كانت المطوَّبة مريم تعرف وصايا الله وتحفظها، تنفِّذها وتعيشها، وهي سمة رائعة لكل من يحب الرب ويتّقيه. ويمكننا أن نرى ذلك بوضوح في عدة مواقف من حياتها، مثل:
(1) ختان الصبي يسوع
كان الختان علامة عهد بين الله وإبراهيم، فأوصاه أن يختن كل ذكر، ابن ثمانية أيام (تكوين17: 9 14)، هذا ما كان على كل شعب الله أيضًا. لذلك نجد مريم ويوسف ختنا الصبي في اليوم الثامن وأعطياه اسمه، «وَلَمَّا تَمَّتْ ثَمَانِيَةُ أَيَّامٍ لِيَخْتِنُوا الصَّبِيَّ سُمِّيَ يَسُوعَ، كَمَا تَسَمَّى مِنَ الْمَلاَكِ قَبْلَ أَنْ حُبِلَ بِهِ فِي الْبَطْنِ» (لوقا2: 21).
والختان في اليوم الثامن كان دلالة على طاعة العائلة لوصايا الله، حتى أن بولس الرسول افتخر أنه خُتن في اليوم الثامن (فيليبي3: 5). واليوم الثامن يرتبط بالله والأبدية، ويفيد بداية جديدة، وكانت الحيوانات الطاهرة تُقدَّم لله في اليوم الثامن (خروج22: 30).
كانت تسمية الطفل تتم في يوم ختانه، وكان هذا مرتبطًا باحتفال هام وعظيم، وعند إعطاء اسم يوحنا المعمدان كان حاضرًا الجيران والأقرباء (لوقا1: 57 63).
(2) تطهيرها
أوصت الشريعة أن المرأة إذا حبلت وولدت ذكرًا تكون نجسة سبعة أيام ثم تقيم ثلاثة وثلاثين يومًا في دم تطهيرها. كل شيء مقدس لا تمس وإلى المقدس لا تجيء حتى تكمل أيام تطهيرها، ومتى كملت أيام تطهيرها، تأتي بخروف ابن سنة، لتقدِّمه مُحرَقَة، وحمامة أو يمامة ذبيحة خطية إلى باب خيمة الاجتماع. فيقدِّمها الكاهن أمام الرب ويكفِّر عنها فتطهر من ينبوع دمها (لاويين12: 1 7)، ولأن المطوبة مريم تحفظ وصاية الله لذلك يقول الكتاب: «وَلَمَّا تَمَّتْ أَيَّامُ تَطْهِيرِهَا، حَسَبَ شَرِيعَةِ مُوسَى (أي 40 يومًا)، صَعِدُوا... إِلَى أُورُشَلِيمَ... ولِكَيْ يُقَدِّمُوا ذَبِيحَةً كَمَا قِيلَ فِي نَامُوسِ الرَّبِّ: زَوْجَ يَمَامٍ أَوْ فَرْخَيْ حَمَامٍ» (لوقا2: 22، 24).
ولأن مريم ويوسف كانا من الفقراء لم يستطيعا أن يقدِّما الخروف، لذلك قدَّما زوج يمام أو فرخي حمام، فالله الحنَّان عمل حساب الفقراء في هذا الأمر فقال: «وَإِنْ لَمْ تَنَلْ يَدُهَا كِفَايَةً لِشَاةٍ تَأْخُذُ يَمَامَتَيْنِ أَوْ فَرْخَيْ حَمَامٍ، الْوَاحِدَ مُحْرَقَةً، وَالآخَرَ ذَبِيحَةَ خَطِيَّةٍ، فَيُكَفِّرُ عَنْهَا الْكَاهِنُ فَتَطْهُرُ» (لاويين12: 8).
قدَّم سليمان وحزقيا ويوشيا آلاف الثيران والحِملان، لكن ما قدَّمه يوسف ومريم في هذه المناسبة كان زوج يمام أو فرحي حمام، ومع أنها تقدمة متواضعة، لكنها في نظر الله عظيمة جدًا.
كان هناك ضروة للتطهير الطقسي، ليس للطفل لكن الأم، وفي شريعة التطهير المذكورة في لاويين12، لم يذكر أي شيء عن تطهير الطفل لكن تطهير الأم، لأن عين الروح القدس كانت متجهة للطفل يسوع القدوس.
(3) تقديم الابن البِكر لله
بعد فداء الأبكار في أرض مصر على أساس رش دم خروف الفصح على العتبة العلية والقائمتين (خروج12)، كلم الرب موسى قائلًا: «قَدِّسْ لِي كُلَّ بِكْرٍ، كُلَّ فَاتِحِ رَحِمٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، مِنَ النَّاسِ وَمِنَ الْبَهَائِمِ. إِنَّهُ لِي» (خروج13: 2). البكر يُقدَّس أي يخصَّص لله، والرب استبدل أبكار بني إسرائيل الذين فُدوا من ضربة الهلاك باللاويين ليخدموه خدمة مستمرة.
والبِكر كان أيضًا يُقدَّم لله، إذ قال الرب: «وَأَبْكَارَ بَنِيكَ تُعْطِينِي» (خروج22: 29). لذلك، ذهب يوسف ومريم بالصبي يسوع إلى الهيكل ليقدِّماه لله، كما مكتوب: «صَعِدُوا بِهِ إِلَى أُورُشَلِيمَ لِيُقَدِّمُوهُ لِلرَّبِّ» (لوقا2: 22). وما أروع أن نقدِّم أولادنا لله، ونصلي من أجلهم، حتى يتكرسوا له ويعيشوا لمجده.
(4) تذهب إلى أوشليم كل سنة في عيد الفصح
هناك سبعة أعياد يهودية هي: الفصح، الفطير، الباكورة، الخمسين، الأبواق، الكفارة، المظال.
أمر الله شعبه أن يعيدوا هذه الأعياد السبعة، وأول هذه الأعياد هو عيد الفصح. وكان يُعمل في اليوم الرابع عشر من الشهر الأول، وارتبط به عيد الفطير الذي يستمر سبعة أيام (خروج12: 15؛ لاويين23: 6؛ تثنية16: 3).
كانت المطوَّبة مريم ويوسف والطفل يسوع يواظبون على حضور هذا العيد السنوي، كما هو مكتوب: «وَكَانَ أَبَوَاهُ يَذْهَبَانِ كُلَّ سَنَةٍ إِلَى أُورُشَلِيمَ فِي عِيدِ الْفِصْحِ» (لوقا2: 41)، وهذا يرينا حرصها على تتميم أقوال الله، ليتذكَّروا ذبح خروف الفصح ورش دمه على العتبه العليا والقائمتين، ونجاة الأبكار من ضربة الهلاك، ثم خروج بني إسرائيل من أرض مصر إلى البرية.
ليعطنا الرب أن نحب كلمته الحية الفعالة؛ فنقرأها يوميًا، ونفهمها، ونحفظها، وندرسها، ونعيشها، وتسكن في قلوبنا بغنى؛ فنقول مع المرنم: «أَبْتَهِجُ أَنَا بِكَلاَمِكَ كَمَنْ وَجَدَ غَنِيمَةً وَافرة» (مزمور119: 162).