا يُقدِّمون هدايا للجميع ما عدا ذلك الشخص المجيد الذي يحتفلون بميلاده؟! يحسن بنا أن نسأل أنفسنا هذا السؤال: ماذا سأُقدِّم للرب يسوع في هذا الموسم؟ إن سَيِّدنا وفادينا جدير بأحسن وأثمن ما لدينا. بل هو جدير بكل ما لدينا، فهو أعطانا كل ما لديه.
إن كنت لم تضع ثقتك بعدُ في المسيح على أنه مُخلِّصك وفاديك شخصيًا، فالأمر الذي يشتاق إليه منك – قبل كلِّ شيء – هو قلبٌ مؤمن في كفاية موته الكفاريِّ البديليِّ على الصليب، لكي يُخلّصك من خطاياك «وَلِيَحِلَّ بالإيمانِ في قَلْبَك» (أفسس3: 17). إنه يطلب بلسان الحكمة قائلاً: «يَا ابْنِي أَعْطِنِي قَلْبَكَ، وَلْتُلاَحِظْ عَيْنَاكَ طُرُقِي» (أمثال23: 26). أَليس هذا حقه؟! أَلا يستحق أن تُعطيه ما يشتاق إليه؟! إن الرب يسوع يطلب القلب، ولا يطلب عطايا مادية؛ فهذه لن تُفرحه إن لم يكن القلب له. وهو يُريده كلّه، ولا تُشرك فيه غيره «فَتُحِبُّ الرَّبَّ إِلهَكَ مِنْ كُلِّ قَلبِكَ وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ وَمِنْ كُلِّ قُوَّتِكَ» (تثنية6: 5).
وكما أن القلب هو مركز الجهاز البدني، الذي منه تصدر مخارج ونشاطات الحياة، هكذا يتحدث الحكيم عن القلب كمركز الحياة وقراراتها؛ أي الفكر والإرادة، الأمر الذي يجب أن نُعطيه بالكامل للرب، والذي يجب أن نحرسه بكل غيرة وجدّية، لكي يصدر عنه كل ما هو نافع للبنيان والتقدم الروحي «فَوْقَ كُلِّ تَحَفُّظٍ احْفَظْ قَلْبَكَ، لأَنَّ مِنْهُ مَخَارِجَ الْحَيَاةِ» (أمثال4: 23).
ويقول المُرنّم: «خَبَّأْتُ كَلاَمَكَ فِي قَلْبِي لِكَيْلاَ أُخْطِئَ إِلَيْكَ» (مزمور119: 11) ؛ فالقلب الذي تحكمه كلمة الله هو الذي يضمن السلوك في الحق، والله يُسر بالحقِّ في الباطنِ (مزمور51: 6).
ومبارك هو الله؛ فإن مَن سيُعطيه قلبه، سيُبارك له في كل شيء، بل سيُعطيه ما يُشبع قلبه، وهو الرب يسوع نفسه. فمتى كان هو كنزنا فإن قلبنا يكون معه «لأَنَّهُ حَيْثُ يَكُونُ كَنْزُكَ هُنَاكَ يَكُونُ قَلْبُكَ أَيْضًا» (متى6: 21). وما أثمن مصدر القوة الذي لنا وهو الإتيان إلى قدمي ربنا المُبارك، وترك كل شيء هناك، عندئذٍ نتمتع بسلام الله الذي يفوق كل عقل، وهذا يحفظ قلوبنا وأفكارنا في المسيح يسوع (فيلبي4: 6، 7).
أما إذا كنت بالإيمان قد تعرَّفت بالمسيح مُخلِّصًا لك؛ فأروع هديَّة يُمكنك أن تُقدِّمها لله هي الهدية التي يشتاق أن يتسلَّمها منك قبل كلِّ شيء؛ ألا وهي جسدك «فَأَطْلُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ بِرَأْفَةِ اللهِ أَنْ تُقَدِّمُوا أَجْسَادَكُمْ ذَبِيحَةً حَيَّةً مُقَدَّسَةً مَرْضِيَّةً عِنْدَ اللهِ، عِبَادَتَكُمُ الْعَقْلِيَّةَ» (رومية12: 1). ينبغي أن نستخدم أجسادنا لخدمة الله؛ فلأننا قبلنا من الرب عطيَّة الخلاص، فالأمرُ الوحيد المطلوب والمعقول هو أن نُقدِّم أنفسنا له، وعندما نُقدِّم له أنفسنا، فإنما نُقدِّم الهدية المُناسِبة للمُناسَبة.
