“مُفَخَخَة” كلمة مروِّعة صارت شائعة في أيامنا؛ يشعر البعض بالذعر من ذكرها والبعض الآخر يضجر من تكرارها. اعتدنا أن نسمع عن طرود مُفَخَخَة ثم سيارت مُفَخَخَة وسمعنا أخيرًا عن جِمال مُفَخَخَة في سيناء! والمراد من تلك العمليات ليس جديدًا، فالإنسان في شره من قديم الزمن؛ يبتكر الجديد ويرتكب المزيد من مصنَّعات الشر. هذا ما نجده أحيانًا في الكتاب المقدس تحت مسمى «أشراك الموت». فالمعروف أن المواجهة المباشرة تعطي فرصة للاستعداد، لذا فأرهب ما في تلك الأشراك هو أن خطرها يكون كامنًا ومفاجئًا، لذا فضررها غالبًا ما يكون بالغًا بل مميتًا في أحيان كثيرة. إن وصف تلك الأشياء إنها “مُفَخَخَة” ببساطة يعني أنها شكل من أشكال الفخاخ المدمِّرة التي توقع بضحاياها في توقيت لم يكن في الحسبان وفي مكان لم يخطر على بال.
وما أنوي أن أتكلم عنه هو أكثر خطورة بالنسبة للمؤمن من تلك العمليات الإرهابية، ألا وهو السير المتعمَّد في واحدة من تلك السلوكيات الملغومة التالي ذكرها، والتي قد ينخدع الواحد بها «توجد طريق تظهر للإنسان مستقيمة وعاقبتها طرق الموت» (أمثال14: 12). وأرجو أن نلاحظ أن الخطورة تكمن في الكلمة الأولى من كل عنوان من عناوين تلك السكك التي يلاحظها فيتجنبها متقوُّ الرب «مخافة الرب ينبوع حياة للحيدان عن أشراك الموت» (أمثال14: 27)
1. الإسراف في استخدام التكنولوجيا
الخطورة تكمن في الاستخدام المفرَط لها. وليس مجال الكلام هنا عن مزايا التكنولوجيا المتعددة التي لا ينكرها أحد، لكن الحقيقة التي أثبتتها التجربة العملية أن معظم الذين يسرفون في استخدامها عرضة، أكثر من غيرهم، لإساءة استخدامها حتى لو كان بجهل ودون قصد. ناهيك عن إهدار الوقت في أشياء لا تتناسب فوائدها مع قيمة الوقت الذي يُستهلك فيها. الإسراف في استخدام برامج التواصل الإجتماعي له أثره على المقابلات الشخصية والزيارات العائلية والواجبات الاجتماعية! البعض أفرط في استخدام الإنترنت هروبًا من الواقع بمسؤولياته وتحدياته، وارتضوا أن يختبئوا في سراديب الإنترنت ليطلوا برؤوسهم من نوافذه وقتما شاءوا، ثم يعودون للتجوال في دهاليزه باحثين عن ضالتهم المنشودة. قد يشعر واحد بالوحدة أو عدم القبول فيستقي النشوة من عدد الأصدقاء والمعجبين أو عدد التعليقات الرقيقة!! إن كان الحال كلك فكم يكون مثيرًا للشفقة! هل تعلم ماذا يحدث مع الشخص ذاته حينما يكون غاضبًا أو سيء المزاج؟ ستجده يصب مشاعر الاستياء والغضب في تعليقات جارحة أو ساخرة في لحظات لا يملك فيها السيطرة على نفسه؛ ويؤسفني أن أقول إن النتائج غالبًا ما تكون مدمرة، ويصبح في النهاية خاسرًا. ماذا عن استخدام الهواتف الذكية أثناء الإجتماعات والمؤتمرات الروحية بصورة لا تمجِّد الرب أو تتناسب مع الحضرة الإلهية؟ عزيزي.. امتحن، باتضاع أمام الرب، المبرِّرات التي تعلِّل بها تصرفاتك. وحين يكون الأمر بينك وبين الرب سيرشدك إلى التصرف الرشيد والحكيم. تذكَّر المقياس الكتابي في استخدام الأشياء: «كل الأشياء تحل لي، لكن ليس كل الأشياء توافق. كل الأشياء تحل لي، لكن لا يتسلط عليَّ شيء» (1كورنثوس6: 12).
2. الانجراف نحو الأمور العالمية
يتعرض المؤمنون لتجارب شتّى يستهدف الشيطان بها إطفاء شهادة المؤمن التقي. الانجذاب للأشياء التي في العالم ومُشاكَلَة أبنائه من الأدوات التي يستخدمها من بداية التاريخ ليبعد المؤمن عن وسائط البركة، وبالتالي يُبتَلَع في العالم وتتقوَّض شهادته مع الأيام. يستغل الشيطان أوقات الإحباط أو الشعور بالفراغ أو إحتياج غير مسدد من نوع ما، وينتهز حالة الهزال والجوع الروحي ليعرض منتجاته العالمية التي يروِّج لها كل يوم بصور متنوعة. هذا هو أول الخيط الذي يؤدي لإنزلاق المؤمن في “فخ مشاكلة أبناء هذا الدهر”. الشبع الحقيقي ليس في الحصول على جنسية بعينها، ولا نزهة حول العالم، ولا اقتناء شيء ثمين تتباهى به، ولا حتى في تغيير مظهر ملابسك أو تجديد بيتك أو سيارتك... كل ما سبق ليس خطأ في حد ذاته، لكن الخطأ يكمن في البحث عن الشبع في هذه الأشياء، والسعي الحثيث وراءها للدرجة التي لا تختلف فيها كثيرًا عن الناس الذين يعتبرون أن نصيبهم في الدنيا ورجاءهم في هذا العالم الحاضر. لنمتحن رغباتنا وطموحاتنا حتى لا ندور في فلك ذواتنا على حساب اعتبارات مجد الرب الذي مات لأجلنا وخصصنا له. لا أبالغ إن قلت أن مشاكلة العالم بصورها المتعددة هي ألغام تشوِّه الحياة المسيحية بأَسرِها وقد تقضي على شهادة المؤمن تمامًا.
3. الإنحراف عن المقاييس الكتابية.
معروف أن استخدام مقياس خاطئ يؤدي إلى نتائج غير صحيحة. لذا دعني أسألك! أي مقياس تستخدم لقياس منسوب القداسة؟ أي طريقة تمتحن بها دوافع قلبك وميولك وتطلعاتك وآمالك؟ أي مرجع ترجع إليه لتعريف الخطية؟ ما هي مقاييس النجاح والفشل لديك؟ الشاب المؤمن الذي يريد أن يعيش حياة في رضا الرب، لا يقبل بديل عن كلمة الله الثابتة كي تكون هي مرجعه في كل شيء. المؤسف أن التاريخ يشهد عن شباب أضاعوا أروع سني حياتهم بعيدًا عن مشيئة الله لأنهم اعتبروا أن ما هو “سائد” مقياسًا لهم، وأن محاكاة الآخرين هو اختيارهم الأول. تذكر أن أغلب القرارات والسلوكيات الخاطئة سببها استخدام مقاييس خاطئة. على سبيل المثال، دعني أسألك: هل تعلم أن العلاقات العاطفية مع الجنس الآخر خارج إطار الخطبة أو الزواج هو جموح للمشاعر وهو خطية يسميها الكتاب المقدس «هوى» (كولوسي3: 5) ؟ تذكر أن الشاب المؤمن لا يمكن أن يزكّي طريقه (أي يجعله صحيحًا ونقيًا) إلا بحفظه إياه حسب كلام الرب.
4. الإستخفاف بالنصائح الأبوية.
يؤسفني أن أرى شباب مؤمنين يعتبرون أن أبويهم رجعيين من عصر سالف، وآراؤهم لم تَعُد توافق جيلهم؛ فما عادوا يصغون لنصائحهم ولا آرائهم. إن عدم طاعة الآباء وباء تفشى بصورة تدعو للقلق، انتشر في بيوت كثيرة فتلوثت أجوائها بالتوتر وتكدرت بالشكوى المتبادلة وأفقدها المودة والتوافق بين أفراد العائلة. عزيزي الشاب، قد تأتي النصائح من أبويك حسب الجسد أو من كبير في العائلة أو من أحد خدام الرب الذين أقامهم الرب ليكونوا آباء ورعاة بين شعب الرب. أدعوك أن تخضع للإنذارات الإلهية التي يرسلها لك من خلالهم. من حقك أن تناقش لكي تفهم، لكن أرجوك اسمع جيدًا باتضاع واحترام ونية مخلصة للتصرف الصحيح المرضي للرب. أذكر أن الإستهزاء بأبويك بغيض جدًا في عيني الرب وله عواقبه الوخيمة علاوة على حرمانك من رضا الرب. تأمل كيف بارك الله اسحق من أجل طاعته، وكيف أكرم راعوث وكافأها على خضوعها، وفوق الكل أدعوك أن تتأمل أروع مثال وهو الرب يسوع حين كان في الجسد وهو صبي يخضع ليوسف ومريم ولم يحتقر فقرهما وبساطتهما ومحدودية علمهما.