في رومية6: 13 وجَّهنا الرسول بولس إلى أن طريقة النجاة من خدمة الخطية هي أن نُقدِّم ذواتنا لله، وأن نُقدِّم أعضائنا آلات بر لله. ليتنا نلاحظ أن التقديم يشمل كل أعضاء الجسد، ذلك الجسد الذي لم يَعُد مخصَّصًا للخطية، فيقول الرسول بولس: «قَدِّمُوا ذَوَاتِكُمْ... وَأَعْضَاءَكُمْ»، ثم يعود فيقول: «قَدِّمُوا أَعْضَاءَكُمْ» (رومية6: 13، 19). فالله يُطالبني أن أعتبر كل أعضائي، تخصّه بالتمام. وعلينا أن نفعل هذا كأمر نهائي وإلى الأبد. والتحريض في رومية12: 1 مماثل لذلك. فهل مرَّت بكل منا لحظة في تاريخنا، عندما - ونحن واعين لمراحم الله الفائقة ومبهورين بها - قدَّمنا أجسادنا كذبيحة حيّة مقدّسة؟ في وقت ما، كنا نعتبر أجسادنا الوسيلة التي نُعبِّر بها عن إرادتنا. وفي وقت ما، كنا نقول: “أنا سَيِّد لجسدي، وهو خادم لملذاتي”. فهل قدّمناه الآن لله، لكي يخدم إرادته ويُستخدم لعبادته ومجده؟ إننا لا نقدِّم عبادة عقلية واعية وحقيقية له، حتى نفعل هذا، ولا نكون فاهمين لرسالة الإنجيل دون أن نرى أن هذا التصرف هو الاستجابة السليمة الوحيدة.
وفي هذا الصدد أتذكر قصة توّضح ما أقول، رواها خادم الرب “واتشمان ني” فقال:
في إحدى المناسبات كان أحد الإخوة الصينيين مسافرًا بالقطار، وجاء مكانه في عربة مع ثلاثة من غير المؤمنين أرادوا قتل الوقت بلعب الورق، وإذ كانوا يحتاجون إلى شخص رابع لاستكمال أفراد اللعبة، طلبوا من هذا الأخ أن يشترك معهم، لكنه اعتذر بقوله: “إنني آسف لعدم قدرتي على تلبية طلبكم، لن أستطيع أن أشترك معكم في اللعب لأني لم أُحضر يدي معي”. فسألوه في دهشة شديدة: “ماذا تعني؟” فقال: “إن هاتين اليدين لا تخصانني”. ثم طفق يشرح لهم كيف انتقلت ملكية كل ما يخصه لشخص آخر. لقد حسب ذلك الأخ كل أعضاء جسده ملكًا للرب وحده، وهذه هي القداسة الحقيقية، وعندما يقول الرسول بولس: «قَدِّمُوا أَعْضَاءَكُمْ عَبِيدًا لِلْبِرِّ لِلْقَدَاسَةِ» (رومية6: 19) ، فإنه يقصد أن نفعل ذلك كعمل مُحدَّد.
أيها الأحباء: إن ابن الله مات من أجلي، فأقل شيء أستطيع القيام به هو أن أعيش لأجله، ولا توجد تضحية من أجله أكبر مما يستحق. ونحن الآن ككهنة مؤمنين لا نأتي إلى الله بأجساد حيوانات مذبوحة – كما في العهد القديم – بل بذبائح روحية خاضعة له. كما أننا نُقدِّم له حمدنا وتسبيح قلوبنا «فَلْنُقَدِّمْ بِهِ فِي كُلِّ حِينٍ للهِ ذَبِيحَةَ التَّسْبِيحِ، أَيْ ثَمَرَ شِفَاهٍ مُعْتَرِفَةٍ بِاسْمِهِ»، ونُقدِّم له أيضًا ممتلكاتنا «لاَ تَنْسُوا فِعْلَ الْخَيْرِ وَالتَّوْزِيعَ، لأَنَّهُ بِذَبَائِحَ مِثْلِ هَذِهِ يُسَرُّ اللهُ» (عبرانيين13: 15، 16).
عزيزي: هل قبلت هدية الخلاص من يد الله؟ إن كان لا، فاقبلها اليوم، فيكون هذا يوم ولادتك الروحية (يوحنا3: 3 8) ، ولا تظهر أمام الرب فارغًا، بل لتحذو حذو المجوس الذين «خَرُّوا وسَجَدُوا لَهُ. ثُمَّ فَتَحوا كُنُوزَهُمْ وقَدَّمُوا لَهُ هَدَايَا: ذهبًا ولُبَانًا ومُرًّا» (متى2: 11).